إذا كانت تصريحات المسؤولين المعسولة، عن كاميرات المراقبة التى تم تركيبها فى البؤر الساخنة صحيحة، وكانت هذه الكاميرات لا تترك شاردة ولا واردة، فلماذا نصحو من حين لآخر على دوى انفجار هنا وقنبلة هناك؟ كيف يصل الإرهاب إلى منشآت الشرطة ذاتها إذا كانت الكاميرات تعمل بكفاءة والأمور تسير على طريقة «كله تمام يا فندم»؟ الواقع أن المسافة بين التصريحات والواقع واسعة للغاية، وهناك ملايين الجنيهات تم إنفاقها أو بالأحرى هدرها، دون أى جدوى، فيما كبار مسؤولى وزارة الداخلية يؤكدون ب«الفم المليان» أن كل شىء تحت المراقبة، فيما تبدو الكاميرات أشبه ما تكون بخيال المآتة الذى تألفه طيور الحقول، فلم تعد تخشاه zصارت تحط على كتفيه وتنفر عينيه. الواقع يبدو غريبًا، فرغم ما يبدو من فشل لمشروع الكاميرات حتى الآن، أعلن محافظ القاهرة مؤخرًا عن توقيع بروتوكول ضخم بحضور إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، لتركيب 250 كاميرا وتوزيعها فى ميادين المحافظة وشوارعها الرئيسية بتكلفة 260 مليون جنيه، بينما يعلن رئيس جامعة القاهرة عن حاجته ل10 ملايين جنيه لتركيب كاميرات حول الجامعة، وتتوالى من بعدئذٍ تصريحات باقى المحافظين فى الإعلان عن مشروعاتها لتركيب كاميرات. الاتجاه الحكومى لاستخدام الكاميرات أمر ليس بالجديد، فقد بدأ الإعلان عنه فى 2008 حينما أعلنت وزارة الاتصالات عن مناقصة لاستخدام الكاميرات فى المناطق السياحية والتاريخية ومن بينها منطقة «الحسين»، وعقب تقدم الشركات إليها تم إلغاء المناقصة وإعادة أموال التأمين، وأعلنت وقتها الشركات عن عدم معرفتها بأسباب الإلغاء ورفضت وزارتا الاتصالات والداخلية التى كان يتولاها حبيب العادلى وقتها التعليق، ومع وقوع حادث تفجيرات الحسين تكرر الحديث حول عدم تنفيذ المشروع من جديد، ووقتها صرح الخبير الأمنى فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة السابق، بأن المشروع قدمته وزارة الداخلية فى عهد حسن أبو باشا، لنشر الكاميرات فى الميادين المهمة، إلا أنه تم إلغاؤه أيضا فى عهد خليفته الوزير الأسبق أحمد رشدى. وما بين إلغاء المشروع فى عهد مبارك لارتفاع تكلفته، وإعادة الترويج له بمبالغ ضخمة فى الفترة الحالية، تبقى العديد من التساؤلات مطروحة بقوة حتى لا يكون ضخ الأموال مجرد أداة لامتصاص غضب الشارع من الفوضى الأمنية، وحتى لا تتكرر الإجابة التى وردت فى تبرير تفجيرات جامعة القاهرة، بأن «الكاميرات محطمة ولم نرصد الجناة فيها». تجارب دولية فى 2011 أعلنت حكومة دبى عن قرارها الوزارى رقم «24» لإنشاء إدارة النظم الأمنية، وفقا للقانون رقم 9 من نفس العام، لتنظيم عملية تركيب الكاميرات فى أنحاء إمارة دبى، والتى وصل عددها حاليا إلى أكثر من 1500، ووضعت حكومة دبى فى القانون تبعية تركيب أى كاميرا لإدارة النظم الأمنية، بحيث تقوم بتحديد أماكن تركيب الكاميرات بالأماكن العامة فى الدولة، ومراقبة الشوارع والإشراف عليها لتسهيل الحركة المرورية ورصد أى مخالفات. نجاح نظام المراقبة فى دبى، اعتمد على القدرة على تنظيمها أكثر من اعتبارها مجرد أداة للمراقبة، فالإدارة قامت بالتنسيق مع الهيئات كافة لتركيب الكاميرات، فضلا على التنسيق بين جهات الترخيص المختلفة لمنح فترة محددة للمنشآت الخاصة بتركيب كاميرات، كما يفرض القانون، وإلزام المنشآت الجديدة بوضع كاميرات للحصول على الترخيص، فيما فرض إصدار قانون لتنظيم العمل بالكاميرات فى دبى على المنشآت الاحتفاظ بكل الفيديوهات لمدة 120 يوما. نظام المراقبة فى دبى بالطبع هو أقل تطوراً من نظام المراقبة بالكاميرت فى لندن على سبيل المثال والتى تصل عدد الكاميرات فيها إلى نحو 4 ملايين كاميرا، تقوم برصد كل حركة تقريبا فى المدينة، وفقا لنظام التليفزيون المغلق، وتتركز غرفة مراقبتها فى حى وستمنستر وسط لندن. الوضع فى مصر لا يبدو واضحا، فحتى الآن لم يعلن أى من المسؤولين عن نظام محدد للتعامل مع فكرة استخدام كاميرات المراقبة، ولا تسير الجهات الحكومية فى خطة واضحة بشأنها، فهناك من المحافظات أعلنت عن تركيب الكاميرات مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبيةوالشرقية والبحر الأحمر والإسماعيلية، وهو نفس الحال فى الجامعات، حيث أعلنت جامعات القاهرة والأزهر وعين شمس عن استخدامها، كما أعلنت وزارة الداخلية عن تركيب كاميرات فى إشارات المرور والميادين فى القاهرة والجيزة أيضاً. ولا تتضح حتى الآن الجهة المسؤولة عن تدريب العاملين ولا التنسيق بين الجهات المختلفة لاستخدام الفيديوهات بشكل سليم، وعلى سبيل المثال، أصدر محافظ الشرقية قرارا بإلزام المحال بتركيب كاميرات داخلية وخارجية للمراقبة للحصول على التراخيص أو تجديدها، بينما تولت محافظتا القليوبيةوالقاهرة تكلفة التركيب بالكامل، وأعلنت جامعة القاهرة عن تركيب الكاميرات بتكلفة تصل إلى مليونى جنيه، لم يمر شهر حتى أعلن عن تحطم تلك الكاميرات. حسام يحيى، أحد الخبراء فى مجال كاميرات المراقبة، يقول «كل تصريحات المسؤولين حول استخدام الكاميرات متضاربة وتنم عن عدم وعى، وستمثل إهدارا للمال العام»، مضيفا «الكاميرات فى جامعة القاهرة موجودة فى مناطق خاطئة، لأنه من المفترض أن تراقب الكاميرات بعضها البعض، وبالتالى التأخر فى الإعلان عن المتهمين فى تحطيمها غير مبرر». حسام، الذى تدرب فى غرفة لندن، يقول «تركيب الكاميرات يجب أن يكون بشكل متوال بحيث تراقب كل كاميرا كاميرتين أخريين، وبالتالى أى هجوم على أى كاميرا، تسجله الكاميرات الأخرى، وهنا نعتمد على تدريب العاملين فى غرفة المراقبة ويقظتهم فى رصد أى تحرك غريب فى محيطها». الكاميرات.. أنواع «الآى بى» هو النظام التى تتجه له أغلب الجهات الحكومية، وفقا لأحد المصادر العاملة فى مجال كاميرات المراقبة، وهو النظام الأحدث عالميا، حيث يعتمد على الإنترنت لنقل الصورة، وتكون الكاميرات المستخدمة فيه «لاسلكية»، ويبدأ سعرها من ألفى دولار وتصل إلى 20 ألف دولار. «هذا إهدار مال عام» هكذا بدأ عصام إبراهيم، مهندس متخصص فى مجال المراقبة بالكاميرات حديثه موضحا أن طبيعة الوضع فى مصر يحتاج إلى الدمج بين نظامى «الكاميرا المتحركة» لكى تستطيع رصد الحركة، و«الكاميرا الثابتة» والتى تستطيع أن تغطى الوضع بشكل عام، مضيفا «بالنسبة للكاميرا المتحركة فالأفضل استخدام نظام الانالوج، وهو النظام الذى يعتمد على الدوائر التليفزيونية المغلقة، وبالتالى فهى تنقل الصورة بشكل آنى، بينما تصبح الآى بى أعلى فى الكاميرا الثابتة لأنه يعتمد على الإنترنت». عصام يوضح أن اتجاه الحكومة لشراء كاميرات المتحركة أو الثابتة بنظام «الآى بى» على أساس أنها الأحدث تكنولوجيا ينم عن عدم وعى بطبيعة ما يحتاجه الشارع، قائلاً: «الكاميرات المتحركة فى نظام الآى بى بطيئة للغاية لأنها تعتمد على الإنترنت فى نقل الصورة، وبالتالى فالمعدل فيها بطىء، وقد يعوق تتبع الجانى ويعطيه فرصة لتحطيم الكاميرا دون رصده، كما أن الكاميرات الآى بى لا تستطيع أن نحصل منها على صورة مقربة للشخص، فهى أقرب لكاميرا الموبايل، وبالتالى تصبح الصور كلما زاد البعد بينها وبين الكاميرا غير واضحة». الآى بى، هى الكاميرا التى كانت موجودة على مبنى المتحف الإسلامى وقت تفجير مديرية أمن القاهرة، لذلك لم تستطع التعرف على صورة الجانى نظرا لبعد الكاميرا وعدم وضوح الصورة كلما اقتربت من وجوههم. يقول عصام «تستخدم غرف للمراقبة فى كل دول العالم نظام الدمج بين النظامين، فاستخدام الصورة الثابتة فى تصوير الميادين بشكل عام بينما يتم استخدام الصورة المتحركة لرصد التحركات». العمل بلا قانون عدم إصدار قانون لاستخدام الكاميرات أو تغيير تشريعى لتقنين أوضاعها، يفتح المجال أمام التساؤل حول كيفية استخدام الكاميرات، والحال إذا ما حدث تضارب بين الجهات المختلفة، ويقول نبيل فتحى، مدير المراقبة بإحدى غرف المراقبة «لا يوجد قانون يلزم المنشآت الخاصة بتسليم الفيديوهات الخاصة بكاميراتها، إلا المنشآت السياحية لأن القانون يلزمها بذلك، ولذلك مبدئيا لتطبيق نظام المراقبة فى مصر، يجب إصدار تشريع لتنظيم استخدام الكاميرات والجهة المسؤولة عن ذلك، ويجب أن يكون مستقلا حتى لا يحدث تضارب للمصالح أو استخدامه فى جهة لصالح أخرى». يضيف فتحى «يجب أن يكون الجهاز مستقلا عن أى جهة حكومية، ويتبع رئاسة الوزراء مباشرة، لأن الكاميرات فى الشارع تنسق العمل بين كل الوزارات وليس الأمنية فقط».