ما تشهده مصر بعد سقوط حكم الإخوان يشير إلى أن مرحلة ظهور التنظيمات الإرهابية الصغيرة قد بدأت من جديد، فى ظل اشتداد الصراع مع التنظيمات الرئيسية، مثل الإخوان والجماعة الإسلامية وبقايا تنظيم الجهاد والسلفية الجهادية. وبعد ثورة يناير ظهرت على الساحة المصرية مجموعات متفرقة من الجهاديين الجدد، بعضها ينحدر من «الجماعة الإسلامية» وبعضها ينتمى إلى السلفية الجهادية وشراذم تنظيم الجهاد الذى ظهر فى مصر مع نهاية السبعينيات، وكان هذا يشكل خروجا عن الحالة التى بدت عليها هذه الكيانات الكبرى قبل انطلاق الثورة. فالجماعة الإسلامية كانت قد أطلقت مبادرة وقف العنف وأعادت النظر فى طروحاتها الأيديولوجية التى تسببت فى صراعها مع الدولة طيلة الثمانينيات والتسعينيات، وتنظيم الجهاد تشتت قدراته إثر وقوعه تحت طائلة الحملة التى شنتها الولاياتالمتحدة ضد «الإرهاب»، بعد تحالف قائده أيمن الظواهرى مع أسامة بن لادن تحت لواء ما تسمى «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين»، المعروفة باسم «تنظيم القاعدة» إثر انحياز الأول، بعد طول تردد إلى منازلة «العدو البعيد»، الذى يعنى هنا الولاياتالمتحدة وإسرائيل على وجه الخصوص، جنبا إلى جنب مع قتال «العدو القريب» وهو النظام الحاكم فى مصر، فضلا على المراجعات التى قدمها مفتى الجهاد، أو بالأحرى مفتى القاعدة، الدكتور سيد إمام عبدالعزيز، المشهور باسم «الدكتور فضل». وهذا لا يعنى أن التنظيمات الإرهابية الصغيرة أو الهامشية لم تظهر إلا بعد تغيير وجهة الجماعة الإسلامية وانقضاء الفاعلية الداخلية لتنظيم الجهاد، فالخلافات التنظيمية والفقهية طالما قادت على مدى العقود الثلاثة الماضية إلى انشقاقات داخل الحركة الإسلامية المصرية، بما أوجد تنظيمات صغيرة، محدودة الانتشار الجغرافى ضعيفة الإمكانيات حديثة النشأة لا تملك رصيدا كبيرا من الإطار الفقهى النظرى الذى يبرر وجودها، ويحدد علاقاتها بالمجتمع والدولة والجماعات الإسلامية الأخرى، ومن ثم اختفى أغلب هذه التنظيمات بعد مواجهة أمنية حاسمة أو القبض على قادتها. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر هنا من هذه الجماعات الهامشية تنظيم «السمنى» و«الأهرام» و«جهاد الساحل» و«الواثقون من النصر» و«الغرباء» و«تنظيم أحمد يوسف» و«الفرماويون» و«الناجون من النار» و«الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» و«التكفير الجديد» و«أبناء الصعيد» و«النذير» و«التوحيد»، و«الشوقيون»، و«جماعة الفتح» و«الخلافة» و«جنود الرحمن» و«العصبة الهاشمية» و«مجموعة التسعين»، و«القصاص العادل»، و«القرآنيون» و«الجهاد الصحيح»، و«السماويون»، و«القطبيون». ويمهد الوضع الذى ترتب على إسقاط حكم الإخوان والمتحالفين معهم إلى ظهور تنظيمات صغيرة، تتكون ممن لم يرق لهم ما أقدمت عليه «الجماعة الإسلامية» وراق لهم رجوع جناح منها إلى العنف حاليا، وما انتهى إليه تنظيم الجهاد، ولا يكفيها التوجه الدينى الصرف الذى يصبغ عمل جماعة مثل «التبليغ والدعوة» وبعض السلفيين الدعويين الرافضين للانخراط فى العمل السياسى، ولا تقبل الانكفائية النسبية التى تعيشها الطرق الصوفية. ومما يزيد من احتمالات تحقق هذا اشتداد القبضة الأمنية فى مواجهة الإرهاب، بما لا يسمح بوجود تنظيمات كبيرة، تنتشر جغرافيا لتشمل القطر المصرى بأكمله تقريبا، أو جزءا كبيرا منه، مثلما هى الحالة بالنسبة ل«الجماعة الإسلامية» فى شكلها القديم، التى تنشط أكثر فى صعيد مصر، وتنظيم الجهاد، الذى تركز وجوده فى محافظات الوجه البحرى. فالتنظيمات والجماعات الكبيرة يسهل تعقبها، خاصة إذا لم تأخذ الشكل «العنقودى» على غرار تنظيم الجهاد، أو آثرت أن يظل جزء من نشاطها طافيا فوق السطح أو علنيا، كما فعلت الجماعة الإسلامية بعد المراجعات، وبعد الثورة حين أقدمت على تكوين حزب سياسى هو «البناء والتنمية». أما التنظيمات الصغيرة، التى تتكون حول قيادة صغيرة فى منطقة محدودة وترسم أهدافا بسيطة لوجودها، فيصعب على رجال الأمن نسبيا اكتشافها، خاصة إذا برعت هذه التنظيمات فى أدائها السرى وامتلكت قدرة على المراوغة وتضليل أجهزة الأمن وبناء حالة من التوافق الظاهرى مع المحيط الاجتماعى الضيق، لا يؤدى إلى استعداء الناس. ويبرز عامل آخر قد يرشح تنامى ظاهرة التنظيمات الإسلامية الراديكالية الهامشية يرتبط بمسألة التمويل، ففيما سبق كان يمكن ل«الجماعة الإسلامية» و«الجهاد» أن يتلقيا دعما ماليا ملموسا من الخارج، سواء من قبل أفراد تابعين لهما أو متعاطفين معهما أو جماعات نظيرة أو مؤسسات تمارس نشاطها تحت اسم أعمال خيرية أو سلوك ذى طابع تراحمى أو حتى دول كانت تريد النيل من النظام المصرى أو تمهيد الأرض المصرية لأممية إسلامية، حسبما كانت تريد إيران عقب ثورة 1979 والسودان طيلة عقد التسعينيات. وهناك اتهامات عديدة للحكومات المصرية قبل الثورة وبعدها وجهتها لأطراف بعينها فى هذا المضمار. أما فى الوقت الراهن، ومع الجهد الدولى المحموم فى تضييق الخناق على روافد تمويل الإرهاب، ويقظة أجهزة الأمن المصرية فى مواجهة إرهاب جماعة الإخوان والمتحالفين معها، فمن الصعب على أى جماعة أن تتلقى دعما خارجيا مباشرا وكبيرا، يساعدها على تحقيق أهدافها ومنها الانتشار الجغرافى وتقوية الشوكة فى مواجهة الدولة وتدبير عمليات ضد السلطة والمجتمع، ومن ثم لم يعد أمام الأفراد من المتطرفين سوى الالتفاف حول قيادات محلية، من الأفضل ألا تكون معروفة لدى الأجهزة الأمنية، لتكوين تنظيمات صغيرة، تعمل تحت الأرض. ويزيد على ذلك أن جماعة الإخوان لم تكتف ببناء شبكة من العلاقات المباشرة وغير المباشرة مع تنظيمات إرهابية بل انزلقت هى إلى ممارسة الإرهاب، ومع ما تواجهه الجماعة الآن من تضييق وإخفاق وكراهية من قبل التيار العريض من المصريين يمكن أن تخرج من عباءتها بعض المجموعات التى تناصب المجتمع والدولة العداء، فى استعادة للأفكار التكفيرية أو تلك التى تتهم المجتمع بالجاهلية، ومن ثم تبرر ارتكاب أعمال العنف والإرهاب ضدهم، وكل هذا يرجح ظهور ما يمكن أن نسميها «هوامش إرهابية» على ضفاف الجماعات الرئيسية، إن تراجعت هذه الجماعات نفسها عن الانخراط فى العنف والإرهاب، وعادت إلى ممارسة السياسة من بابها السلمى. وهذه الهوامش تأخذ مسارين، الأول هو تكوين جماعات نووية تشكل أجزاء من تنظيم، لا تزيد عن بضعة أفراد، يقودهم شخص من بينهم، يمثل همزة الوصل مع قائد التنظيم، أو «أميره» حسب اللفظ المتبع لدى الحركة الإسلامية الراديكالية، فقد أظهرت التحقيقات أن تنظيم الوعد مكون من ثلاث جماعات صغيرة جدا، يبدو أنها كانت تأخذ الشكل العنقودى، الذى اتبعه تنظيم الجهاد طيلة تاريخه، أما المسار الثانى فهو أن هذه الهوامش تمثل محيطا لتنظيم إسلامى إرهابى أممى مركزه خارج مصر. ولا يخرج مستقبل هذه الهوامش الحركية عن عدة احتمالات، فبعضها قد يموت تحت وطأة القبضة الأمنية التى لا تسمح لأحد بأن يمارس نشاطا محظورا بحكم القانون من جهة، وتأخر تحقق الأهداف وظهور نزاعات داخلية بين أعضائها حول التكتيكات والأفكار، من جهة ثانية، وبعضها قد يتحلى بالصبر، فيضفى على نشاطه طابعا صارما من السرية ويؤجل أى مواجهة مع المجتمع أو الدولة، فإذا خرج عن صمته ودخل فى مواجهة فإن نصيبه لن يكون أبدا أحسن حالا من الجماعات والتنظيمات الراديكالية التى سبقته على هذا الدرب، وحال الإخوان، كبرى الجماعات المتأسلمة، الآن خير دليل على هذا، والبعض الثالث سيسقط سريعا فى أيدى رجال الأمن، ومن ثم ينقضى وجوده تقريبا بدخول أعضائه أو أهم الأشخاص الضالعين فى تكوينه إلى السجن، بينما ستحاول فئة رابعة أن تنسج، على مهل وبحذر شديد، شبكة من العلاقات من تنظيمات إسلامية راديكالية خارجية، خاصة فى ظل وجود ما يعرف بظاهرة «إسلاميو الخارج»، التى شكلت فى السنوات الأخيرة تحديا كبيرا لنظام مبارك، وستسعى إلى أن تتحدى النظام القادم فى مصر مستعينة بتأييد دولى وإقليمى معروف، وفى المقابل قد تحاول فئات أخرى أن تستقطب بعض العناصر التابعة للتنظيمات الكبرى، مثل الجماعة الإسلامية والجهاد، مستغلة الظروف التى تمر بها هاتان الجماعتان، بحثا عن تمدد اجتماعى وانتشار جغرافى. لمزيد من التحقيقات.. "عمليات القضاة": إقبال تاريخى وغير مسبوق على المشاركة بالاستفتاء.. ورصد شكاوى حول توجيه الناخبين للتصويت ب"لا".. والنادى يؤكد: إسقاط عضوية كل من تثبت التحقيقات عدم حياديته أو إعاقة عملية الاقتراع إسلاميون يشيدون بإقبال المصريين فى الاستفتاء.. الإخوان المنشقون: الشعب قضى على "الجماعة".. وباحث إسلامى: الحضور جيد.. وخبير بالحركات الإسلامية: صوت ب"نعم" لوقف المؤامرات على الدولة ومؤسساتها الداخلية تعلن نجاح الخطة الأمنية.. وتؤكد: القوات أدت دورها بكفاءة فى تأمين مقار الاقتراع والمواطنين.. وضبط 249من عناصر الإخوان بينهم 4 سوريين.. واستقرار الأوضاع عقب التصدى لتحركات الجماعة الإرهابية