أثارت عملية تصوير المتهم بقتل الفنانة «سوزان تميم»، انتباه المعنيين بالأمن وتأمين المنشآت والأشخاص فى مصر، إلى أهمية كاميرات المراقبة والنظم المرتبطة بها، خصوصاً بعد تعدد الإشارات إلى التخلف الذى عانى منه العالم فى حقل استخدام التكنولوجيا فى التأمين وكان أبرزها عند وقوع حادث مترو الأنفاق الإرهابى بلندن عام 2005، حيث قدمت كاميرات المراقبة خدمة لا تقدر بثمن لسرعة تحديد الجناة ومن ثم التوصل إليهم فى ظل غياب كامل لمثل هذه التكنولوجيا، عندنا بل ووقوع عدة حوادث - سرقة ذهب - لم يتم التوصل إلى مرتكبيها وعندما وقع حادث اعتداء طالب هندسة من عزبة عثمان بشبرا، على سائحين بشارع الموسكى قامت فرق من جهاز الأمن القومى بإعداد دراسات حول كيفية تأمين مثل هذه المناطق المزدحمة، وتوصلت إلى ضرورة تأمين المناطق السياحية الرئيسية بالكاميرات، مع البدء ب23 كاميرا دوراة بمنطقة الأزهر، تلا ذلك قيام شركة أجنبية بتقديم نموذج عملى لما يمكن نقله من الشارع لحظياً إلى مباحث العاصمة، كما تم توقيع بروتوكول بين المباحث ووزارة الاتصالات فى 29 يونيو 2006. وقعه وقتها اللواءان إسماعيل الشاعر وأنور حلمى للتعاون فى مجال التأمين عبر منظومات تكنولوجيا المعلومات، لكن الدوامة اليومية - حسب قول مصدر أمنى - حالت دون تنفيذ المشروع حتى الآن، وإن كانت مديرية أمن القاهرة بصدد الإعلان خلال أيام عن تشكيل غرفة المراقبة والتحكم اللازمة لهذا المشروع والتى ستستقبل إرسال الكاميرات وأضاف المصدر الأمنى إننا يجب أن نتذكر أن أكاديمية الشرطة عقدت فى عام 1999 - وقت رئاسة اللواء نشأت الهلالى لها - مؤتمراً بعنوان «كيفية مواجهة الجريمة فى الألفية الثالثة بتكنولوجيا حديثة»، وأنه يتمنى أن يعاد إحياء الاهتمام بتوصيات ذلك المؤتمر وكشفت معلومات الخبراء عن أن سوق كاميرات المراقبة مرشحة للنمو القوى فى السنوات المقبلة، وأن عدد الكاميرات المباعة سيصل إلى 01 آلاف سنوياً على الأقل، بحجم عمل يصل إلى مليار جنيه ويحتاج تأمين محطات مترو الأنفاق وحدها فى داخلها وخارجها والمسارات لمنع سرقة الفلنكات نحو1000كاميرا فى عام 2009 وفق الخطط المعدة وأوضحت المعلومات أن إحدى شركات أجهزة المخابرات هى التى تتولى تركيب وتشغيل الكاميرات فى المبانى السيادية المهمة والمتاحف القومية والسفارات المصرية بالخارج، وأنها تستعين أحياناً بالشركات الخاصة لتنفيذ العمليات الكبيرة لكن بعد تصنيف العاملين بها ومنحهم تصديقاً أمنياً، ولا يستطيع أحد أن يعرف حجم عمليات تلك الشركة، غير أن القوات المسلحة والداخلية تسمحان للشركات الخاصة بتوريد كاميرات ومنظومات لبعض الأعمال بهما، وتتكلف المنظومة الواحدة «ديجيتال» نحو 70 ألف جنيه كحد أدني، وقد تصل تكلفة 8 كاميرات - كما حدث فى شركة بترول مؤخراً - إلى 3 ملايين جنيه، وتحتاج الشركات العاملة فى هذا المجال، وعددها نحو 40 شركة إلى الحصول على ترخيص لصالح العميل، إذا كانت ستستخدم التردد 8.5 جيجا هيرتز لنقل بيانات الصوت والصورة من الكاميرا الديجيتال إلى غرفة المراقبة، ويتم الحصول على الترخيص من المرفق القومى لتنظيم الاتصالات. يقول الدكتور حازم إبراهيم عزت استشارى النظم والتأمين الإليكترونى وأحد أهم الخبراء فى هذا المجال والحاصل على دكتوراه من «أوهايوستيت» فى تأمين الاتصالات باستخدام الأقمار الصناعية، إن تطور الجريمة المنظمة يوجب سرعة الأخذ بنظم التأمين العصرية والاستعداد ببرامج تحول دون إفساد تلك النظم أو تعطيلها أو اختراقها من قبل «الهاكرز» أو المجرمين، وقال إن عيوب التأمين بالفرد باتت جلية، ورغم أنه لايزال الأرخص على المدى القصير إلا أن عدة حوادث عالمية ومحلية لفتت إلى ضرورة استخدام الكاميرات، وإن كانت الشركات المتوسطة لاتزال مترددة، بينما لجأ بعض الكبار مثل «أوراسكوم» و«ألكان» إلى إنشاء شركات لتلك النظم، لتخدم نفسها وتبيع الخدمة للغير، وقال إنه لا توجد رابطة تضم وكلاء الكاميرات ومقدمى خدمة النظم، كما لا يوجد ميثاق شرف لتلك المهنة للتصدى لمواجهة ما يمكن أن ينجم فى حال انتهاك أسرار العميل أو إفشائها، ولا توجد أيضاً معامل لمعايرة واختبار جودة المنتجات، ولفت إلى أن 4 شركات كبيرة تسيطر على 75% من حجم العمل، وأن ارتفاع قيمة خطابات الضمان يحول دون تمكن الصغار من المنافسة فى أغلب المناقصات. وحذر الدكتور حازم من التعامل مع منظومات المراقبة ك«برستيج» أو مجرد منظر، فالهدف الأصلى هو تأمين الفرد أو المنشأة أو المنقولات، بمساعدة متخذ القرار على اتخاذ موقف حال حدوث محاولة سطو أو سرقة أو تعد، وأشار إلى أن تشابك النظم الذكية سيزيد من حجم هذا البيزنس بشدة فى مصر، حيث تميل المؤسسات شيئا فشيئاً إلى تشبيك خدمات البوابات الإليكترونية والإطفاء ومراقبات الأسانسير والجراج والممرات فى منظومة واحدة، وتوقع أن تبادر شرطة السياحة بالأخذ بنظم المراقبة بالكاميرات بديلاً عن الأشخاص، بعد أن دارت مناقشات بين أجهزة مختلفة فى هذا الصدد. وأضاف المهندس وائل حسام، نائب رئيس إحدى الشركات العاملة فى هذا المجال، إلى المجالات المرتقب أن تتوسع فى استخدام كاميرات المرور، حيث فازت شركته بتركيب كاميرات فى مرسى مطروح والسويس والإسماعيلية وكفر الشيخ والبحيرة والوادى الجديد «على عمارات أو على أعمدة»، وتتحمل المحافظات التكاليف ويحصل القائم بالتركيب عادة على عقد صيانة، ويشير إلى أن كاميرات المرور التى تم البدء فى زرعها فى القاهرة، لكن بقية المحافظات مفتوحة، ويقدر حجم الطلب المتوقع ب10 آلاف كاميرا سنوياً، وأشار إلى أن منظومة الديجيتال تكلف 10 أضعاف الأنالوج، لكن الأخير عادة يعطى صوراً أكثر وضوحاً ونقاءً وهو ضرورى لأماكن حساسة مثل السفارات، وأكد أنه من الصعب التنبؤ بحجم الطلب على الكاميرات التناظرية «الأنالوج» ولكنه يجزم بأن المستقبل للرقمى. الجدير بالذكر أن مستورد الكاميرا يدفع عنها جمارك 25%، بالإضافة إلى 10% ضريبة مبيعات، إذا كانت كاميرا مسجلة، و10% جمارك فقط، مع ضريبة المبيعات للكاميرا العادية، وتشير المشاهدات إلى منافسة قوية بين الإنجليز والأمريكيين والألمان واليابانيين والكوريين والصينيين، فى مجال إنتاج الكاميرات والوسائط اللازمة لها من شاشات ولوحات وسويتشات وغيرها «ويلعب السعر عادة لصالح كوريا والصين. ويرى المهندس حسام النشار، مدير قطاع الأنظمة الإلكترونية بشركة بريطانية عالمية تعمل فى مصر، أن المناقصات يجب أن تحتوى على عناصر مفاضلة محددة مع إعطاء نقاط لكل عنصر، لأن الجهات الحكومية بحكم خضوعها لرقابة محاسبية معروفة، تميل إلى الأرخص، مع أنها تعرف أنه ليس الأفضل، وأكد أن المستقبل لنظم مراقبة الشوارع بالكاميرات، وستكون البداية فى المدن السياحية، ولفت إلى أن عمليات شرم الشيخ تذهب عادة للشركة التابعة للأمن القومي، حتى الآن، لكن أمام القطاع الخاص أيضاً فرص أخرى واسعة فى الفنادق ومترو الأنفاق والمولات والجراجات، لافتاً إلى أنه سيأتى قريباً الوقت الذى يتم فيه العمل داخل العاصمة بفكرة فرض رسوم على دخول السيارات منطقة محددة «مثلما يحدث فى لندن» بحيث تعلق كل سيارة ستيكر به قيمة مثل كارت الشحن، وبمرورها أمام الكاميرا على مداخل تلك المنطقة يتم خصم جزء من الرصيد، ولفت إلى أن بوابات «حط الشنطة على الجهاز من فضلك» يتزايد الإقبال عليها أيضاً فى مصر بشدة، جنباً إلى جنب مع الكاميرات، وأشار إلى حصول شركته على تعاقد مع كل توكيلات مجموعة الشايع لتركيب كاميرات وأجهزة مراقبة وتحكم، وقال إن البعض يلجأ إلى الكاميرات، خصوصاً الأنالوج البسيطة، كحيلة لتسهيل أوراقه فى الدفاع المدنى أو المطافئ، وانتهى إلى أن أمام الشركات المصرية فرصاً قوية للعمل فى ليبيا والسودان، لأن المصريين برعوا فى ابتكار تطبيقات تخدم الواقع المحلي، الطريف أن عادل حفني، رئيس شركة أمن وحراسة، قال ل«المصرى اليوم» إن دور الفرد فى التأمين يتراجع فى العالم كله، لكنه يتزايد فى مصر، ويضيف: «مش لاقيين أفراد لتلبية الطلبات، والمشكلة إن الكثير من المنشآت بل العمارات والمحال، يحتاج فرداً أو أكثر، لكن ما يستطيع دفعه ليس كبيراً، وبالتالى فإن الأجر الذى تقدمه شركة الأمن لعامليها محدود ولا يشجعهم على الاستمرار فى العمل، ولذلك فلدينا دائماً «داخلين جدد» من فقراء الريف و الأحياء العشوائية، الذى يعتبرون الأمن «شغلانة مؤقتة» ويدعو إلى الاهتمام بالمعرض السنوى لنظم التأمين وبمعارض أدوات التأمين فى العالم، وتثقيف الناس بدور هذه المنظومات وأفضل السبل للتعامل معها حتى لا تستخدمونها عشوائياً. متوقعاً أن يظل هناك احتياج لفترة طويلة فى كثير من المواقع لتكامل الفرد والكاميرا، كما يحدث فى المتاحف حالياً. وقال اللواء مهندس متقاعد عادل قناوي، الرئيس الأسبق لمصنع البصريات، إن تصنيع الكاميرات فى مصر صعب، إلا أن جزءاً ليس بالقليل من المنظومة التأمينية «هاردوير وسوفت وير» يمكن أن يكون مصرياً، مشيراً إلى أن لدينا خبرات متراكمة من خبراء الإشارة والاستشعار عن بعد، والنظم الإلكترونية، ولفت إلى أن مصنع البصريات يصنع فقط أجهزة رؤية ليلية ومعدات بصرية للقوات المسلحة، ودعا إلى عدم إساءة استخدام نظم المراقبة كما حدث فى حالات تصوير معروفة تم تسريبها لرجل أعمال وراقصة، أو فى قيام البعض باستخدامها للتجسس على ما يدور على سلالم العمارة. ويشير الدكتور عثمان لطفي، الأستاذ بكلية الهندسة إلى أن مرفق الاتصالات رفض طلباً من شركة أرادت شراء حق الدخول على حسابات عملاء الموبايل، حفاظاً على سرية المعلومات وحرمة الحياة الخاصة، وفى أمريكا رفضت جمعيات حماية المستهلك وضع مُرسل صغير على كل سلعة، بحيث يتم رصد أثمان السلع التى اشتراها العميل وهو خارج دون المرور على «الكاشير» وخصم الثمن من حساباته الائتمانية أتوماتيكياً، لأنها رأت أن من سيقوم بتجميع معلومات عما يشتريه الفرد «من أدوية مثلاً» وفرزها يمكنه أن يوظفها لأغراض شريرة، وأضاف أن المراقبة بالكاميرات ستنتشر لا محالة لضرورتها، وعلى المجتمع المدنى المصرى أن يقدم مبادرات لحماية الخصوصية، وإلا فسيصبح كل منا مستباحاً، مشيراً إلى إمكانية الاقتداء بتجرية لجنة المعلوماتية والحريات الفردية بإنجلترا. وقال العميد ملاح متقاعد محمد عبدالسميع، إن من المهم مراقبة الجالسين فى غرف المراقبة لضمان عدم تمريرهم المعلومات التى تحت أيديهم عبر الإنترنت مثلاً، وعدم السماح لهم بالخروج بأى معلومات أو ملفات وتثبيت كاميرات غير قابلة للتعطيل فى حجراتهم، وأضاف أن حادث سوزان تميم رغم أنه يقدم دليلا على أهمية الكاميرات، إلا أنه أيضاً يشير إلى أهمية الفرد المدرب.