افتتحت وزيرة الثّقافة الشّيخة مى بنت محمّد آل خليفة، مساء أمس، الخميس، البيت التّراثى الأوّل من بعد مركز زوّار قلعة بو ماهر على مشروع طريق اللّؤلؤ (بيت الغوص)، استكمل اليوم عمليّات التّرميم بدعمٍ من عائلة الشّيخ راشد بن حسن آل خليفة، واستعاد موقعه فى الحياةِ ليروى فصلاً جديدًا من مشروع (طريق اللّؤلؤ: شاهدٌ على اقتصاد الجزيرة)، وذلك بحضور العديد من الشّخصيّات الدّبلوماسيّة، عددٍ من المهتمّين بالتّراث الإنسانى والثّقافى ومجموعة كبيرة من أهالى المنطقة والإعلاميّين، وذلك ضمن برنامج ربيع الثّقافة التّاسع (قوس فرح). ومن جانبها وجّهت وزيرة الثّقافة الشّكر والتّقدير لعائلة الشّيخ راشد بن حسن آل خليفة، قائلةً: (جميلٌ أن نلحظ هذا الاهتمام بالتّراث والوعى بأهميّة الحفاظ على هذه البيوت الحضاريّة. المجتمع المدنى يساند الثّقافة، والكثير من المشاريع تتحقّق بفضل أولئك الذين يساهمون معنا فى الحفاظ على هويّتنا). وأشارت إلى بيت الغوص، مبيّنةً: (نحن اليوم بقلبِ أوّل بيتٍ تراثى على مشروع طريق اللّؤلؤ. أمام كمٍّ كبيرٍ من حكايات الغوّاصين، وفى داخل مكانهم الجميل والمتواضع، حيث يمكننا التّعرّف على أدواتهم، وثائقهم، أغنياتهم وتفاصيل حياتهم. من هذا البيت ستتتابع الحكايات وسنتعرّف إلى إرثٍ جميل يجسّد هويّتنا ويحتفظ بمهنةٍ زاولها العديد من أهالى المنطقة). مشروع طريق اللّؤلؤ الذى يضع فى كلّ مرّة بيتًا تاريخيًّا على طريقه إلى حين اكتماله، يحكى هذه المرّة حكاية الغوّاصين وبداية الشّاطئ، من خلال البيت الذى لا زال يحافظ على طرازه المعمارى القديم والأصيل، ويحتفظ بتفاصيل فراغاته وغرفه التى تسهم كلّ واحدةٍ منها فى قراءة فصول الحكاية، إذ تحتوى إحدى الغرف على مجموعة من أدوات الغوّاصين وبعض الوثائق مثل دفتر خاصّ بالغوّاص صادر عن حكومة البحرين ليدوّن فيه المعلومات الخاصّة به مثل الأجور والدّيون المترتّبة عليه للنّوخذة، إعلان من حكومة البحرين بتخفيض سعر دفاتر الغوص، إعلان من حكومة البحرين بخصوص تنظيم وتحديد تاريخ بداية موسم الغوص ورواتب العاملين على ظهر السّفينة وتنويه بالسّماح لأحد الغوّاصين بالالتحاق بموسم الغوص. وفى غرفة أخرى، فإنّ فنّ الكاليغرافى على جدران المكان يدوّن بعضًا من أغنيات البحّارة، إلى جانب شاشة عرضٍ تستدرج أصواتهم وبعضًا من مشاهد حياتهم. أمّا الغرفة الأخيرة، فهى أكثر الغرف التى لا زالت تحتفظ بالملمس الطّبيعى لجدرانها وتضمّ معرضًا فنّيًّا يرصد الغوص بقطع نحتيّة كبيرة. الغرف الثّلاث جميعها منسّقة حول الفناء الدّاخلى المفتوح (الحوش) الذى يعرض فيلمًا توثيقيا لحياة الغوّاصة. وتنمو فى مساحة هذا الفناء شجرة وارفة الظّلال، تضفى عنصراً جماليّاً على هذا البناء البسيط، بالإضافة إلى أنّها كانت قديمًا تساعد على تلطيف جوّ البيت قبل عصر الكهرباء وأنظمة تكييف الهواء العصريّة. واحتفاءً باستكمال مراحل ترميم هذا المعلَم التّراثى، شهدت الباحة الأماميّة لبيت الغوص حفلاً فنّيًّا لفرقة قلالى للفنون الشّعبيّة التى قدّمت روائع غناء البحّارة وشجنهم العذب فى الموسيقى، بحضور أهالى المنطقة الذين التفّوا حول العرض وشاركوا بالحضور لافتتاح بيت الغوص. يمثّل بيت الغوص واحدًا من 17 مبنى تراثيًّا فى مدينة المحرّق والتى تكوّن فى مجملها طريق اللّؤلؤ المسجّل على قائمة التّراث الإنسانى العالمى لليونسكو. بدأت عمليّات ترميم بيت الغوص منذ مارس 2013م، والآن وقد استكمل ترميمه، فإنّ وزارة الثّقافة تعيد افتتاحه أمام الجمهور، ليكشف للزوّار تفاصيل نمط حياة الغوّاصين، ويمكّنهم من التّعرف إلى الظّروف المعيشيّة لطبقة ذوى الدّخل المحدود من المجتمع البحرينى أثناء عصر اللّؤلؤ المتأخّر. ويحمل هذا البيت قيمة استثنائيّة كونه أحد أبنية التّراث العالميّة التى تصوّر حياة الغوّاص الذى هو أوّل من يلمس اللّؤلؤة، والذى من خلاله تبدأ سيرة اقتصاديّة قائمة على استخراج اللّؤلؤ. يشار إلى أن بيت الغوص، هو آخر بيت من جهة الجنوب فى جزيرة الحالة، وقد كان مطلّاً قبل أن تحدث التغييرات المدنيّة على القناة التى يستخدمها البحارة للوصول إلى قلعة بو ماهر أثناء فترة الجزر، ويُقال أن هذا البيت قد سُكِن واستُخدم من قِبَل العديد من الغوّاصين، كما مرّ به العديد من الزوّار الرّسميّين عند عبورهم لحالة بو ماهر فى طريقهم للسّوق أو لبيت الحاكم. وقد بُنِى هذا البيت ذو الطّابع المعمارى التّراثى فى بدايات القرن العشرين، وهو نموذج عمّا كانت عليه بيوت الطّبقة الفقيرة – المتوسّطة. وقد تغيّرت ملكيّته عدّة مرّات على مرّ السّنين حتّى آلت فى آخر المطاف للسّيد على محمّد الأنصارىّ. لذا لا يمكن اعتبار هذا المنزل شاهدًا على حياة فردٍ بعينه بقدر كونه ممثّلاً لحياة هذه الطّبقة بشكلٍ عام، ولهذا تمّ تسميته بهذا المسمّى المستحدث (بيت الغوص). يمثّل البيت نموذجاً لبيت عائلة بسيط ومتواضع بنى فى أوج عقود صيد اللّؤلؤ، إضافة إلى موقعه الاستراتيجى الذى يوثق العلاقة الجغرافية التى تربط بين الجزر الثلاثة.