فى مجتمع يلفظ المدمنين ويعتبرهم مجرمين لابد من التخلص منهم سواء بالسجن أو النفى داخل المصحات العلاجية، وأطباء نفسيون يبتعدون عن هذا المجال بالتحديد أولا لأن نتائجه غير أكيدة، وثانيا لأنه غير مجد ماديا، اختار الدكتور شريف درويش إخصائى أمراض المخ والأعصاب وعلاج الإدمان أن يكون مجال عمله الأساسى هو التعامل اليومى مع الإدمان والمدمنين، خاصة بعد أن لاحظ قلة الأطباء فى ذلك المجال. يومه بالكامل يقضيه مع المدمنين حيث يذهب صباحا إلى مركز التأهيل الذى يعمل به ليواصل العمل فى جلسات العلاج الجماعية فى عيادته مساء. «الإدمان مش مجرد دور برد، يأخذ المريض العلاج فيشفى خلال عدة أيام».. تلك هى الرسالة التى أراد الدكتور شريف درويش أن تصل إلى الناس، فخروج السم من جسد المدمن لا يعنى أنه شفى، إنما يحتاج إلى الخضوع لجلسات تأهيل تمكنه من تغيير نظام حياته والابتعاد عن الإدمان. ويصف الشخص المدمن بأنه كتلة من المشاعر، إحساسه مرهف وانفعالاته ومشاعره أعلى من الطبيعى، يمكنه أن يعود إلى الإدمان إذا نظر له أحدهم نظرة لم تعجبه «أحد المرضى عاد إلى الإدمان لأن أخاه تأخر داخل دورة المياه».. وقال الدكتور شريف درويش: يعانى مريض الإدمان من خلل فى التفكير قبل حتى أن يدخل فى مرحلة الإدمان، هذا الخلل يتضخم بفعل الإدمان فيجعله فى أشد الحاجة إلى برنامج تأهيل يعيد إليه مهارة التفكير والتحليل ليفهم الأمور البديهية التى يغيبها عنه الإدمان والتى من بينها أن الإدمان ضار، تلك الأفكار البديهية التى تغيب عن عقل المدمن لأنه لا يدرك إلا قدرة الإدمان على تحقيق السعادة له لذلك يحرص الدكتور شريف درويش على أن ينطوى برنامج التأهيل على قدر من الترفيه والترويح عن النفس من خلال لعب الرياضة والذهاب للسينما ليشعر بأن الحياة يمكن أن يكون بها سعادة بدون مخدرات. ويعتمد الدكتور شريف فى علاج المدمنين على العلاج الجماعى، حيث المبدأ الأساسى الذى يتعلمه كل مدمن «أنا لا أستطيع لكن نحن نستطيع» فتترابط المجموعة وتتحد على هدف واحد هو التخلص من الإدمان ويؤكد الدكتور شريف أهمية العلاج الجماعى فى عدم تكرار الأخطاء، حيث يقى المدمن من الدخول فى الكثير من الخبرات السلبية. بالنسبة له، المدمن هو مريض من الدرجة الأولى لذلك يوظف الدكتور شريف كل الوسائل المتاحة فى سبيل تأهيل المدمنين، وقد اعتبر الفنون أحد أهم الوسائل التى يمكن استخدامها فى فهم نفسية المريض والتعامل مع عقله الباطن، فلا يجد حرجا أن يعطى مريضا ورقة بيضاء ويطلب منه أن يرسم أو ينحت قطعة من الطين، أو أى وسيلة أخرى تمكنه من فهم مشاكل ومشاعر مريضه. «التمثيل» أو ما يعرف باسم السيكو الدراما نوع آخر من الفنون التى يستخدمها الدكتور شريف ليضع المدمن أمام مرآة يرى فيها تصرفاته والسيناريو الذى يدور بداخله فى لحظة معينة فيدفعه إلى سرقة سيارة فى سبيل الذهاب لشراء المخدرات. أما الأوريجامى أو فن طى الورق اليابانى، فكان استخدامه مفاجأة للكثيرين، فكيف لقطعة من الورق يطويها المدمن عدة ثنيات تكون وسيلة لعلاجه من الإدمان إلا أن الدكتور شريف يؤكد أنه يوظف «الأوريجامى» الذى يبدو كلعبة بسيطة لتوصيل عدد من المفاهيم للمدمن، منها أن العلاج يمر من خلال مجموعة من المراحل، فإذا أهمل المريض مرحلة بعينها أو لم يتقبل تنفيذ أوامر الطبيب التى تبدو فى بعض الأحيان غير مجدية، يفشل العلاج وبالمثل فإن الإهمال فى ثنى ورقة الأوريجامى يفسد الشكل النهائى. «يشعر المدمن دوما أنه فاشل وغير قادر على إنجاز أى شىء فى حياته» قال الدكتور شريف، مشيرا إلى أن المدمن عندما ينجح فى صنع شىء بيديه يشعر بالقدرة على الإنجاز، ورغم أن استخدام الفن فى علاج المدمنين غير منتشر فى مصر، إلا أن الدكتور شريف يحرص على أن ينطوى برنامج التأهيل ما بين 10% و 15% من الفنون. «المدمن عندما يتخلص من الإدمان يكتسب المزيد من المهارات التى تجعله أفضل من الإنسان العادى» هذه الكلمات ليست دعوة للإدمان لأن نسبة الذين ينجحون فى الخروج من الإدمان ضئيلة جدا. «أنا باحس أنى باحفر فى البحر» قال الدكتور شريف، مؤكدا أن حوالى 60% فقط من المرضى يكملون برنامج التأهيل، بينما وصف نسبة الشفاء بأنها «تجيب اكتئاب» فثلاثة من كل 100 مريض يشفون تماما. لمعلوماتك... 8 ملايين مصرى تعاطوا المخدرات أو اختبروا تناولها أثناء فترات مختلفة من حياتهم