بعد أن خصص كتابًا سابقًا صدر فى العام 2009، للتأريخ لسبعة عشر ميدانا شهيرا فى قلب القاهرة، متتبعا تاريخها ونشأتها وتخطيطها وتطورها العمرانى والسكانى، ها هو الكاتب والباحث التاريخى الكبير العاشق لمدينة الألف مئذنة الأستاذ فتحى حافظ الحديدى يطل على قرائه بتحفة "فنية وتاريخية" حقيقية، "موسوعة" بكل ما تحمله الكلمة، مزودة بمجموعة من أندر الصور الفوتوغرافية لشوارع القاهرة ومبانيها وآثارها الشهيرة، منذ تخطيطها الحديث فى منتصف القرن التاسع عشر وحتى بدايات القرن الحادى والعشرين. «التطور العمرانى لشوارع مدينة القاهرة من البدايات حتى القرن الحادى والعشرين»، هو عنوان (الكتاب/ الموسوعة) الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية، فى طبعة فاخرة مجلدة تقع فى 526 صفحة من القطع الكبير، وهو إضافة جديدة وحقيقية للمؤرخ القاهرى الكبير، ذلك "المؤرخ الفريد، العازف عن الشهرة والإعلام"، كما وصفه الكاتب والروائى الكبير جمال الغيطانى. وعلى كثرة الكتب المؤلفة والمترجمة عن القاهرة، تخطيطها وتاريخها وشوارعها وآثارها ومساجدها.. إلخ، وعلى ما وفّرته من مادة غزيرة ومهمة عن المدينة الخالدة، فإن كتاب «التطور العمرانى لشوارع مدينة القاهرة» ينفرد من بينها جميعا بأنه يكاد يكون الكتاب الوحيد الذى قام بوضعه وتأليفه "باحث متخصص ومؤرخ قدير" كان فى الأصل موظفا بوزارة الأشغال العمومية، وهى الوزارة المعنية بتخطيط الشوارع وتسميتها ووضع حدودها الجغرافية والتوثيق لمبانيها القديمة والحديثة على السواء، بالإضافة إلى تشييد المبانى العامة وصيانتها، وذلك قبل أن تختفى هذه الوزارة ويزول اسمها من خارطة وزارات الحكومات المتعاقبة على حكم مصر، لتقتصر على ما يعرف باسم وزارة "الرى". وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الكتاب يعد "كنزا تاريخيا" بمادته وصوره وتوثيقه الدقيق وتتبعه لتاريخ الشوارع منذ تخطيطها وحتى صورتها الحالية، كاشفا ربما وللمرة الأولى فى تاريخ الكتب التى تناولت القاهرة وشوارعها المبانى ذات الطبيعة الخاصة (الفيلات والقصور ودور العبادة واستديوهات التصوير السينمائى.. إلخ) التى كانت موجودة وقائمة فى فترة من فترات التاريخ وتم هدمها أو تغيير هويتها العمرانية ليحل محلها مبانى أو عمارات حديثة على الطرز الغربية أو غيرها، وهو فى هذا يطرح بدقة شديدة بالتواريخ والبيانات الموثقة ما آلت إليه هذه المبانى.. كيف ومتى نشأت وعاشت وهدمت. ويوضح المؤلف أن مدينة القاهرة الحالية "مدينة موغلة فى القدم مثل قدم نهر النيل. ومن الخطأ التأريخ لها بإنشاء الخليفة الفاطمى المعز لدين الله لها, وذلك كما حدث عندما احتفلوا فى سنة 1969 بالعيد الألفى لها. وقد أهلها موقعها المتوسط بين الوجهين البحرى والقبلى ميزة فائقة لتكون مدينة مهمة تمثل فى مدينة مصر (وهى حى مصر القديمة حاليا) والتى أخذ منها القطر المصرى اسمه التاريخى الخالد: مصر". وكانت مدينة القاهرة فى سنة 1900 تمتد من حى مصر القديمة جنوبا إلى حى العباسية شمالا، ومن جبانات شرق القاهرة شرقا حتى نهر النيل غربا، وكانت آنذاك يطلق عليها كلمة "مصر", حتى فى الأوراق الحكومية، يقول المؤلف "ومازلنا نذكر أن تذكرة القطارات يكتب عليها مصر بدلا من القاهرة". ومثالا ونموذجا على المادة التاريخية التى يضمها الكتاب بين دفتيه، يعرض الحديدى للتقسيم الإدارى لمحافظة القاهرة التى كانت تشمل أحد عشر قسما؛ هى: [الجمالية باب الشعرية الدرب الأحمر السيدة زينب الخليفة عابدين الأزبكية وشبرا الموسكى مصر القديمة بولاق الوايلى] بتفاصيل غاية فى الدقة والتوثيق والمتعة معا، فالكاتب خبير بمعالم القاهرة وتاريخها، خصص لها أكثر من كتاب ضخم، كان من بينها أحد كتبه القيمة وعنوانه «الأصول التاريخية لمؤسسات الدولة والمرافق العامة بمدينة القاهرة»، الصادر عن دار المعارف 2007. تعامل الحديدى مع مظلة واسعة وغزيرة وربما غير مسبوقة من المصادر التاريخية والأثرية، تحفل بصور غير معروفة وسجلات نادرة، مثل أرشيف وزارتى الأشغال العمومية، والأوقاف، والدوريات القديمة، حيث يوضح الحديدى طبيعة هذه المصادر التى رجع إليها واستند عليها فى جمع مادته التاريخية والأثرية بالإشارة إلى إفادته فى تأليفه. الكتاب من "مراجعة محفوظات وزارة الأشغال العمومية بدار الوثائق القومية، وكذلك مراجعة مجلدات الدوريات بدار الكتاب"، منوها إلى أن "دراسة التاريخ والوعى به تتطلب الروية والتأنى". ويستهل مؤلف الكتاب الإشارة إلى موضوعه وطبيعة مادته قائلا: "يتناول هذا الكتاب تاريخ التطور العمرانى لشوارع منطقة أواسط المدينة. وسوف يجد القارئ المتابع لهذا الموضوع أن هذا الكتاب يحتوى على دراسة تاريخية لمجموعة كبيرة من الشوارع تتم لأول مرة، مدعمة بالصور التاريخية النادرة، كما سيجد الكثير من المواقع التاريخية الهامة التى تم تحديدها لأول مرة". ويرتب الحديدى موضوعات كتابه أبجديا، للتيسير على قارئه وعلى الباحث عن معلومة بعينها أو تاريخ شارع بذاته، أو مبنى قديم أو أثر مندرس، ممهدا لموضوعات الكتاب بدراسة عميقة وممتعة عن "تسمية شوارع القاهرة"، والتغييرات التى أجريت عليها، وما لحق تسميات المؤسسات والمنشآت العامة الكائنة بتلك الشوارع من تغييرات هى الأخرى، كاشفا عن الشكل المساحى للشوارع والعقارات محل الدراسة وارتفاعاتها، مع التطرق لأثر الزيادة السكانية على منطقة وسط البلد بالقاهرة وما ما ترتب على ذلك من تغيير كبير طال الكثير من مبانيها وطمس معه الكثير أيضا من الحقائق التاريخية مما شكل صعوبة وندرة فى الوصول إلى المعلومات التاريخية المسجلة عن الشوارع. ويفرد الحديدى صفحات كتابه بعد ذلك للحديث عن شوارع القاهرة المحروسة، بدءا بشارع أحمد باشا، وشارع أحمد ماهر (تحت الربع)، وشارع الأزهر، والألفى، والبستان (عبد السلام عارف)، معرجا على شوارع محور شمال الجمالية الذى يضم (البغالة/ البنهاوى/ باب الفتوح/ القصاصين). ويتابع الحديدى مسحه الميدانى والتاريخى والأثرى لبقية الشوارع الشهيرة والكبيرة فى القاهرة: شارع التحرير، الجمالية، الجمهورية، جواد حسنى، جوهر القائد، الجيش، حسن الأكبر، الحسينية، خيرت، رشدى، رمسيس والجلاء، شريف، شامبليون، الشواربي، الشيخ ريحان، صبرى أبو علم، طلعت حرب، عبد الخالق ثروت، عبد العزيز، عدلى، عماد الدين، الفجالة (كامل صدقى)، قصر العينى، قصر النيل، كلوت بك، كورنيش النيل، المبتديان، محمد على، مجلس الشعب، محمد محمود، مصر والسودان، المعز لدين الله، منصور، الموسكى، نجيب الريحانى، نوبار، وأخيرا شارع 26 يوليو. وفى شهادة للكاتب والروائى والمترجم عادل أسعد ميرى، عن الكتاب ومؤلفه، كتب يقول: "منذ ثلاثين عاما اشتريت خريطة لمدينة القاهرة طولها 2 متر وعرضها 2 متر فى جزأين (لوحين من الكارتون المقوّى) وعليها مواقع 625 أثرا إسلاميا مصنفا تراثا قوميا لا يجب أن يمس، صادرة من مصلحة المساحة سنة 1947م. أدركت على الفور أنه حتى ذلك الوقت كانت المدينة منظمة جدا دون عشوائيات. حتى حى العمرانية مثلا كان يخضع لقواعد التخطيط العمرانى، بحيث كان يمكنك تتبّع شوارعه بسهولة. يمكننى أن أذكر أسماء عشرة كتب قرأتها فى موضوع شوارع القاهرة، وذلك لأنى بسبب اهتمامى بعملى كمرشد سياحى كنت اهتم بجمع هذه النوعية من الكتب، ولكنى اهتممت بشكل خاص بكتاب فتحى حافظ الحديدى، ذلك الرجل الذى أفنى حياته من أجل القاهرة".