«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرسم الاستشراقي البريطاني صور شرقية عالية الجمالية لا علاقة لها بالشرق
نشر في نقطة ضوء يوم 31 - 08 - 2009

ثلاثون عاما مضت علي كتاب ادوارد سعيد المؤثر الاستشراق (1978) وما زال الجدل يدور حول ماهية الاستشراق وطبيعته، هل كان هوسا وشوقا للمعرفة مبرأ من الايديولوجيا ام كان ايديولوجيا بحد ذاتها ورؤية سياسية تعبر عن سلطة المعرفة وقوتها وكان اداة طلائعية للاستعمار، كما اقترح سعيد؟. فالاستشراق في نظر سعيد هو رؤية سياسية عن الواقع قامت بنيته علي تمرير الاختلاف بين المعروف/ المألوف فبعيدا عن كون عمل المستشرقين عملا محايدا للمقارنة بين الشرق والغرب، فقد كان تعبيرا عن علاقات القوة. في كتاب الاستشراق الذي تناول فيه المدرستين الفرنسية والبريطانية لم يتطرق سعيد للرسم الاستشراقي الا بشكل محدود. لكن الرسم والرسامين الذي جالوا المشرق في القرنين الثامن والتاسع عشر، عَصْرَي تشكل الاستعمار الغربي وهيمنته العسكرية والاقتصادية والثقافية علي المستعمرين كان قادرا علي نقل الكثير من ملامح الشرق والشرقيين وقد ترك لنا الرسامون تراثا غنيا بالالوان والوجوه والرموز والحيوات التي شاهدوها واستعادوها عندما عادوا لباريس ولندن في مراسمهم. وفي احيان كثيرة لم يسافر فيها الرسامون اكتفوا بالاعتماد علي الوثائق والكتب الاثنوغرافية التي اعدها رحالة ودبلوماسيون، كتاب وشعراء عن المشرق واستعادوا من هذه المواد الخام صورة عن الشرق عكست في الغالب تحيزهم ومواقفهم الجاهزة او الانتقائية عن الشرقي العربي والفارسي والتركي. كان اهتمام الرسم الاستشراقي، البريطاني والفرنسي وان اختلفا في المعالجة وتميز الرسومات الفرنسية بحس الصدمة والفضائحية، منصبا علي عدد من الملامح والموضوعات، اهمها الحريم، الذي عكس تماسا وتلاصقا في احيان كثيرا بين الفنتازيا وبين الحقيقة. فالفنان كان يرسم من خياله ومعتمدا علي ما سمع والتقطه احيانا من بيوت اللذة او الكتب المتوفرة لديه، ومع الحريم، هناك الحجاب والقناع الشرقي، الذي لم يتحرج الغربيون من التزيي به، فلدينا كم من الرسوم لرجال دولة وعسكريين ورحالة تزيوا ولبسوا الزي الشرقي، ايرانيا، افغانيا، مصريا ، بدويا وفلسطينيا. وهناك الهوس او الاهتمام بالفضاء المدمر، الزمن الخالي الذي يعيد فيه رسم الصلة والبيعة لتاريخه المشترك مع الرومان واليونان، متجاوزا العربي الشرقي، الذي حرص الفنان علي دمجهم في الصورة ولكنه اعطاهم حسا ثانويا، ووضعا غريبا، يشوش عين المشاهد ولكنه يفتحها علي اختلاف هذا الشرقي وبالتالي وحشيته. وهناك ايضا الاهتمام بالفضاء والمعمار، الداخلي والخارجي، بيوت وقصور ومساجد، مشاهد عامة لمدن، سماوات مفتوحة صافية، ضوء ودفء. اضافة للحياة اليومية في مدن الشرق، السوق، الحكواتي، الباعة في ضوضاء وغبار اليوم، النميمة والقيل والقال امام البيوت، الجلسات الكسولة امام البيوت، دخان المقاهي وباعة الوهم والمخدرات والزيارات بين نساء الطبقة العالية في مجتمع اسطنبول او القاهرة. حرص الفنان الاستشراقي علي نقل تفاصيل المشهد الذي عاينه، مع انه كان يكمله بعد عودته لان الفنانين البريطانيين والفرنسيين لم يكونوا معتادين علي الرسم في الهواء الطلق، بل علي هدوء مراسمهم. والمشهد في الصورة الاستشراقية حافل بالتفاصيل: تقاطيع الوجه، العمامة، القمباز، الثوب، الخنجر، الصندل، الشروال، اللفحة، الغليون.. وغير ذلك. ربما كان الفنان في حشده لهذه الرموز يقنع مشاهده بالمعرفة والاصالة وانه عندما يرسم كان يرسم عن تجربة او معرفة بالسياق الشرقي واوضاعه بل ان لوحات تصور الحوش، او غرف الاستقبال كانت محاولة لاعطاء صورة عن السلطة، سلطة الفنان علي اختراق عالم الشرقي المغلق عليه، وفي احيان اخري كان الفنان يعيش حياة الشرقي ويعيد انتاج بيت الشرقي في مسكنه، بل ويواصل مسلكه التمثيلي الخارج عن كل اذواق المجتمع الفيكتوري بالنسبة للرسام الانكليزي، اي يتقمص دور الشرقي قلبا وقالبا وفي الحياة اليومية وليس في المناسبات كما درج عليه دبلوماسيون ورحالة اقاموا بعد عودتهم نوادي تجمعهم يلتقون فيها كل اسبوعين، مثل النادي المصري (1741 1743) ونادي الديوان 1744. هنا، هل يقع الفن الاستشراقي ضمن المنظومة والرؤية عن الايديولوجيا التي تحدث عنها سعيد، ام ان بعضه يصدق عليه هذا التحليل، وهل كان الفن الاستشراقي رغم واقعيته الخادعة، يعبر عن حقيقة الشرق ام ان الغربي عندما كان يرسم الشرق فانه كان يرسم نفسه ويمرر رؤيته وموقفه معرفته في داخل لوحته الشرقية، وكان في السياق نفسه يعيد تدوير ازمته، قلقه، مخاوفه، وحدته في واقعه علي عالم الشرق الهادئ، المتجادل مع زمنه، وهل كان يقوم باتخاذ مقعد الشرقي ليعكس اندماجه في حياته او يعكس سطوته وقوته، وكما قلنا ازمته ومرضه. اننا ازاء معضلة يفرضها علينا هذا الرسم، سواء عن المدخل وعن النية والقصد وعن الاداة والطريقة مع اننا نقف ازاء هذا الفن موقف الدهشة والاعجاب ان علي صعيد اللون والضوء والحركة او علي صعيد الموضوع، فاللوحة اي لوحة من هذا التراث تمتلك وحدة وتماسكا واغراء للمشاهدة الطويلة والتحديق والتحليل، عن رؤية المنتصر للمهزوم. تظل مسألة واقعية الرسم وعلاقته مع زمنه وسياقه اشكالية من ناحية ان ما رسمه الفنانون الاوروبيون كان محدودا في موضوعاته ويشير الي حدود المعرفة هذه، فهو كان يرسم رجال الدولة والمسؤولين، وكان يرسم من الهامش، وليس من المركز فهو ان خدع بصرنا بدور له فيما كان يحصل الا انه كان متفرجا مثلنا، والمتفرج ذاكرته قصيرة وانتقائية. علي العموم يعود الرسم الاستشراقي البريطاني تحديدا لساحة النقاش الاعلامي والشعبي في معرض ضخم نظمه متحف الفن تيت بريتين والذي بدأ في الرابع من شهر حزيران (يونيو) الحالي. ويطمح منظمو المعرض الي اغواء الرأي العام مثلما اغوي الشرق رسامي معرضهم. وعلي مدار 172 لوحة يرحل الزائر للمعرض اغواء الشرق: الرسم الاستشراقي البريطاني في تاريخ الشرق وعلاقته مع الغرب، هنا يتجلي التاريخ والماضي بكل القه وحزنه، عبر ريش ووجوه من صنعوه. يجابه الزائر للمعرض بالماضي الذي قد يختار ويستعيد ظله علي حاضره. ويخرج الزائر بانطباع ان زمن الفنانين البريطانيين الذين عاشوه ورسموه هو زمننا، زمن الصراع والهيمنة. وتثور في ذهن المشاهد اسئلة عن حقيقة هذه الصور وان كانت تتحدث عن شرقنا في زمنه العثماني، وعن ثقافتنا، رسوم ربما كانت تتحايل علي ما يرتكبه البريطانيون من سياسات واضطهاد وقتل ضد الشعوب المستعمرة، ورسوم مخادعة لا تعكس ما يجري في قلب الامبراطورية المتداعية من انتفاضات وثورات بل وحتي من سياسات، فهي وان جاءت في معظمها بعد مذكرة التنظيمات التي صدرت في عهد السلطان عبدالمجيد عام 1837. فهي لا تعكس صور الحداثة والتحديث في هذه الدولة بل تحاول التأكيد علي سكونية المجتمع وكسله، وتخلفه، فباسم الجمالية اللونية يؤكد الفنان علي مظهر التخلف. في كاتالوغ المعرض عدد من المقالات تشير الي اللحظة الاستشراقية البريطانية التي بدأت بعد تنظيمات السلطان عبدالمجيد بعامين، واشارت الي ظهور فن متميز في موضوعه عن الشرق، فن تمظهر اولا في الصور الشخصية بورتريه ثم انتقل الي الحياة اليومية والفضاءات والمشاهد العامة وتلون بكل الدوافع والرغبات التي عكسها الفنانون. وفي الكاتولوغ مقالات عدة لباحثين، منها مقال للباحثة المعروفة رنا قباني التي اكدت علي خداع فكرة الواقعية في رسوم الفنانين البريطانيين وانها ظلت محصورة بالاذواق والمواقف الفيكتورية، وبدلا من ان تقدم صورا اصيلة عن الواقع في المدن والحياة الاسلامية تظل انتقائية، وفنتازية. ولوجهة نظر قباني مبررها لان معظم هذه الرسوم انجزت في القرن التاسع عشر وهو الزمن الاستعماري، وعصر العقلانية الذي سمح بتدمير المدن، وضربها مثل الاسكندرية من اجل تحضيرها بمعني الحضارة بل تذهب قباني للقول ان ما كتبه سعيد بمثابة النبوءة لان الاستشراق وبالضرورة فنه قام علي اساس ان الغرب يعرف عن الغرب اكثر من الشرقي نفسه، وهذا واضح في تجربة لورنس العرب، الذي تحضر صورته في المعرض باللباس العربي التقليدي عندما كان يحضر مؤتمر باريس. وتقول قباني هذا الافتراض، واضح بشكل كبير في الخطاب السياسي الكارثي في البيت الابيض اليوم ويظلل المنطقة (اللينة) من الرسم ايضا . هذا الموقف يدين الفن الاستشراقي ويتعامل معه علي انه غير مبرأ من جرائم الامبراطورية نفسها لانه عكس واخفي بحس مدروس فظائعها بل كان مدانا لانه اخرج المشاهد الاوروبي لهذه الاعمال من حس الواقع والحقيقة الي الخيال والغرابة والفنتازيا. طبعا هناك فنانون نقلوا صورهم عن كتب وفي تحليل دقيق لاعمالهم نلاحظ انها تشبه اسكتشات وجدت في كتب شهيرة في ذلك الزمن بيان عن اخلاق وعادات المصريين الحاليين لادوارد لين. لكن فاطمة المرنيسي، في مقالها عن فكرة السمر حاولت النظر للفن هذا باعتباره محاولة للتخلص من لاوعي خائف مرعوب من الشرق بممارسة عادة السمر الشرقية، وقدمت عرضا لمعني التصاق الشرق والاسلام بالتقويم القمري، لان القمر كان صديق العربي في الصحراء بخلاف الشمس التي كانت تقتله بحرها. وهنا وفي اطار تحليلها تقول ان التأكيد علي الرموز والصور الهادئة الكسولة الوادعة في محيطها كانت محاولة للتخلص من الحياة المبرمجة في بريطانيا الفيكتورية واجتراح الحلم مثل الشرقيين. وتري ان فكرة التركيز علي الرموز في الفن الاسلامي كانت متساوقة مع عالمية الاسلام وتحريره من الايقنة والطقوسية في المسيحية. اذا كان الفن الاستشراقي بمثابة انعكاس للاوعي خائف من المسلم، خاصة ان الغربي كان يخاف من الظلام، والشرقي يتعامل مع الظلمة والقمر كمجال للحلم، هنا نفهم من تحليل المرنيسي ان الفنان البريطاني في تفاصيل لوحاته ولونياته ودرجات الضوء فيها كان يقوم بمحاولة للتخلص من نمطيات حياته وقلقها وينفتح علي عالم الحلم والفنتازيا، ونفهم في النهاية انه فن غير مؤدلج. قد نتفق مع هذا التحليل، لكن المرنيسي تقترح امرا اخر وهو ان رمزية الفن الاسلامي، دوائر مثلثات مكعبات ... هي تعبير عن عولمة الاسلام مثل عولمة اليوم. فهل نفهم ان عولمة اليوم هي شبيهة بعولمة الاسلام؟
بعيدا عن هذا يرحل المعرض بنا في زمن الفن الاستشراقي البريطاني من بداية الهوس بالصور بالزي الشرقي بدأ من ليدي وورتلي مونتاغو التي رافقت زوجها القنصل البريطاني لاسطنبول وكتب رسائلها المهمة عن الحياة داخل الحريم العثماني، ولورد بايرون (توماس فيليبس 1814)، وريتشارد بيرتون الرحالة في زيه البدوي (رسمها توماس سيدون 1853) والذي اكمل رحلته للحج متخفيا بزي مسلم. بيرتون كان مدفوعا لان يقنع الجمعية الجغرافية بانه متخصص وعالم بالشرق ومع ذلك لم يمنعه هذا واثناء تواجده في مكة من ان يقوم بمهام تجسسية لصالح بلده عندما سمع من حجاج هنود عن تمرد سيحصل في منطقة في الهند، فأرسل علي عجل برقية ليحذر المسؤولين هناك. صور الفنانين والمسؤولين باللباس الشرقي في هذا المعرض تظهر احيانا وحدة وغرابة عن المكان كما في رسم نابليون بونابرت لجيروم (1863) والذي يبدو فيه وحيدا حائرا خلفه القاهرة بقبابها. ورسم الوجوه والاشخاص لم يكن حصرا علي الغربيين فالشرقيون كان لهم نصيب: مثل صورة السلطان عبدالمجيد الشاب رسمها ديفيد ويلكي عام 1840، ورسم محمد علي باشا، رسمها ايضا ويلكي عام 1841 ويحكي ان علي باشا لم يكن يسمح لأي فنان يسمع بوجوده في القاهرة بالمغادرة قبل ان يجلس امامه ويرسمه. في صورة ليدي شيرلي التي تعود للقرن السابع عشر نلاحظ ان الفنان (غير معروف) حرص علي ان يضع في يد السيدة حرم مبعوث شاه عباس سير روبرت شيرلي، مسدسا لكي يعطي فكرة عن تقدم الحداثة الاوروبية في المجال الشرقي. لكن لوحة اكتشاف اثار مدينة تدمر من قبل العالمين جيمس دوكينز وروبرت وود ورسمها غافين هاميلتون 1758 نلاحظ المزاج الديني فيها، وان الوجود العربي هو للتزويق ولاعطاء صورة عن غرابته وهو ابن البلد علي المكان فيما يبدو الانكليزيان مثل الحواريين الذين يدخلون الارض المقدسة في مقارنة واضحة لمظهر الصرامة والغضب البارز في وجه الفارس العربي. في احيان اخري يلعب الفنان، كما في حالة جون فردريك لويس دور العربي او الشرقي كما يبدو في لوحة بائع السجاد في خان الخليلي (1860) نلاحظ ان البائع الجالس علي مصطبة وبيده سيف وباللباس العربي وتبدو حركة قدميه للاعلي بالخف الاحمر وكأنها تشي بالترقب، ما هي الا معادل عن الفنان نفسه، اي صورته كبائع للسجاد بدلا من البائع الحقيقي. في الجزء الثاني من المعرض عن الانثي والحياة اليومية مجموعة من الرسوم وتقدم جماليات الشارع والبيت الشرقي، مثل وجبة منتصف اليوم، الغداء (1875) لفردريك لويس التي تشبه اسكتشا ورد في كتاب لين بخلاف ان لويس اعطي الوجبة بعدها ومداها الواسع وعلاقتها مع الفضاء الخارجي. في لوحة ارثر ميلفيل صراع الديكة (1881) التي استعادها من مشهد في عمان تبدو الوجوه غائمة وغامضة علي خلفية قوس قاتم. لكن في درس ديني في الازهر نري ان الفنان ولتر تشارلس هورسلي وضع الغربيين في لباسهما الغربي في موقع الرقيب علي الجالسين في رواق الازهر يتعلمون، مما يعطي صورة عن التفوق والهيمنة. لوحة ويليام هانت عن بائع المصابيح ومشهد حب مع فتاة في شارع مفتوح (1860) تكشف عن تناقض في فهم حساسية المكان وعيون البائع لا تفصح عن مشاعر حب مع الفتاة في النقاب وهو يحاول ان يغلق فمها الضاحك بيد واليد الاخري تمسك بمعصمها. لكن بعض اللوحات تفصح عن تحيز ونمطية مثل لوحة ويليام الان، سوق الرقيق في اسطنبول (1838) هنا باعة يتشاورون في اسعار الرقيق الحزين وجندي يحرسهم مع فارس اخر علي خلفية مسجد. جون فردريك لويس يبدو انه استعاد اكثر من مشهد في كتاب لين عن مصر والمصريين كما في لوحته عن خان الخليلي (1872) وفيها نري مشاهد من حكواتيين يقصون قصص الف ليلة وليلة. ويبدو لويس مركزيا في حركة الرسم الاستشراقي حيث يقدم لنا مشاهد من القاهرة واسطنبول مشهد من مدرسة في القاهرة (1865) و نساخ من القاهرة (1852). مقارنة مع اهتمام لويس بمشاهد الحياة اليومية فالزائر يلاحظ اهتمام الفنان ديفيد روبرتس بالمشاهد العام والبانورامية للمدينة العربية مشهد بانورامي للقاهرة (1839) و معبد ادفو (1840) و وادي الملوك (1838)، و اثار معبد الشمس في بعلبك (1861) و اثار المعبد الكبير في الكرنك (1845). لويس ايضا اهتم بالرسومات العامة كجزء من الحياة اليومية مثل استراحة في الصحراء (1865)، و معسكر في جبل سيناء (1842). ادوارد لير رسم المدن القديمة والمعاصرة له بيروت (1861) والبتراء (1859) و البحر الميت (1858) فيما اهتم ويليام هولمان هانت باثار الفراعنة ابو الهول (1854) الصورة الوحيدة من شمال افريقيا هي لوحة جون لافري طنجة (1893) ذلك ان الفنانين الانكليز منذ البداية اعترفوا ان هذه المنطقة الجغرافية هي مكان تحرك الفنانين الفرنسيين. في جزء الحريم لا يبتعد الفنان كثيرا عن الصور المعروفة والمتخلية له خاصة ان الفنان كان يرسم من خياله، ونلاحظ ان لوحة الاستقبال للويس (1873) تشي ان المكان الذي ضللنا بانه مكان النساء كان قاعة الاستقبال للرجال ولكن اللوحة رغم تضليلها تحتوي علي امكانيات جمالية عن البيت العربي، مشربيات وزخارف، سجاد، حوض ماء وتقاليد اللباس والتميز الطبقي. لويس اهتم ايضا برسم مشهد قراءة القرآن لشفاء المرضي (صورة عن الخرافة) (1872) والقيل والقال داخل وخارج البيت. احيانا يبدو المشهد في لوحة لويس مكتظا بالبشر والحيوانات والطيور والشجر كما في لوحة ساحة (حوش) بيت القبطي في القاهرة (1864). في الجزء الاخر يستكشف المعرض البعد الديني للفن الاستشراقي هذا والاهتمام بالارض المقدسة، وفي صور الفنانين هنا اما تركيز علي اليهود او قصص التوراة والعهد القديم (ديفيد ويلكي ولوحته عن صلوات يهودية عند حائط المبكي). ويليام هانت مثلا ركز في لوحته عن بيت لحم من الشمال (1892) علي النظام الزراعي القديم ولوحاته عن الناصرة (1860) وسهول القدس كما تبدو من جبل الزيتون. وهناك لوحات اخري عن النشاطات اليومية في المسجد صلاة العصر للويس (1857) و مشهد قافلة الحجيج لمكة لآرثر ميلفيل (1882) و مفسر القرآن للويس (1869). رحلة متعبة وطويلة ولكنها ممتعة بين الضوء والظلمة والقتامة وبين الحقيقة والخيال، لماذا الان، العودة للقرن التاسع عشر وما قبله والبحث في الفن الاستشراقي سؤال تري قباني ان الاجابة عليه تكمن في ان معارض من هذا النوع تجلب مشاهدين تماما كما فعل متحف اللوفر عام 2006 في معرض عن الحمام الشرقي لفنان لم يعتب مرة في حياته تركيا او حماماً تركياً. في النهاية تظل اعمال الفنانين مهمة من ناحيتها الارشيفية البصرية والتي لا تختلف في هوسها عن اعمال الاثنوغرافيين او الباحثين في الشرق وهي صورة عن النمطية التي انتجها الغرب عنا، ولكنها في اطار اخر، ملمح عن فنانين قاموا بالتلصص علينا والدخول لحرمنا وبيوتنا في الخيال، وفشلوا حتي في اكتشاف روحنا. لوحات جميلة عن زمن الفنانين وعصرهم وعن زمننا الذي تخيلوه عبر الريشة. لكن الجدال حول دوافعهم والمستشرقين يظل حيويا وشرعيا. المفارقة ان رسامي الامبراطورية تركوا لنا هذه الاعمال الجميلة المفتوحة علي التفسيرات ولكن الامبراطورية الامريكية تركت لنا صور التعذيب عن ابو غريب والسجون السوداء وغوانتانامو (افلاماً ولوحات وصوراً)، من سوء حظ الامبراطورية الحالية اننا نعيش في عصر مفتوح ومن حسن حظ السابقين انهم كانوا يرسمون لرأي عام لا يهتم او لا يريد ان يعرف ولهذا تظل اعمالهم رؤي شخصية تحمل موقف ثقافتهم. لكن ما يحمد لمنظمي هذا المعرض انهم لم يكتفوا بوصف اللوحات ولكنهم عرضوها علي صحافيين وكتاب واكاديميين وشعراء قدموا رؤيتهم المختلفة او المؤتلفة مع الوصف حيث نقرأ وجهات نظر جديدة عن اللوحة وصانعها.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.