من حق الفنان أن ينحاز لأي موقف سياسي ومن حقه أن يكره كل الوجوه المطروحة في أجندة التغيير خالد الصاوي هذه الأيام، وهذه الفترة الفاصلة التي نمر بها، تعد فرصة حقيقية سانحة لكل فناني مصر، ليتطهروا فيها من ترديدهم كالببغاوات لوجهة النظر الرسمية والترويج لها، ونفاقهم المقيت للنظام، والذي دأبوا علي ممارسته طول الأعوام الماضية. لماذا الفرصة سانحة أمامهم الآن لاعتزال النفاق، والانحياز إلي التغيير؟ هناك أكثر من سبب وأكثر من منطق يمكن أن يستند إليه الفنانون لوقف سيل النفاق المنهمر. أولا: لأن البسطاء غير المسنودين بالشهرة والأضواء، قد اتخذوا موقفا جريئا ضد النظام وأعوانه ممن فسدوا فأفسدوا علينا الحياة، فأعلن بعضهم عن تأييده للبرادعي، ووقف بعضهم في صف أيمن نور، وسخط بعضهم علي هذا وعلي ذاك، لكنهم تبنوا نفس المبدأ الداعي إلي التغيير بداية من رأس النظام وحتي أخمص قدميه.. صحيح أنهم يدفعون ثمن إعلان رغبتهم في التغيير، كما حدث مع طبيب الفيوم المحترم، الذي تم تعذيبه ليكون عبرة لغيره، لكن إصرار الرجل علي موقفه وإيمانه المطلق بحقه وحق أبنائه في أن يعيشوا حياة كريمة، كان ملهما لكل الجبناء والمترددين والسائرين علي مبدأ: «اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش»، و«من خاف سلم» و«عايزين نربي العيال». ثانيا: استناد الفنانين إلي شهرتهم، والأضواء التي تحيط بهم في كل مكان يذهبون إليه، والتفاف الناس حولهم، ثم استنادهم الأهم إلي حب الناس، وإلي جودة ما يقدمونه من فن، تجعل من الصعب، بل من الصعب جدا، إلقاؤهم في السجون، أو تعذيبهم علي يد ضابط مخلص لفكرة «يبقي الحال كما هو عليه»، فكل ما يمكن أن يفعلوه في حالة فنان مشهور مؤيد للتغيير، هو التضييق عليه بعدم ظهوره في التليفزيون الرسمي مثلا، وعدم عرض أعماله عليه، أو تلفيق تهمة سخيفة، أو التشهير بإطلاق شائعة مغرضة. والرد علي كل ما يمكن أن يواجهه الفنان من متاعب في حال إعلان رغبته في التغيير، سهل جدا، فحالة التضييق وعدم الظهور أو عرض الأعمال في التليفزيون الرسمي، ليست نهاية المطاف بالنسبة للفنان، فوسائل العرض متعددة، والسموات أصبحت مفتوحة علي مصراعيها، كما أن التليفزيون الرسمي نفسه، دأب علي ابتزاز الفنانين، فعندما يرفض الواحد منهم الظهور في برنامج ما لأي سبب من الأسباب، يتم تهديده بعدم عرض أي من أعماله علي التليفزيون الحكومي، وكأنهم يعتقدون أنهم طردوه من الجنة! رغم أن هذا الفنان يكون مخلصا ومؤيدا بحرارة ومنافقا بضمير لكل أفراد النظام وأعوانه.. إذن الفنان مهدد في كلا الحالتين.. إذا نافق ووافق وأيد النظام، وإذا ثار وطالب بالتغيير، وأعتقد أن الأشرف للفنان أن يتم منعه لموقفه المحترم. أما إذا عرف الفنان أن الرزق بيد الله، وأن أحدا غيره سبحانه لن يمنح أو يمنع ما قدره الله، فبالتأكيد سينتصر لفكرة التغيير. وبالنسبة لتلفيق الاتهامات، وإطلاق الشائعات، فهذه ليست جديدة علي الفنانين، وأعتقد أنهم يعانون من ذلك يوميا، دون اعتبار لموقفهم السياسي، فهم يعرفون، والجميع يعرف كذلك، أن الفنانين في بلدنا السعيد هم أول كارت يتم حرقه، وأول ضحية يتم ذبحها لصالح صرف أنظار الناس عن بلوة أخري من بلاويهم التي يملأون بها البلد صباح مساء، وخير دليل علي ذلك قضية الشذوذ المقيتة، وقبلها قضية شبكة الآداب المؤسفة، فالصحافة لم تصنع مثل هذه القضايا، بل إن الأمن هو من مررها للصحافة، لأغراض كثيرة في نفس يعقوب. ثالثا: الفنان في أي مجتمع، خلقه الله ليكون ملهما ومحرضا علي التغيير، فكيف يصبح هذا الفنان متخلفا عن المجتمع وحالة الحراك الموجودة فيه؟! وكيف يقدر الله أن يصبح المجتمع بكل فئاته المحترمة داعيا للتغيير، بينما يرفل الفنانون في التمطع في أحضان النظام، والتنطع علينا بنفاقهم له، سواء بأغنياتهم أو مداخلاتهم التليفونية في البرامج والتي تستفز أبناء مجتمعهم وجمهورهم الذي رفعهم علي الأعناق، ولم يخجلوا هم بركله بالأقدام، واستفزازه بالنفاق. رابعا: إذا كان الفنانون كلما قدموا عملا فنيا سيئا ورديئا أو جيدا ومحترما، لا يملون من تبرير سوء أو جودة العمل بأنهم «خدامين» الجمهور، وأن الجمهور عايز كده، ومازلنا في حالة بحث دائم عن ماهية هذه ال«كده»، فلماذا لا يلتفتون إلي أن جمهورهم حاليا.. عايز تغيير، ومش عايز نفاق وتأييد للنظام وكده؟! خامسا: جرأة الفنان ليست فقط في تقديمه لفيلم سينمائي مختلف أو أغنية مميزة أو مسرحية مبهرة، لكن جرأته أيضا لا يجب أن تنفصل عن جرأة مواقفه السياسية، ومواقفه من الناس عموما، وإذا كان موقف الفنان السياسي منافقا -إذا اعتبرنا أن النفاق موقف- فليس أقل من أن ينافق في السر، أو ليصمت تماما، وذلك في حال كان موقفه السياسي متوائما مع نظام قهر الناس وأفقرهم وأمرضهم، فحرية التعبير وحرية إبداء الرأي، لا قيمة لها إذا جرحت الناس، وكسرت قلوبهم، وخذلتهم في فنان يحبون أعماله، بينما لا يحبهم هو، بل إنه يحب ويقف في نفس الصف مع من حرق قلوبهم. سادسا: أصبح الناس يسخرون الآن من كل كلمة ينطق بها الفنان عادل إمام، ومن كل تصريح يعلنه، ويجدونه مؤيدا للموقف الرسمي، ومتواطئا علي ما يحدث لهم من قهر، وما يواجهونه من انهيار إنساني، وأصبحت تصريحات الزعيم بالنسبة للناس مجرد تصريحات هزلية، تبعث علي الضحك من عبثيتها.. يستشهدون بها للتدليل علي نفاق الوسط الفني كله، فمن رغب في السير علي خطي الزعيم، فليحتمل سخرية الناس منه ومما يقدمه، ومن سار علي خطاه بأستيكة الوقوف في خندق واحد مع الناس، نال احترامهم وتقديرهم، وقبل هذا وذاك حبهم الذي لا يمنحونه إلا لمن يشعر بهم، وينقل معاناتهم بصدق يخاصم الزيف، فقد خص الله الفنان بمشاعر مرهفة وحساسية مطلقة، وليس مقبولا أن تتبلد هذه المشاعر والأحاسيس فلا تري ما يعانيه الناس. سابعا: لم يبق من نجيب الريحاني ومحمد فوزي ويوسف وهبي وفريد شوقي وعماد حمدي ونادية لطفي وفاتن حمامة وشادية وهند رستم وغيرهم وغيرهن، سوي ما سجلته السينما وحفظته ذاكرة الغناء، فلا داعي إذن في حال خوف الفنان من إعلان موقف معارض أن يقوله أو يعلنه، عليه فقط تقديم فن مختلف ومتميز، فذلك هو الذي يبقي، أما إذا كان الفنان مصرا علي تسجيل نفاقه في عمل فني «أغنية أو فيلم» فليحتمل تبعات موقفه إذن من إعراض الناس عنه، وليعرف أن التاريخ لن يرحمه. ثامنا: الفرصة السانحة أمامكم الآن «دلوقتي وقتها»، فبإمكانكم تغيير مواقفكم واتخاذ مواقف أكثر شرفا، من الأوضاع الحالية وفي وجود نفس الرؤوس المتسببة في تردي حالنا، وليس بعد رحيلها وتبدل الأوضاع إلي الأفضل -إنشاء الله- فبعد هذه الفترة لن ينفع الندم، وسيصبح تبدل مواقفكم في هذه الحالة نفاق من النوع «السوبر». تاسعا: هتودوا وشكم فين من الناس ومن ولادكم إذا تحققت أحلام الناس في تغيير كل الوجوه التي قهرت أحلامهم، فحتي إن تبدلت مواقفكم بتبدل النظام، ستظل أعمال نفاقكم، واتصالاتكم التي تحفل بوصلات النافق المقيتة وأغنيات العار المطبلة لحكمة الريس، وجماله وأبويته وحنانه، مسجلة في تاريخكم، وسيحمل أبناؤكم عارها، كما أنها ستكون شاهدة عليكم منذ اللحظة التي يبدأ فيها التغيير وإلي يوم القيامة. عاشرا: الفنان صلاح السعدني والفنانة نجلاء فتحي والفنان خالد أبو النجا والفنان فاروق الفيشاوي والفنانة بسمة والفنان خالد الصاوي، والمخرجون داود عبد السيد ومجدي أحمد علي وعلي بدر خان وخالد يوسف، ويسري نصر الله وكاملة أبو ذكري وهالة خليل كل هؤلاء فنانين - علي اختلاف مواقفهم من التغيير واختلاف توجهاتهم - مثلكم، لكنهم لم ينافقوا.. حقا هم فنانون كبار، لكنهم كبروا في عيون الناس أكثر، وإذا كان لكل خطوة محترمة في تاريخ الإنسانية قائد ورائد، كان هو أول من تحرك ليتبعه المخلصون، فقد أعفاكم هؤلاء المذكورة أسماؤهم في قائمة الشرف، من عبء تحمل مسئولية الريادة وصدارة مشهد الرغبة في التغيير، فليس أقل من أن تتبعوهم أو تتلمسوا خطاهم؟! وأخيرا.. من حق الفنان أن ينحاز لأي موقف سياسي، ومن حقه أن يكره كل الوجوه المطروحة في أجندة التغيير، ومن حقه أيضا أن يحب الوضع الحالي ويتمني استمراره، لكن ليس من حقه أبدا أن يؤيد موقفه بتأكيد أننا نعيش في نعيم، وأن وضعنا فل الفل، وأن حياتنا لونها بمبي ومستقبلنا مشرق، لأننا سنواجهه بصوت واحد تسبقه ضحكة - مشيها ضحكة - ساخرة وسنسأله: «بأمارة إيه يا فنان؟!»، كما أنني - أنا شخصيا- أعترض علي من يصّدر لي في أغنية أو تصريح، فكرة أن الريس أبويا، لأن لي أب واحد فقط أفتخر بحمل اسمه، وأعتقد أنه فخور بي.. متعه الله بالصحة وطول العمر، فقد أدي واجبه نحونا - أنا وأشقائي - ويعيش الآن مستمتعا بالراحة والهدوء والحياة بعد المعاش.. يعني كل واحد يتكلم عن نفسه ومحدش يتكلم بلساننا.