أسوان.. أهالي القفايطة بنصر النوبة يشكرون الرئيس السيسي بعد تحقيق حلم توصيل الكهرباء والمياه    البحيرة: رفع نواتج تطهير ترعة الخندق ومنع إلقاء المخلفات أو أي تعديات    رئيس وزراء ماليزيا: نتطلع إلى عدالة في غزة والسودان وحل سلمي لأوكرانيا    باحث: لبنان يعيش استقلالا منقوصا والجنوب خارج سلطة الدولة وسط تصعيد إسرائيلي مستمر    بعد غياب 900 يومًا.. ليفاندوفسكي يسجل هدفا تاريخيا لبرشلونة أمام بلباو    شاهد بالبث المباشر الأهلي اليوم.. مشاهدة مباراة الأهلي × شبيبة القبائل بث مباشر دون "تشفير" | دوري أبطال إفريقيا    تفاصيل ضبط أسلحة نارية و10 متهمين فى خناقة مسلحة كفر الشيخ تسببت فى مقتل شاب صدفة    تأجيل محاكمة 56 متهمًا بالهيكل الإداري للإخوان    «صوت هند رجب».. فيلم يكشف جروحنا الخفية ويعيد للسينما رسالتها الأخلاقية    وزير الصحة يفتتح تطوير قسم الاستقبال والطوارئ بمعهد القلب القومي ويوجه بسرعة إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة    الدوري الإنجليزي.. تشيلسي يعبر بيرنلي بثنائية نظيفة    هيمنة عبدالله: 550 مليار دولار استثمارات بالبنية التحتية أسهمت في دفع النمو الاقتصادي    مصر تبحث مع نيجيريا تعزيز التعاون فى مجالات الزراعة والدواء والطاقة والإنشاءات    الزراعة: زيادة إنتاج مصر من اللحوم الحمراء ل600 ألف طن بنهاية 2025    زيادة قيمة جائزة رجائي عطية إلى 100 ألف جنيه.. وإعلان الشروط قريبا    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    بدء المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب فى 13 محافظة .. الأثنين المقبل    الرعاية الصحية: أعظم الطرق لحماية الصحة ليس الدواء لكن طريقة استخدامه    جهود صندوق مكافحة الإدمان × أسبوع.. 450 فعالية لرفع الوعى بخطورة المخدرات    فيه حاجة غلط، أستاذ سدود يكشف دعامات خرسانية حديثة وهبوط بجسم سد النهضة (صور)    صلاح يقود هجوم ليفربول أمام نوتنجهام فورست في البريميرليج    خاص بالفيديو .. ياسمين عبد العزيز: هقدم أكشن مع السقا في "خلي بالك من نفسك"    الهلال بالقوة الضاربة أمام الفتح بالدوري السعودي    القبض على 4 سائقين توك توك لاعتراضهم على غرامات حظر السير| فيديو    رئيس الإمارات يصل إلى البحرين في زيارة عمل    السيدة انتصار السيسي تشيد ببرنامج «دولة التلاوة» ودوره في تعزيز مكانة القرّاء المصريين واكتشاف المواهب    قبل عرضه.. تعرف على شخصية مي القاضي في مسلسل "2 قهوة"    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    انطلاق معسكر مغامرات نيلوس لتنمية وعي الأطفال البيئي فى كفر الشيخ    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    علاج نزلات البرد، بطرق طبيعية لكل الأعمار    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    الحكم على مها الصغير في قضية سرقة اللوحات 27 ديسمبر    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    قادة أفريقيا على هامش قمة العشرين: تفاقم تكاليف خدمة الدين يعيق تنمية القارة    سعر اليوان الصيني أمام الجنيه في البنك المركزي المصري (تحديث لحظي)    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    إصابة 28 عاملا وعاملة فى حادث انقلاب سيارة بمركز سمسطا ببني سويف    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    بعد قليل، محاكمة مها الصغير بتهمة انتهاك حقوق الملكية الفكرية    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجسس على الرئيس مرسى فى القصر الجمهورى
نشر في الفجر يوم 30 - 10 - 2012


محمد الباز

■ الرئيس لا يجرى مكالماته من تليفون محمول حتى لا يتم اختراقه ويكتفى بالتليفون الأرضى فى كل اتصالاته ■ الرئاسة تتلقى تقريرا أمنيا يوميا يعتمد فى تفاصيله على التجسس على تليفونات المواطنين ■ قد تكون الرئاسة صادقة فى التأكيد على عدم تسجيل مكالمات النائب العام مع الغريانى ومكى.. لكن هل تضمن ألا تكون هناك جهات أخرى قامت بالتسجيل؟


«إذا كثر كلام الرجل.. كثر خطأه».. جرى هذا الحال على القيادى الإخوانى عصام العريان، الذى حاول فى معركته مع النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، أن يرهب الرجل بتلميحه إلى أن المكالمات التى جرت خلال أزمة الرئاسة والنائب العام - التى انتهت بانتصار القضاة ببقاء المستشار عبدالمجيد محمود فى منصبه – تم تسجيلها، فى إشارة إلى أن النائب العام لا يقول الحقيقة، وأنه مدان فى الأزمة.

العريان الذى يترفع الآن عن الحديث مع الإعلام، ويكتفى بتغريداته – تحول بعضها إلى نواح مكتمل – عبر حسابه على تويتر، غرد فى البداية بأن الرئاسة توثق قراراتها ولقاءاتها عن طريق تسجيل ما يدار خلال هذه اللقاءات، وعندما وجد أن الأمور ستنقلب عليه، وسيجرى التحقيق معه بتهمة إدعائه تسجيل المكالمات، عاد ليغرد من جديد قائلا: «إلى الكذابين الذين يتنفسون كذبًا، لم أقل إن الرئاسة تتنصت على مكالمات النائب العام، بل طالبتها بتوثيق كل مكالماتها الرسمية التى يصدر عنها قرارات.

دع عنك أن ما يقوله عصام ليس صحيحًا، فهو لم يطالب الرئاسة بشىء، بل أقر بأنها توثق بالفعل، فى إشارة إلى أن ما جرى فى أزمة النائب العام مسجل، فالأهم من ذلك أن النائب العام لم يترك تصريح العريان يمضى كما تمضى تصريحات أخرى له، لأنها بلا عقل ولا منطق.

أرسل النائب العام إلى الرئاسة خطابا رسميا، يطلب فيه من رئيس ديوان رئيس الجمهورية موافاته بما إذا كان العريان يشغل وظيفة برئاسة الجمهورية، تتصل اختصاصاتها بإجراء هذه التسجيلات من عدمه، لم تكذب الرئاسة خبرا، غسلت يديها من تقولات العريان على الفور عبر متحدثها الرسمى الدكتور ياسر على، الذى نفى قيام رئاسة الجمهورية بتسجيل الاتصالات الهاتفية التى تتم بينها وبين المسئولين والأفراد، وأضاف: ربما مكايدة للعريان وتأديبا له على جرأته: إن الكلام الذى تردد فى هذا الشأن غير صحيح تماما، وإن رئاسة الجمهورية لا يمثلها فى الحديث للرأى العام إلا رئيس الجمهورية أو نائبه أو المتحدث الرسمى».

قد تكون الأزمة انتهت عند هذا الحد، لأن هناك من يريد لها أن تنتهى ولا تتسع لأكثر من ذلك، لكن ما اقترفه العريان فى حق الرئاسة والنائب العام معا، يفتح لنا بابا واسعا للسؤال عن تأمين اتصالات الرئاسة، أو بالأدق يجعلنا نطرح سؤالا هل هناك من يتنصت على الرئيس؟ أو لنكن أكثر وضوحا، هل هناك من يتجسس على رئيس الجمهورية؟

أعتقد أن الإجابة تستحق مزيدا من البحث.. والبحث يبدأ من أزمة الرئيس – النائب العام أيضا.

من سجل مكالمات النائب العام؟

سنستسلم لفرضية أن الرئاسة بالفعل لم تقم بتسجيل مكالماتها مع النائب العام، لكن هذا لا يعنى أن المكالمات نفسها لم يتم تسجيلها، لا يمكن أن نتعامل باستهانة مع ما قاله عصام العريان، فقد يكون تم تسريب أمر تسجيل المكالمات إليه، حتى تكون هذه هى ورقته الأخيرة فى الدفاع عن نفسه فى معركة النائب العام، لكنه تعجل الأمور وكشف عنها مبكرا.

ما جرى أن من قاموا بالمكالمات مع النائب العام هما المستشار أحمد مكى وزير العدل، والمستشار حسام الغريانى رئيس الهيئة التأسيسية ورئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، وهى المكالمات التى قيل إن لبسا كبيرا وحادا حدث فيها، فكل طرف يتبنى وجهة نظر فيما جرى خلال هذه المكالمات، ولا يمكن التأكد مما جرى إلا بعد سماع المكالمات، وإذا كانت الرئاسة تجزم بأنها لم تسجل إلا أنها موجودة.

لكن السؤال هو: كيف تجرى الرئاسة مكالماتها؟

من مصادر عملت لفترات طويلة فى رئاسة الجمهورية يتم التأكيد على أن الرئيس تحديدا لا يجرى أى مكالمات عامة أو خاصة إلا من خلال التليفون الأرضى، حيث تسهل حمايته من الاختراق أو التجسس، وكان المعتاد من الرئيس مبارك أنه – أكد لى ذلك الدكتور مصطفى الفقى – عندما كان يتحدث من التليفون الأرضى من الرئاسة إلى مسئول ما على تليفونه المحمول، يطلب منه أن يتوجه إلى أقرب تليفون أرضى حتى يبدأ معه مبارك فى الحديث عما يريده، ولم يقم مبارك أبدا فى الحديث مع أحد فى شأن عام أو خاص من خلال المحمول، ولا يقتصر الأمر على وجوده فى قصر الرئاسة، بل حتى وهو موجود خارج مصر فإنه يتحدث إلى من يريده عبر تليفون أرضى.

الشاهد أنه وفى أزمة النائب العام، أن المستشار أحمد مكى والمستشار حسام الغريانى تحدثا إلى النائب العام عبر تليفوناتهما المحمولة، وهو ما يجعل من الجائز جدا التنصت على المكالمات وتسجيلها.

وهنا يأتى السؤال الثانى: فإذا كانت مؤسسة الرئاسة نفت تماما أن تكون قامت بتسجيل مكالمات النائب العام، وهى صادقة فى ذلك – على الأرجح – فهل يمكن أن تكون هناك جهة أخرى قامت بالتسجيل، وهو ما يعنى أن هذه المكالمات لديها الآن؟

هذا تقريبا ما قد حدث، فهناك بالفعل حوالى 8 جهات فى مصر تقوم بتسجيل المكالمات، من بينها على سبيل المثال، الرقابة الإدارية، ومباحث التليفونات، والمخابرات العامة، والمخابرات الحربية، ومباحث أمن الدولة سابقا – وأعتقد أن الأمن الوطنى حاليا لا يزال يقوم بهذه المهمة – وسلاح الإشارة.

ليس ضروريا أن تكون هذه الجهات جميعها قامت بركوب تليفون الرئاسة – ركوب هو المصطلح الأمنى لمراقبة تليفون ما وتسجيل المكالمات التى تجرى عبره إرسالا أو استقبالا – ولكن قد تكون هناك جهة معينة منها التقطت المكالمات وقامت بتسجيلها، وتحتفظ بها لوقت الضرورة، ويمكن للرئيس محمد مرسى أن يراجع أيًا من هذه الجهات ليعرف هل تم تسجيل مكالمات النائب العام أم لا؟

صراع أجهزة التنصت فى مصر؟

يمكن أن ينفى البعض أن تكون هذه الأجهزة تقوم بتسجيل المكالمات، ربما من باب نفى شبهة التجسس على حياة المواطنين، لكن هناك من الأحداث والوقائع ما يشير إلى أن من بين المهام الأساسية لهذه الجهات التسجيل تقريبا لكل المكالمات التى تجرى فى مصر.

فى مبنى جهاز الرقابة الإدارية بشارع النزهة على سبيل المثال وفى الطابق الحادى عشر سنترال بالغ الدقة سعته مليون خط على الأقل وفى إمكانه رصد اتصالات مليون مواطن دفعة واحدة، ولا فرق فى ذلك بين تليفون أرضى أو محمول، الأرضى يمكن تعليقه عن طريق السنترالات الأرضية، والمحمول عن طريق تقنية خاصة متصلة بمحطات التقوية التى تديرها شبكات المحمول الثلاث، وهذه القدرات التكنولوجية العالية ليس لها سوى معنى واحد وهو أن مصر كلها كانت – ولا تزال – تحت المراقبة المباشرة من هيئة الرقابة الإدارية.

ومن بين ما يروى فى هذا السياق، وعلى خلفية الصراع بين حبيب العادلى وعمر سليمان على من يكون هو الرجل الأول لدى مبارك، وفى إطار محاولات تكسير بعضهما البعض، كان حبيب العادلى قد قام بتسجيل بعض المكالمات الخاصة والحفلات لبعض أقارب عمر سليمان، وأرسله إليه، فما كان من عمر سليمان إلا أن أرسل إلى حبيب العادلى مكالمات خاصة جدا لمقربين منه، وهى المكالمات التى كانت سببا مباشرا فى انتقام حبيب العادلى من أحد الصحفيين الذى لا يزال مصيره مجهولا حتى الآن.

بل إن عمر سليمان كان عنصرا حاسما فى قضية المشير أبو غزالة ولوسى آرتين، حيث كان هو من حمل إلى الرئيس مبارك التسجيلات التى دارت بين المشير وفاتنة بيانكى، وبعد مقابلة سليمان مع مبارك، صدرت إشارة البدء لتصفية المشير أبو غزالة.

حبيب العادلى ومن باب تأكيده لنفوذه كان يراقب الوزراء ويسجل لهم، وهو ما أكده وزير الإسكان السابق والمسجون حاليا أحمد المغربى، كان هناك اتهام دائم للمغربى بأنه قريب من أحمد نظيف، بل إنه صاحب حظوة لديه، فصرح فى حديث صحفى بما نصه: ارجعوا لتقارير الأمن التى ترصد تليفوناتنا ستجدون أننى أقل الوزراء اتصالا برئيس الوزراء أحمد نظيف.

حبيب العادلى لم يكن يخفى أمر التسجيلات، بل ربما تفاخر بذلك أكثر من مرة، ولم يكن غريبا على رجل بغروره أن يقول: اللى يخاف ميتكلمش، فى إشارة إلى أن التنصت على المواطنين قائم ولن ينتهى.

تقارير الموساد والأمريكان عن مكالمات الرئيس

لم يكن غريبا أن يقع الرئيس مبارك ورغم حرصه الشديد على تأمين نفسه فريسة للتجسس عليه وتسجيل مكالماته، وقد حدث هذا مرتين – فيما نعرف على الأقل – الأولى فى أحداث اختطاف السفينة « اكيلى لاورو»، التى جرت بداية من 7 أكتوبر 1985، كان أربعة من مقاتلى جبهة التحرير الفلسطينية قد اختطفوا السفينة الإيطالية «أكيلى لورو» بعد انطلاقها من ميناء الإسكندرية.

طلب الخاطفون من إسرائيل إطلاق سراح 50 عنصرا من القوة 17 التابعة للجبهة، وبعد يومين فقط سلم الخاطفون أنفسهم للسلطات المصرية، وتم الاتفاق على سفر الخاطفين وإنهاء الأزمة بهدوء.

فى كتابه «الحجاب.. الحروب السرية للمخابرات الأمريكية» يروى الصحفى الأمريكى بوب وود وارد تفاصيل ما جرى، فالرئيس مبارك كان يكره نظام تأمين الاتصالات الذى أمدته به الولايات المتحدة، فقد كان جهاز التليفون مزودًا بزر، لابد من الضغط عليه أثناء الحديث بحيث لا يستطيع الشخص الذى على الطرف الآخر أن يتكلم وهو يستقبل المكالمة، كان ذلك يجعل من الصعب مقاطعة المتحدث على الطرف الآخر، ولهذا كان مبارك يستخدم أجهزة التليفون العادية، وكانت هناك أوامر بتشديد وزيادة العمليات الأمريكية لجمع معلومات المخابرات فى مصر خاصة بواسطة وكالة الأمن القومى والأقمار الصناعية.

فى صباح 10 أكتوبر، تم التقاط مكالمة أجراها الرئيس مبارك مع وزير الخارجية المصرى وكان وقتها عصمت عبدالمجيد، كانت المعلومات العلنية تشير إلى أن فريق الخاطفين غادر مصر، أما مكالمة مبارك فقد كانت تقول شيئا غير ذلك، قال مبارك فى اتصاله إن الخاطفين لا يزالون فى مصر، وأن جورج شولتز – وزير الخارجية الأمريكى – يكون مجنونا إذا اعتقد أن مصر يمكن أن تسلم الخاطفين إلى أمريكا كما تطلب واشنطن، وأضاف مبارك أن مصر فى النهاية بلد عربى ولا يمكن أن تدير ظهرها لأشقائها فى منظمة التحرير الفلسطينية.

وبعد أقل من نصف الساعة كان نص المكالمة قد وصل إلى غرفة العمليات فى البيت الأبيض، فى رسالة مشفرة تحمل خاتم سرى للغاية، فقد عرفت أمريكا من خلال المكالمة التى جرت بين مبارك ووزير خارجيتها تفاصيل رحلة خروج الخاطفين من مصر، رقم الطائرة ونوعها ومكان الإقلاع.. عرفت أن الطائرة تابعة لشركة مصر للطيران ورقمها بوينج 737 وأنها ستقلع من مطار ألماظة.

بعد ساعات قليلة وطبقا لما يرويه « بوب وود وارد» قدمت وكالة الأمن القومى الأمريكى نصوص عشر مكالمات تم التقاطها لمبارك وهو يناقش الخطة النهائية لنقل الخاطفين، ومنها عرفت الوكالة توقيت وصول الخاطفين الأربعة إلى الطائرة ورقم الرحلة الجوية ومسار الطائرة فى رحلتها إلى الجزائر، حيث كان مقررا أن تتسلمهم منظمة التحرير الفلسطينية.

التجسس على مكالمات مبارك كانت نتيجته اعتراض طائرات (اف – 14) أمريكية للطائرة المصرية، وإجبارها على الهبوط فى قاعدة سيجونيلا بصقلية، بمن فيها الخاطفون الأربعة مع أبو العباس الأمين العام للجبهة والذى كانت واشنطن وتل أبيب تعتقدان أنه العقل المدبر لعملية الخطف.

لم يتوقع مبارك أن تكون مكالماته التى أجراها خاضعة للتنصت بهذه الطريقة، وشك فى أن يكون المشير أبو غزالة هو من سرّب المعلومات إلى المخابرات الأمريكية، خاصة أن الرئيس الأمريكى وقتها رونالد ريجان هاجم مبارك ووصفه بالكاذب، لكن أبو غزالة كان بريئا تماما، وكل ما فى الأمر أن المخابرات الأمريكية كانت تتنصت على مبارك وتسمع كل ما يقوله وكأنها تعيش معه فى غرفة نومه.

المرة الثانية التى خضع فيها مبارك للتنصت كانت بعد محاولة اغتياله فى أديس أبابا فى العام 1993، أجرى اتصالا مع نجله علاء، وطلب منه أن يجرى اتصالا مع والدته التى كانت تتلقى العلاج وقتها من آلام فى العمود الفقرى بإحدى مصحات تشيكوسلوفاكيا، عندما علمت سوزان ما جرى عادت إلى القاهرة على الفور، وأجرت وهى فى الطائرة اتصالات قام بها رجال مكتب الرئيس والدكتور أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس، وكان صفوت الشريف من بين من تلقوا هذه المكالمات.

نتيجة التجسس على مكالمات الرئيس هذه المرة كانت هينة، فقد التقط المكالمة أحد الأقمار الصناعية الإسرائيلية، وهو ما جعل الإذاعة الإسرائيلية تسبق الإعلام المصرى فى إذاعة النبأ بدقائق.

كان مبارك حريصا جدا على تأمين اتصالاته، ومن بين ما ترويه مصادر مقربة من قصر الرئاسة أنه فى بداية عهد مبارك بالرئاسة كان هناك ضابط مخابرات مسئول عن الاتصالات داخل الرئاسة، واكتشف مبارك أنه يقوم بتسجيل المكالمات فأبعده على الفور.. لكنه لم يستطع أن ينجو من تنصت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية على مكالماته.

مرسى تحت قصف التجسس

ما حدث مع مبارك ليس بعيدا أن يتكرر مع الرئيس محمد مرسى، خاصة أن الرجل لا يزال فى طور التشكل، ولا أحد يعرف على وجه التحديد إلى أين يتجه، وقد يكون التجسس على الرئيس المصرى سهلا جدا، عندما نعرف أن هناك 12 قمرًا صناعيًا عسكريًا أمريكيًا فى منطقة الشرق الأوسط، يمكنهم من خلالها أن يرصدوا دبة النملة، وليس ما يجريه الرئيس المصرى من اتصالات.

مصادر أمنية تشير إلى أن المخابرات المركزية الأمريكية تقوم برصد كل المكالمات التى تتم عبر أرجاء الكرة الأرضية، وأنها استطاعت أن تستعيد 101 مكالمة لأسامة بن لادن منذ العام 2001، ساهمت بدور كبير فى التأكد من تورطه فى أحداث 11 سبتمبر.

القانون الأمريكى نفسه يسمح بتسجيل مكالمات رجال الأعمال من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى فى ذلك حماية للأمن القومى الأمريكى. هنا فى مصر أمور قد تبدو غريبة، فالقانون يسمح للزوج أن يتنصت على مكالمات زوجته، كما يتقبل تسجيل التليفونات إذا كان من شأنها أن تقدم دليل نفى وليس إدانة فى جريمة ما. فيما سبق كانت المادة 45 من الدستور المصرى تنص على أنه لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وصيانتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها، ورقابتها إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون.

لكن وكالعادة فالقانون شىء والواقع شىء مختلف تماما، فالقانون المصرى يعطى جهات معينة الحق فى مراقبة أى تليفون بشرط الحصول على إذن نيابى مسبق، وتم تحديد هذه الجهات فى الرقابة الإدارية والمخابرات بشقيها العامة والعسكرية، ووزارة الداخلية بأجهزتها المختلفة، وأكثرها عملا فى هذا المجال مباحث أمن الدولة ومباحث الأموال العامة ومباحث الآداب، وحتى سنوات قليلة كان القانون يشترط للمراقبة الحصول على إذن من قاضٍ جزئى، لكن وجد أن ذلك يعوق عمل هذه الجهات، فتم الاكتفاء بالحصول على الإذن من النيابة.

لابد أن الرئيس محمد مرسى يعرف ذلك جيدا، ويعرف أيضا بحكم منصبه الآن على الأقل، أن الرئاسة تتلقى تقريرا يوميا عن حالة الأمن، وأن أكثر مصادر هذا التقرير الأمنى الاتصالات التى تقوم الجهات المختلفة بتسجيلها، عبر التنصت على تليفونات المواطنين.

لقد نشرنا قبل ذلك نصوص مكالمات سجلتها أجهزة أمنية سيادية أثناء الثورة، توفر من خلالها معلومات كثيرة عن خطط وصفقات واتفاقات وتنظيم مظاهرات وخروج مسيرات وتبليغ معلومات، واعتقد لو أن الثورة فشلت لكان من وردت أسماؤهم فى هذه المكالمات يحاكمون الآن بتهمة الخيانة العظمى. بعد ذلك كله، يمكن أن نتفهم نفى الرئاسة القاطع لأن تكون هناك تسجيلات من ناحيتها لمكالمات النائب العام معها، لكن هذا لا ينفى أن الأجهزة التى تسجل المكالمات لصالح الرئاسة فعلت ذلك، وهو أمر لا يتم بدون علم الرئاسة بالمناسبة.

الأخطر من ذلك أن هذه الأجهزة وفى ظل حالة التفلت الأمنى الكبيرة التى تعيشها مصر، يمكن ألا تكون قادرة على إحكام السيطرة على تسجيل المكالمات، وهو ما يشكل خطرا داهما على الأمن القومى فى مصر، فكما يتم التنصت لصالح الرئاسة، يمكن أن يتم التنصت عليها، وكما يتم تقديم ضحايا لها، يمكن التضحية بها شخصيا.

ثم يظل فى النهاية سؤال: ألم تكن تشكو جماعة الإخوان المسلمين من التنصت عليهم وتسجيل مكالماتهم التليفونية داخليا وخارجيا، وهناك تقرير فى نيابة أمن الدولة العليا إلى الآن به نصوص مكالمات أجراها الرئيس مرسى نفسه يوم 26 و27 يناير 2011 مع قيادات إخوانية فى الخارج بعد تسجيلها عبر الجهات الأمنية؟.. فما الذى يجعل الرئيس مرسى يبقى على حالة التجسس على المصريين هذه كما كانت.. أم أن الرئيس الذى قدم إلينا من جماعة الإخوان نسى ما كان يشكو منه هو وجماعته؟!.. هذا والله مجرد سؤال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.