سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«شعرة معاوية» صراع الحرية والأمن القومى .. الأمن والشركات نفوا المسؤولية.. وقانونيون يحذرون من الاعتداء على الخصوصية.. وعلامات استفهام عن الجهة التى سجلت مكالمات النشطاء
كيف يمكن التوفيق بين خصوصية الأفراد واعتبارات الأمن القومى؟ يبدو هذا السؤال ملتبساً غامضاً، بعد التسريبات لعدد من النشطاء، فى غضون ثورة يناير، فالرأى العام مصاب بالانقسام بين مؤيد ومعارض، هذا بالإضافة إلى النخبة، الذين تطرفوا فى «دعم ثقافة التسريبات» وثقافة «اللت والعجن»، أو تطرفوا من جهة ثانية، فى رفض التنصت جملة وتفصيلا، دونما أدنى اعتبار لمقتضيات الأمن القومى. على أن الانقسام الشعبى والنخبوى معا، لا يجب أن يقود إلى تبنى هذا الرأى أو ذاك، ففى الدولة الحديثة، تكون كلمة الفصل للقانون، الذى يحدد الأدوات والوسائل والآليات التى تجعل التجسس عملا «شرعيًا» ليس يمس بالحريات العامة، ولا يتنافى مع حقوق الإنسان. هى شعرة دقيقة، بين التجسس سلوكًا منبوذا مرفوضًا، يتنافى مع حقوق المواطن فى أن يعيش إنسانًا يحظى بالاحترام، وبين «التجسس القانونى» لحماية أمن الأوطان.. فأين يمكننا أن نتلمس هذه «الشعرة»؟ الدكتور رأفت فودة رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة القاهرة يقول: إن جميع الدساتير التى وضعت فى مصر تتضمن نصوصاً تحترم خصوصية الأفراد، وتضمن للدولة الحفاظ على أمنها فى صورة تنسيق بين الطرفين، بحيث لا يؤدى الأمن القومى إلى الجور على الحريات الفردية. وأكد فوده أنه لابد للأجهزة الأمنية أن تستبعد منهج التجسس «العشوائى»، بحيث يقتصر الأمر فقط على الأفراد المشتبه بهم، والذين تثبت التحريات تهديدهم الأمن القومى على أن يكون التنصت على مكالماتهم بعد إذن من النيابة. واعتبر اللواء فؤاد علام الخبير الأمنى أن ما يتردد عن استخدام الأجهزة الأمنية «التنصت» وسيلة للتجسس على المواطنين غير صحيح، وما يشاع عن أن التسجيلات الأخيرة للنشطاء السياسيين سجلها أحد الأجهزة الأمنية أمر لا يمكن البت فيه، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية لا تسجل مكالمات المواطنين إلا بعد الحصول على إذن من النيابة والتأكد أن الشخص الذى ستسجل مكالماته مشتبه به ويضر بمصلحة البلاد. وقال اللواء فاروق حمدان الخبير الأمنى إن جميع القوانين تحترم خصوصية المواطن طالما أنه يمارس حياته فى حدود القانون دون الخروج عليه، وتقوم الأجهزة الأمنية بمراقبة الأشخاص المشتبه بهم فقط. وضرب حمدان مثالاً على هذا بالتسجيلات الأخيرة التى سربت للنشطاء السياسيين، والذين فى رأيه يخططون لتدمير البلد، إضافة إلى أنهم يفتقدون الإخلاص ويبحثون عن مصلحتهم الشخصية وبالتالى فقيام الأجهزة الأمنية بالتجسس على مكالماتهم وارد ولا يوجد به مشكلة. وكان وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى قد اعترف بالتجسس على المواطنين، لتشديد القبضة الأمنية على البلاد، إلى درجة أنه قال أكثر من مرة: «أيوه بنراقب.. واللى خايف ما يتكلمش». وتنص القوانين والتشريعات المصرية على ضرورة احترام الحياة الخاصة للمواطنين، ومنع التجسس على المحادثات، وجاء فى المادة (309) فى قانون العقوبات المصرى أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية فى غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضا المجنى عليه: - استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت فى مكان خاص أو عن طريق التليفون. - التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص فى مكان خاص. ويقول الناشط الحقوقى ناصر أمين: إن الحفاظ على أمن الوطن مع احترام خصوصية المواطنين أمر ليس صعباً، ولا يحتاج فى رأيه لأكثر من قرار سياسى، يمكن جهاز الأمن من القيام بدوره فى التأمين دون العودة لممارسات النظام السابق فى مراقبة المواطنين والضغط عليهم. وأكد أمين أن هذا سيتم من خلال إعادة تأهيل وتدريب الضباط داخل جهاز الشرطة، وتشديد الرقابة عليه لمنع وجود هذه الممارسات، وأن يعلم جهاز الشرطة أن عمله لا يتنافى مع الحفاظ على حق المواطن واحترام خصوصيته. وعن الإجرءات التى على المواطن أن يتبعها لحماية نفسه من التجسس أو إذا تعرض لتنصت على مكالمته، قال أمين: «عليه أن يتوجه للنائب العام ويقدم بلاغا ضد الجهة المسؤولة»، مشيراً إلى أن القانون يجرم تسجيل المكالمات دون الحصول على إذن قضائى من النيابة. كما ينص قانون العقوبات المصرى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ودستور 2012 والمعدل لسنة 2013. وتنص المادة 99 فى الدستور المعدل لسنة 2013 على أن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر. وتكفل الدولة تعويضًا عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء، وللمجلس القومى لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة العامة عن أى انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل فى الدعوى المدنية منضماً إلى المضرور بناء على طلبه، وذلك كله على الوجه المبين بالقانون. ويقول الدكتور اللواء طلعت موسى المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، إن هدف جهاز الأمن هو حماية الأمن القومى للدولة من خلال ثلاث جهات الأولى وهى جهاز الشرطة ممثلة فى الأمن الوطنى، والثانية القوات المسلحة ممثلة فى المخابرات الحربية، والثالثة المخابرات العامة لحماية الدولة من الخارج، مضيفاً أنه من المقبول فى الظروف الاستثنائية مثل التى تمر بها البلد الآن التنصت على المكالمات خاصة على الأفراد المشتبه بهم والذين يهددون الأمن القومى للبلاد. وأكد موسى أن التسجيلات لابد ألا تمس الحياة الشخصية للمواطنين وأن تكون بعد موافقة القضاء وجهاز النيابة، مشيراً إلى أن تسجيلات النشطاء التى ظهرت مؤخراً تمت فى وقت كان البلد فيه فى حالة طورائ، ولأشخاص مشتبه فى محاولتهم إجهاض الثورة وضياع مكتسباتها على حد قوله. وأشار موسى إلى أن العمليات الإرهابية التى حدثت مؤخراً والتفجيرات المتكررة تؤكد أن الدولة مستهدفة، وعلى الأجهزة الأمنية أن تقوم بدورها فى مراقبة جميع الأفراد المشتبه بهم بكل السبل الممكنة، فاستخدام التصنت فى بعض الأوقات، هو أمر طبيعى ويحدث فى عدد من الدول وليس فى مصر فحسب.