بحس يقطر سخرية لطيفة، وبلغة سلسة مشرقة يسدد صديقنا الرائع أكرم القصاص رصاصات احتجاجه إلى العالم الضاج بالتناقضات والهموم والأحلام، وذلك فى كتابه الأخير (عولم خانة) الذى صدر مؤخرًا عن دار «حواديت للنشر»، وقد جمع فيه المؤلف عددًا من مقالاته اللاذعة التى نشرها فى الصحافة المصرية مع مطلع الألفية. يرصد أكرم بعين ثاقبة التغييرات السريعة فى العالم على المستويات كافة، ويمزج بمهارة لافتة بين مشاهدات ووقائع وسلوكيات لا تخطر على بال، فتتفجر الابتسامات على الشفاه ويفرح العقل بنعمة التأمل، اقرأ معى هذه الفقرة من مقال بعنوان (وداونى بالتى كانت أون لاين)، يقول أكرم: (إذا ضاع منك حذاء أو سيارة فابحث فى جوجل، وإذا افتقدت عزيزًا أو فقدت صديقا ففتش عن المواساة فى الشبكة العنكبوتية فى مدونة أو نكتة، فى دردشة أو مشاجرة). قسّم أكرم كتابه إلى ثمانية فصول، مانحًا كل فصل عنوانا دالا وموحيًا، خذ عندك بعض العناوين: (العولمة ملابس جاهزة ومشاعر معلبة/ الإنترنت تهذيب وإصلاح/ الإنسان النفساوى الحديث/ وما الدنيا إلا اجتماع كبير/ علم اكتشاف لغة الضفادع ومشاعر النمل/ تجسس واستمتع وعش حياتك). الإنسان هو الهم الدائم لأكرم.. والإنسان المصرى تحديدًا، كيف يحافظ على إنسانيته؟ متى ستصبح الحياة بالنسبة له متعة وليست عقوبة؟ هل يوجد حل للقضاء على الفقر والظلم والاستلاب؟ كيف يمكن أن يستفيد المرء من فواكه التكنولوجيا دون أن يكون أسيرًا لها؟ أو عبدًا للأجهزة؟ كل مقالات أكرم تغوص فى هذه القضايا، ولأنه يمتلك عينا يقظة وعقلا حصيفا وروحًا مرحة، فقد التقط ببراعة أجمل ما فينا نحن البشر، وأسوأ ما فى سلوكنا وانهال على الإنسان المستلب لومًا وتقريعًا، لكن دون أن يدميه، أو يسفح دمه. فى كتابه هذا لم يفرق أكرم بين غنى وفقير.. حاكم ومحكوم، فقد هوى بسياط قلمه على المنتفعين والأفاقين والكاذبين من رجال السياسة والإعلام وبائعى الأوهام للبسطاء، فاضحًا الجميع بسخريته المرة التى تجعل المرء فور الانتهاء من القراءة يهتف صائحًا: (الله عليك يا أكرم). فى مقال بديع عنوانه (توصيل الجواسيس للمنازل) يكتب أكرم: (لا نستبعد أن نجد إعلانا فى التليفزيون والصحف يقول: نحن نتجسس لك وعليك.. مستعدون لتوصيل المعلومات إلى المنازل والجيوش). (عولم خانة) كتاب ممتع ومثير للعقل.. جدير بالقراءة اليوم وغدًا.. شكرًا يا قصاص!