محمد السيد سعيد اسم يستعصى على النسيان، لا يمكن بسهولة إلا أن تتذكر مسيرته الثقافية والفكرية التى يتخذ فيها مواقفه بناء على قناعاته، لا يدلس لسلطة ولا يجرى وراء البحث عن المصالح الشخصية، وذلك من بداية حياته العملية وحتى ختامها. ولد محمد السيد سعيد فى بورسعيد فى يونيو 1950، ورحل أمس السبت عن عمر دام 59 عاما وبضعة أشهر كان خلالها يمثل منهجا خاصا حتى بين اليسار نفسه إلى الحد الذى يوصف فيه بأنه "ليبرالى بين اليسار ويسارى بين الليبراليين". درس فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وشارك فى حرب أكتوبر 1973، وشاء له القدر أن ينتقل إلى مثواه بعد أيام قليلة من احتفالنا بهذا النصر. التحق السيد سعيد بمؤسسة الأهرام فى 1975، وشارك فى تأسيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، واعتقل لمدة شهر مع عدد من النشطاء الحقوقيين عام 1989 عقب كتابته بيانا صدر باسم المنظمة تضامنا مع عمال الحديد والصلب الذين اعتصموا داخل مصنعهم، وكأنه كان يؤسس لثقافته الخاصة ورؤية استمر عليها مدى الحياة. تظل تجربته كرئيس للتحرير لجريدة البديل استثنائية حاول من خلالها أن يقدم للقارئ نموذجا مخلتفا لمفكر اليسار الذى يختلف فى الرأى، ولا يختلف فى الهدف، عميق الرؤية، لكنه غادر سريعا منصبه فى أكتوبر 2008 "أى منذ عام بالتحديد"، بعد 14 شهرا اشرف خلالها على الجريدة منذ انطلاقها فى يوليو 2007، فى رحلة علاجية، ولم تلبث الجريدة أن أغلقت أبوابها، وكأنها لم تحتمل فراقه، ويبدو أيضا أنه لم يحتمل ذلك فقرر الرحيل عن دنيانا إلى عالم أرحب وأوسع. "السيد سعيد" نموذج لا يتكرر للمثقف الذى يترك برجه العاجى ويتفاعل مع المجتمع فى قضاياه، وينفعل به، ويقدم أطروحاته وآراءه، باحثا عن الاشتراكية فى معناها الإنسانى، فلم يقبل أبداً الاتحاد السوفيتى والصين والأنظمة الشمولية كنماذج اشتراكية، ورفض تقمص رفاقه لشخصية لينين، إنه الإنسان الذى يمتلك من النبل والذكاء والطيبة والخلق والعطاء ما يجعله نسيج وحده، ومفكرا وعالما قل أن تجد مثله فى هذا الزمن.