الفراسة علم جميل، وقد اشتهر العرب به قديمًا، يقال فى أيام العرب تفرست فى وجه الرجل فعرفت من أين هو ومن أين قدم، وهكذا اعتبر من ضمن العلوم الشائعة آنذاك، وقد عرف علم الفراسة تعريفًا بسيطاً بأنه إلهام. فالفراسة تعتبر فكره تقفز فجأه للوعى ممن شهد لهم بالذكاء والمعرفة الطويلة، بل واشتهرت أسر عربية ببراعتها فى الفراسة. وكالعادة، فإن المصريين لهم طريقتهم فى تمصير أى شىء حتى علم الفراسة، وبالتاكيد فإنك مارست هذا العلم دون أن تدرى، أما أن أحدًا ما تفرس فيك أو أنك تفرست فى أحد ما، هل دخل عليك زميل جديد فى العمل، فبدأت وأنت زملاؤك فى ممارسة هذا العلم. وبدا الإلهام ينزل عليكم فجلستم حول طاولة المقهى، وأول كلمة تنطقون بها، باين عليه مش سهل، اتباعا بمقوله سوء الظن من حسن الفطن، أو أن يقول أحد ما لا بس من ملبسه شكله غلبان، ويقول ثالث أنا لا أخاف غير من اللى بيفضل ساكت ده قعد طول النهار ما تكلمش كلمة. أو أن تدخل مكانا عاما وتعتاد التردد عليه، فتجد أحد الأشخاص قد بدا فى ملاحظتك، ويبدأ مع أصدقائه الحديث، ده كل يوم يجى يقعد فى المكان ده ساعتين وبعدين يمشى، وتبدأ الحاسة الأمنية فى البحث فيقول أحدهم أكيد مخبر، وبعدين ده غريب عن المنطقة إيه اللى جابه هنا وكل يوم، عايزين نخلى حد يسال مين ده. أو أن تكون ذاهبًا فى سهرة، متعطرًا ومتأنقًا فى أحلى ثوب، وتبدأ الهمسات من حولك مين ده بس باين عليه ابن ناس، مش شايف البدلة بتاعته ولا الساعة اللى لابسها، وتبدأ التحليلات لكل شىء فيك من أول قصة شعرك حتى حذاءك البراق، وفى بعض الأحيان بدون أن تنبس ببنت شفه تجدهم يقولون بس باين عليه دمه تقيل. عادة الفراسة المصرية، الحكم على الشكل فى غياب المضمون، وفى بعض الأحيان تلاحظ ذلك ولا تعرف ماذا تفعل، هل تترك المكان وتنصرف، أم إنك تصر على الجلوس فى المكان بدون أن تلقى بالا لما يقولون، وفى الأوقات التى تتطلب البقاء كالعمل مثلا، فإنك تحاول جهادًا تغيير الصورة التى رسمت عنك، ولكن للفراسة المصرية أصولا فهم يؤمنون بأن الانطباعات الأولى تدوم. وتجد أن المصريين معظمهم قد تركوا كل شىء عن المعرفة، وقد عرفوا فقط نظرية لومبروزو المعروفة باسم الرجل المجرم، وهى نظرية وضعت تركن إلى تحديد المجرم عن طريق صفاته الجسمانية، وقد أهملت هذه النظرية البيئة وما توثره على الفرد. ونجد بعض المثقفين الذين يضعون مثل هذه النظرية، ولكن بطريقة دونية، فهم لا ينظرون إلى البيئة الفقيرة إلا أنها تخرج المجرمين، وهى تربة خصبة للإرهاب، وكان الفقراء الذين يقبعون فى العشوائيات- حسب تصنيفهم – إما مجرمين أو إرهابيين. أرجو أن نتخلص من هذه النظرة وهذا العلم الذى برع فيه المصريون، وأن لا نحكم على الناس من مظهره الخارجى، فليس معنى إنى فقير إنى مجرم أو إرهابى، يجب أن نحكم عن الإنسان من كلامه وتصرفاته معا، وهل ما يقوله يطابق تصرفاته؟ يجب أن نتحلى بالقدرة على الحكم على الأشخاص، فى سياق متكامل لا نجتزأ شيئًا من الصورة، ونبنى عليه افتراضات ونجعلها يقينًا، وأن نحاول أن نلبسه بأى طريقة حقا لا يساوره شك، يجب أن نهتم بأنفسنا أكثر من غيرنا ونحكم على تصرفاتنا أكثر من انشغالنا بتصرفات غيرنا.