انتهى المركز القومى للبحوث التربوية والتنمية من إعداد "إستراتيجية الأمن الفكرى" لمواجهة ظاهرة العنف المدرسى بالتعليم قبل الجامعى، وأصبحت هذه الظاهرة من أهم الظواهر التى يجب أن تتكافل جميع مؤسسات الدولة لمواجهتها. وأكدت الدراسة أن المجتمعات قد تحكمها مجموعة من المدخلات الثقافية التى تبتعد عن إرادة المدرسة كمؤسسة تربوية، وتمثل تربة خصبة لإنتاج العنف المدرسى لدى الطلاب فى جميع مراحل التعليم قبل الجامعى، ومن أهم هذه المدخلات الثقافية ثقافة الذاكرة فى مقابل ثقافة التفكير، حيث تركز العمليات التعليمية والتدريسية فى المدرسة على حشو ذاكرة الطالب بالكثير من المعلومات المتناقضة، بعيدا عن تنمية مهارات التفكير الناقد، والتفكير الإنتاجى، والتفكير المنطقى. وأوضحت الدراسة أن هناك ثقافة التنافس فى مقابل ثقافة التعاون، حيث تسود الممارسات التعليمية التى تدعم التنافس بين الطلاب فى المدرسة وفى المنزل، وثقافة الهجوم فى مقابل ثقافة التبرير، وثقافة التهكم والسخرية فى مقابل ثقافة الحوار، وثقافة نقد الآخر فى مقابل ثقافة بناء الذات، حيث إن عمليات النقد أصبحت سمة أساسية فى البرامج التعليمية والبرامج الإعلامية بغرض تشويه صورة الآخر، وبناء صور ذهنية خاطئة حول من يختلف معنا الجوانب العقائدية أو الفكرية أو غيرها من المجالات المعرفية. وأشارت الدراسة إلى ثقافة الانسحاب فى مقابل ثقافة المبادرة، فتقدم المجتمع يقوم على كتلة حرجة من الأشخاص يمتلكون مقومات المبادرة والعمل الإبداعى والإنتاجى، والمدرسة منوط بها بناء هذه الكتلة الحرجة من طلابها، لكن الواضح أن الغالبية العظمى من الطلاب يميلون إلى التواكل والتكاسل والانسحاب وعدم المشاركة الإيجابية فى مواجهة قضايا المجتمع، وكذلك ثقافة الاستهلاك فى مقابل ثقافة الإنتاج والإبداع. وأكدت أن تحويل مؤسسات المجتمع إلى مؤسسات استهلاكية دون إبداع وإنتاج، يحول المدرسة إلى مخزون من الطاقات البشرية الهائلة والمعطلة، والتى قد تنحرف بصاحبها إلى مسارات العنف القائم على تصورات فكرية خاطئة، أو قد تؤدى إلى الإرهاب القائم على تطرف فى الفكر نتيجة غياب دور المدرسة فى بناء الشخصية المتكاملة، واستثمار الطاقات البشرية فى البناء والإنتاج والإبداع. وأضافت الدراسة أيضا أن ثقافة الجمود الفكرى فى مقابل ثقافة الأمن الفكرى، حيث إن المعضلة الحقيقية أن يتوقف مجموعة من أفراد داخل مجتمع ما عند حقبة زمنية محددة أو مكان محدد قد يتفق أو يختلف مع مفردات العصر الحالى، فالمدرسة يجب أن ترتبط ببناء الواقع والمساهمة فى تشكيله، وعليها أن تستشرف المستقبل دون بناء توقعات عالية تفصل بين واقع الطلاب وطموحاتهم. وأضافت: "وأخيراً ثقافة نقد التجربة فى مقابل الدعم فالطلاب يجب أن يتعلموا التجريب داخل معامل العلوم، بل عليهم أن يتعلموا التجريب بالمحاولة والخطأ داخل الفصول الدراسية، لبناء مهارات التفكير العلمى وتوظيفه مع المشكلات والظواهر الاجتماعية، وبناء مهارات الحوار والنقاش والتبرير والبرهان وتقديم ودراسة الأدلة وتفنيدها، والتعامل مع المتناقضات والشائعات". وأوضح المركز القومى للبحوث التربوية والتنمية خلال إستراتيجية الأمن الفكرى لمواجهة ظاهرة العنف المدرسى بالتعليم قبل الجامعى، أن تنمية هذه المهارات كفيل ببناء مواطن إيجابى متفائل بدرجة مقبولة، تجعله يدعم الآخرين فى تجاربهم الشخصية والاجتماعية دونما الوقوف عند ثقافة النقد والتهكم والسخرية، التى تمثل مدخلا من مدخلات العنف المدرسى والعنف الاجتماعى، خاصة عندما تدعمها وسائط الميديا الاجتماعية. وأكدت الإستراتيجية أن تحكم الثقافات السابقة فى العلاقات الإنسانية فى أى مجتمع يؤدى بالضرورة إلى وجود ظاهرة العنف المجتمعى فى أشكال العلاقات الاجتماعية داخل وخارج المؤسسات سواء مؤسسات نظامية أو مؤسسات غير نظامية، والذى قد يؤدى إلى تطور هذه الظاهرة إلى ما يسمى بالإرهاب الفكرى.