فنان بحق مرهف الحس بصدق، يهوى الحرية ويحب الحياة، يترجم ما يراه فى مخيلته، بارع فى رسم الواقع. يجلس وحيدا فى مرسمه منذ سنين، اللوحات فى كل مكان على الأرض وغير منظمة، لا يهتم نجيب بما يرسم أنه يرسم لأنه يحب أن يرسم، هذا ما قاله لصحفى زاره فى مرسمه وأجرى معه هذا الحوار. الصحفى: يا فنان اسمحلى أن أبدى استيائى من إهمالك لتلك الرسومات الرائعة التى ممكن أن تقدر بأموال طائلة، وأن أتسائل من يهتم بك ومن يرعاك وأنت مسن، إنها أسألة كثيرة ذهبت من مخيلتى بعدما رأيتك؟ الفنان: يا بنى أنا طول عمرى وحيد، رغم أنى اتجوزت مرتين، وعندى 5 عيال، بس يا بنى كل واحد منهم ربنا يعينه، إللى سافر واتغرب عشان يربى عياله، وإللى مشغول فى دنيته، حتى البنتين كانوا بيزورونى أول ما تجوزوا بس دلوقتى خلاص، أنا فى حد ربنا يقدره على فعل الخير كل يوم بيجيبلى أكل. الصحفى: مين ده يا فنان الفنان: والله يا بنى ما اعرفه. بس حكايته حكاية هقولهالك بعدين. الصحفى: طب كمل. ليه مش بتعمل معرض وتعرض فيه الفن ده أنت بقين مسن وكبرت ولو معملتش دلوقتى هتعمل إمتى الفنان: يا حبيبى أنا مش برسم عشان الفلوس ولا عشان التقدير. الصحفى: بس أنت عندك أعمال كتير قوى وممكن تجيبلك فلوس ياما. الفنان: والله يا بنى أقولك على الصراحة، أنا مش عايز أحاول أبيع شغلى ده ليه، لسببين، الأول إنى برسم عشان بحب الرسم هو كل حياتى، أنا ممكن أعيش على الرسم، هو أكلى وشربى وكل دنيتى، زى مثلا لعيب الكورة، فى لعيب ممكن يلعب عشان الفلوس، وفى لعيب تانى بيلعب عشان بيحب اللعب، وأعتقد أن اللاعب التانى هو المستمتع أكثر. الصحفى: طب والسبب التانى؟ الفنان: يا بنى أنا دلوقتى مامعييش فلوس، عشان كده مفيش حد طمعان فى، ولادى بيحبوا بعض، إنما لو فلوس فى النص ممكن يطمعوا فى ويحاربوا بعض عشان الفلوس. الصحفى: تسمحلى أعترض لأنك بتنظر للجزء الفارغ فى الإناء، يعنى حضرتك بتشتكى من هجرهم ليك ومفيش حد بيزورك، طب مافكرتش إن لو فى فلوس من أعمالك وفى حاجة تخليهم يجولك، يكونوا جنبك وباستمرار. نجيب: أنت عندك حق يا بنى ثم شرد نجيب للحظات. الصحفى فى استعجاب: أنت رحت فين؟ الفنان: يا بنى أنا مضطر أقولك على سر خبيته كتير، أنا عندى فلوس كتير قوى معرفشى عددها، بس مش معرف حد من ولادى خالص ومش هعرف حد، هسيب الموضوع ده للقدر بعد ما أموت الصحفى: رغم أنى معترض لكن احكيلى موضوع الشخص إلى بيجيبلك أكل كل يوم إذ بالباب واحد ما يضرب عليه وينادى يا فنان فإذا بشاب صغير السن لم يتعد الثانية والعشرين من عمره ومتحمس جدا للحياة فيدخل فى بهجة ومبتسما قائلا، اكيد جعان يا فنان أنا جايبلك معايا أكلة أكيد وحشتك قوى. إذ به يدخل ويجلس ثم يخرج من شنطة معه يخرج ثلاث علب كشرى مصرى الفنان: باين عليك يا عماد يا حبيبى كنت عامل حساب حد ثالث عماد: بصراحة يا فنان أنا كنت جايب معايا حد نفسه يشوفك من كتر ما حكيتله عليك بس حصلت ظروف ورجع الصحفى: كده تبقى حماتى بتحبنى. عماد يلا بسم الله. الفنان: كده تبقى عرفت مين إللى بيجيبلى أكل كل يوم. الصحفى: هو بصراحة شخص جميل ربنا يخليهولك الفنان: حكايته حكاية هو يبقى يقولهالك. عماد: إحنا هناكل ولا هنتكلم، يلا بالهنا والشفا. وبعدما انتهوا من الأكل أستأذن الصحفى وعماد ووعد الصحفى الفنان بزيارة أخرى يكملا فيها حديثهما. ولكن الصحفى استغل الفرصة وخرج مع عماد ليطفئ نار فضوله ويعلم سر ما يفعله مع الفنان، إذ بقصة غريبة ونادرة، إذ بعماد تدمع عيناه قبل أن يبدأ فى سرد قصته مع الفنان نجيب، عماد شاب تخرج من كلية الفنون الجميلة وكان متفوق جدا فى دراسته وتخرج من الكلية وكان الأول وعرضوا عليه أن يخرج فى بعثة إلى أوروبا ليحضر دراساته التكميلية، ولكنه رفض وفضل أن ينال دراسته كاملة من ذلك البلد مصر التى يعشقها جدا ووعد أساتذته بأن يحضر من رساله تكون علامة بارزة فى تاريخ الفن الجميل. فبحث جاهدا عماد عن فكرة غريبة وفنان حق، يعشق الفن للفن، وهذا ما وجده فى نجيب، الذى علم به صدفة وهو يعرض صورة رسمها فى أحد المعارض وتعرف الاثنان، ثم بدأت العلاقة بين نجيب وعماد وتردد عماد على نجيب فى مرسمة وعلم عنه كل شىء وأخبره عن أبنائه الخمسة الذين لم ير أحدا منهم منذ سنين، أحب عماد نجيب جدا كإنسان، وبدأ يتعايش كأصدقاء رغم فارق السن الكبير جدا، لكن جمعهما حب شىء واحد وهو الفن، يعمل عماد فى مطعم شهير فى القاهرة، وكان يدرس ويبحث ويهتم بصديقه الأوحد، وحبيبته المخلصة ريحانة، كان يصرف ما يدخره من عمله على نجيب فى أحضان الأكل والشراب والاهتمام به صحيا وعندما سأله الصحفى لماذا يفعل كل هذا أخبره أنه لا يعلم أنه يشعر أن نجيب أعظم فنان فى العالم ويستحق الرعاية خدمة للفن إن لم يكن خدمة للإنسان الوحيد، وقال له من قال لك إننى أصرف عليه مالى أو أساعده بالعكس، هو من يساعدنى إنه يعطينى علمه ويخبرنى عن الدنيا، ما لم ولن تخبرنى إياه الكتب، ولا تنسى أنه مشروع رسالتى، وسأله الصحفى عن أموال نجيب وإيرادات رسمه أين هى، قال عماد: إن الفنان لا يتحدث عن أموال ولا يملك شيئا لأنه اخبرنى كل شىء عنه الصغيرة قبل الكبيرة، لكنه مرة أخبرنى أنه فى أحد المعارض أعجب ثرى عربى بلوحة رسمها الفنان وعرض عليه مبلغ مليون جنيه ثمنا لها، لكن الفنان رفض أخذ المال لسببين، الأول أنه مبلغ كبير جدا على لوحة، والثانى لأنه لا يحب المال، ولكن أصر ذلك الثرى العربى والذى كان يقدر الفن تقديرا كبيرا ويسعى وراء الجيد من الفن المرسوم والمنحوت كما قال الفنان لى، لكن الثرى أصر ورفض أخذ اللوحة، وللهروب من ذلك الموقف قال له الفنان: خذها وخذ المال شغله وكبره أنت راجل أعمال ولما أحتاجه أبقى إديهولى أو إديه لولادى، وسأله الصحفى عن هوية هذا العربى، فرد عماد قائلا، لم يخبرنى أكثر من ذلك، ثم اتفقا الاثنان على محاوله لم شمل أبنائه و إيجاد سبب لإجبارهم على التواصل معه، ثم اتفقا الاثنان على الالتقاء مرة أخرى وزيارة الفنان. ثم ذهب الصحفى إلى مكتبه ليبدأ فى كتابة تحقيقه الصحفى عن فنان فريد يعيش وحيد وتلميذ عجيب وثروة خفية. إذ بتليفون من عماد للصحفى يخبره وهو يبكى بأن الفنان مات. ووجد معه وصية غريبة.