بقوة القانون تخضع كل المبانى التراثية ذات الطابع المعمارى المميز إلى قانون حماية المبانى التراثية، الذى ينص على عدم التعرض لهذه المبانى أو هدمها أو تغير ملامحها إلا تحت إشراف جهاز التنسيق الحضارى التابع لوزارتى الإسكان والثقافة، ورغم قوة القانون التى تقضى بحماية هذه المبانى التراثية التى يبلغ عددها حوالى خمسة آلاف قصر وفيلا منها فى القاهرة 3000 مبنى، وفى الإسكندرية حوالى 1000 مبنى، وتضم بورسعيد 505 مبان تراثية مسجلة؛ وما يقرب من هذا العدد فى مختلف محافظات مصر، وذلك وفقا لقوائم التراث الحضارى التابعة للجهاز القومى للتنسيق الحضارى. الأمر برمته يتوقف على تطبيق قانون حماية المبانى ذات الطراز المعمارى وهو القانون رقم 144 لسنة 2006م، والخاص بتنظيم هدم المبانى والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعمارى، عاجزًا عن التصدى لضياع هذه المبانى إضافة إلى عدم وجود آلية لتسجيلها أو وضع جدول زمنى محدد لتسجيلها، مما يترك الأمور مفتوحة للتسجيل فى أى وقت حتى تتلاشى هذه المبانى التراثية تماما أو يحصل أصحابها على تصريح بهدمها، وعلى الرغم من صدور هذا القانون إلا أنه حتى الآن لم يتم حصر كامل للمبانى التراثية بكل محافظات مصر، وعدد المبانى المعلن عنها وهى خمسة آلاف مبنى هو رقم تقديرى وفقا لم تم حصره حتى الآن. وتحدد «المادة الرابعة» من القانون كيفية تسجيل المبانى التراثية بكل محافظة عن طريق لجنة دائمة تشكل بقرار من المحافظ، وتختص بحصر المبانى والمنشآت ويرفع المحافظ المختص قرارات اللجنة إلى رئيس مجلس الوزراء، هذا إضافة إلى أن القانون حدد طريقة الإشراف على المبانى التراثية فى المادة 11 عن طريق رؤساء المراكز والمدن والأحياء والمهندسين القائمين بأعمال التنظيم بوحدات الإدارة المحلية ولهم صفة الضبطية القضائية فى إثبات ما يقع من مخالفات لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية واتخاذ الإجراءات اللازمة فى شأنها ويكون للمحافظ المختص أو من يفوضه أن يصدر قرارا مسببا بوقف أعمال الهدم غير المصرح بها. لكن الدكتورة سهير حواس، مستشارة جهاز التنسيق الحضارى، وأستاذ الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، رغم ذلك عبرت عن استيائها من الإهمال بحق هذه المبانى التراثية، التى وصفتها بأنها كنز لمصر، وقالت إن كل المبانى التراثية فى مصر بشكل عام تعانى من غياب الصيانة، وفى حالة إهمال جسيم، وتحتاج رعاية مكثفة خاصة بعد تهالك أجزائها، عن طريق الترميم والصيانة الوقائية والدورية، خاصة أن المالك قد لا يفضل الإنفاق على المبنى، حتى يتسنى له هدمه فيما بعد بحجة أنه معرض للانهيار أو غير ذلك، مؤكدة أنه على الدولة إيجاد مصادر لتعويض أصحاب هذه القصور والفيلات وإيجاد مصادر لترميمها، على أن تدفع للمالك تعويضا مقابل ترك المبنى بالكامل. وبخصوص مسؤولية جهاز التنسيق الحضارى، والجهة المسؤولة عن متابعة هذه المبانى وحمايتها، قالت حواس إن القانون لم يوضح الجهة المسؤولة، وميزانية جهاز التنسيق الحضارى ضعيفة جدًا، ولا تتيح المتابعة الدورية والصيانة لهذه المبانى، ولكن من المفترض أن تكون المحليات بكل محافظة هى الجهة المتابعة لهذه المبانى، مؤكدة أن المادة 50 من الدستور الجديد تنص على اتخاذ الدولة التدابير اللازمة للحفاظ على التراث الحضارى، وأشارت سهير حواس إلى المبانى التى يتم هدمها فى الإسكندرية، قائلة إن هناك فيلات كثيرة معرضة للانهيار بالإسكندرية، علاوة على فيلا «أجيون» إذ حصل مالكها على حكم قضائى بهدمها، كما أن هناك 36 فيلا خرجت من قائمة المبانى ذات الطراز المعمارى المتميز بأحكام قضائية. وأوضحت سهير حواس الحيل التى يلجأ إليها الأشخاص لهدم المبانى، وقالت إن الملاك يقومون بإخلاء السكان من المبنى، ثم فك الشرفات والأعمال الخشبية، ثم سد الشبابيك بالكامل بالطوب، أو يتركون صنابير المياه مفتوحة فى بدروم العقار لعدة أيام، لتتسرب إلى الأساسات التى تتهالك مع الوقت، مما يؤدى إلى تصدع المبنى وانهياره، أو عن طريق نزع الزخارف التى تميز ذلك المبنى التراثى فيفقد قيمته. وعن الثغرات القانونية التى يلجأ إليها محامون أصحاب المبانى للحصول على حكم قضائى بالهدم قالت سهير حواس، إنهم يلجأون إلى خبير أثرى، يكتب لهم تقريرًا عما إذا كان المبنى أثريا أم لا؟، وهنا تقع الثغرة، إذ إن هذه المبانى ليست أثرية بالفعل، بل هى مبان تراثية، وهذا الخلط بين المفهومين متعمد أحيانًا، وعن غير فهم فى أحيان أخرى، كما أن الثغرة الثانية، هى أن القانون يشترط وجود ميزة واحدة من أربع ميزات بالمبنى وهى إما ذات طراز معمارى مميز، أو المرتبطة بالتاريخ القومى، أو بشخصية تاريخية، أو التى تعتبر مزارًا سياحيًا، وهنا يتلاعب المحامى بالألفاظ، ويقول أنه لابد أن يتوافر هذه العناصر الأربعة فى المبانى، فيحذف بذلك لفظ «أو» ويضيف مكانها لفظ «و»؛ وأمام ذلك سيكون من المستحيل تحقيق هذه الشروط الأربعة فى مبنى واحد، لذلك يحصل المالك على حكم قضائى لصالحه. ومن ناحية أخرى، قال أسامة عبدالعظيم، عضو الأمانة الفنية بلجنة التظلمات بجهاز التنسيق الحضارى إن هناك عشرات المبانى خرجت من قائمة المبانى المتميزة منذ عام 2008 بعد قبول تظلمات أصحابها، وذلك على مستوى 9 محافظات، وأن محافظة الإسكندرية أكثر محافظة تشهد حاليًا ظاهرة لجوء ملاك المبانى المسجلة للقضاء بعد رفض التظلمات، إذ يتقدم أصحاب المبانى بتظلمات إلى اللجنة المختصة التى بدورها تفحص المبنى، موضحا أنه فى حال رفض التظلم، يلجأ صاحب العقار إلى القضاء، ويقوم برفع دعوى قضائية، قد يحصل بمقتضاها على حكم يقضى بخروج المبنى من قائمة المبانى التراثية، أو قرار بهدمها.