دعا الكاتب الأمريكى فريد زكريا الولاياتالمتحدة إلى التدخل فى الأزمة الأوكرانية، على خلاف مواقفه المعلنة سابقا من التدخل الأمريكى فى أى صراع حول العالم. واستهل زكريا مقال بعنوان "لماذا يتعين (الآن) على أوباما القيادة؟" نشرته صحيفة "واشنطن بوست" -فى موقعها الإلكترونى الجمعة- بالإشارة إلى أن الأزمة الأوكرانية نشأت جراء خطأين لم ترتكب واشنطن أيا منهما: الأول تردد الاتحاد الأوروبى، والثانى والأهم يتمثل فى العدوان الروسى، ثم قال: "لكن الكرة الآن فى ملعب الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وعليه إظهار المهارة والقوة لحل الأزمة الكورية". وأوضح أن تردد الاتحاد الأوروبى حيال أوكرانيا أوجد حالة من عدم الاستقرار فى البلاد، كما استثار معارضة من جانب روسيا، إن وجه القوة الذى يمكن أن يهبه الاتحاد الأوروبى لأوكرانيا يتمثل فى منحها عضوية الاتحاد التى نعمت بموجبها مجتمعات عدة فى الجنوب والشرق من أوروبا بالاستقرار والتحديث الاقتصادى والديمقراطية، ومن ثم كان ينبغى التعامل مع هذا الأمر بجدية وبراعة، لكن فى حالة أوكرانيا كان الوضع مختلفا. وأكد زكريا أن أوكرانيا تعتبر أهم دولة بعد انهيار الاتحاد السوفياتى تسعى روسيا للهيمنة عليها سياسيا، ولو كانت أوروبا تريد مساعدة أوكرانيا فى الاقتراب من الغرب لكانت انتهجت خطة جريئة وقوية واتخذت استراتيجية جذب سريع، إلا أن الاتحاد الأوروبى اتخذ بدلا من ذلك طريق المفاوضات المملة والملتوية مع أوكرانيا والتى تمخضت فى النهاية عن اتفاقية انتساب بنودها ملأى بالمطالبات على الصعيدين الاقتصادى والسياسى يتعين على الدولة تلبيتها قبل الحصول على عضوية الاتحاد. ومضى زكريا يقول: "دعونا لا نصر على الاعتقاد بأن تحركات موسكو كانت صائبة استراتيجيا، فلابد أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عايش إحباطا شديدا فى فبراير إبان إقالة حكومة موالية لروسيا وانفلات أوكرانيا من قبضته على نحو دفعه فور انتهاء أولمبياد سوتشى إلى تحريك قواته صوب شبه جزيرة القرم، وهو التحرك غير المحسوب، فإذا كان بوتين استولى بموجبه على القرم، فقد ضيع أوكرانيا فى المقابل". وتابع: "منذ أوائل تسعينيات القرن الماضى وموسكو تهيمن على كييف عبر ساسة يدينون بالولاء لروسيا ويتقاضون ثمن هذا الولاء للاستماع لما يمليه الكرملين، هذا الباب بات الآن موصدا، لقد كانت أصوات الناخبين فى القرم التى (تميل إلى روسيا) قوة يعول عليها فى نجاح مرشحى الرئاسة الموالين لروسيا على غرار ما حدث مع الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش فى انتخابات 2010، أمس وبعد انفصال القرم عن أوكرانيا على يد بوتين غدا مستحيلا فوز مرشح أوكرانى موال لموسكو بالرئاسة فى أوكرانيا، هذا مع الوضع فى الاعتبار أن أوكرانيا ليست منقسمة بالتساوى، فبدون القرم لن يتبقى من الأوكرانيين غير نسبة 15% فقط من ذوى الأصول الروسية. وعليه، استنتج صاحب المقال، أن الأمل الوحيد الباقى أمام روسيا للحفاظ على الهيمنة فى أوكرانيا يتأتى من وقوف بوتين على حقيقة ضرورة أن تظل القرم بأغلبية سكانها الروس جزءا من أوكرانيا. ويرى الكاتب ذو الأصل الهندى أن بوتين بهذا التحرك غير المحسوب فى القرم أثار نزعات قومية مناهضة لروسيا وراء حدودها، ذلك أن ثمة 25 مليون مواطن من أصول روسية يعيشون خارج روسيا، كما أن دولا على شاكلة كازاخستان ذات الأقليات الروسية لابد أن تتساءل متخوفة عما إذا كان بوتين سيثير خمائر الحركات الانفصالية فى بلادها تمهيدا لاستخدام الجيش الروسى لحماية تلك الأقليات فيما بعد، على أية حال، باتت روسيا مضطرة إلى التودد للدول عبر عروض سخية من الغاز الرخيص للانضمام للاتحاد الأوراسى، وربما تدفع روسيا فى هذا الطريق ثمنا باهظا. وأشار زكريا إلى تبدل العلاقات الروسية مع دول وراء دول الجوار أمثال بولندا والمجر، التى كانت ذات يوم تجمعها بروسيا علاقات حميمة لتعانى أمس توترا بل وعداء، وها هو حلف شمال الأطلسى "ناتو" الذى كان يبحث عن دور فيما بعد الحرب الباردة قد وجد ضالته، ورجح زكريا أن تواجه موسكو بعض العقوبات من واشنطن والاتحاد الأوروبى تباعا. ورصد زكريا فى هذا الصدد خلافا نادر الحدوث فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بين روسيا والصين، حيث رفضت الأخيرة التغاضى عن التحرك الروسى فى القرم. وأشار إلى أن ضم موسكو لأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية من جورجيا لم يعترف به غير نيكاراجوا وفنزويلا وجزيرتان جنوب الباسيفيكى، مرجحا ألا يزيد عدد الدول التى ستعترف بضم موسكو للقرم عن هذا العدد. وأردف الكاتب قائلا: "لطالما أعربت عن قلقى العام من الدعوات الموجهة لأمريكا بالتدخل فى أى صراع حول العالم، لكن هذه المرة الوضع يختلف، فالأزمة الأوكرانية تعتبر أهم مشكلة جيوسياسية ظهرت منذ الحرب الباردة، وبخلاف العديد من الحروب الأهلية والصراعات العرقية على مدى العقود الثلاثة الماضية، تضم هذه الأزمة قوة عالمية عظمى هى روسيا، وهو ما ينذر بعواقب بعيدة المدى، كما أن الأزمة سترسى كذلك مبدءا عالميا عظيما: وهو ما إذا كان ممكنا تغيير الحدود الوطنية بالقوة الوحشية؟ وإذا كان الرد بالإيجاب، فما هو الحال فى آسيا، التى تعج بالحدود المتبارية فى ظل وجود العديد من القوى العظمى التى تريد إعادة ترسيم تلك الحدود؟