ملامحه القاسية تخفى وراءها حكايات سنوات قضاها عم "محمود رمضان السنان"، بين السواطير والسكاكين والأسلحة البيضاء داخل دكانه العتيق فى منطقة الغورية، منكفئ بوجهه على حجر أسمنتى ثقيل يدور مع لفات قدميه وهو ممسك بالسلاح بإتقان بين يديه، خشية أن يصيبه مكروه. هو نفسه، محمود رمضان أقدم سنان فى مصر، يحكى عن مهنته التى توارت وراء سنوات عمره ويقول: "طول عمرى بشتغل فى الدكانة دى ما ورثتهاش عن أبويا ولا حاجة"، مضيفا، "الصنعة شربتها من عمى الذى اشتهر بها منذ عشرينات القرن الماضى، وماتت بمرور الوقت نتيجة نقص الأيدى العاملة وعزوف الشباب عن العمل بها" ويضيف: "عيال اليومين دول بيدوروا على الشغلانة السهلة اللى ما تحتاجش مجهود". الصبر والقوة هما أسلحة عم "رمضان" الحقيقية، فمهنته لم تكن يوما معطاءة بقدر كونها شاقة ومتعبة وتحتاج إلى إصرار وعزيمة من صاحبها، كما يوضح: "طول ما الواحد بيصبر أكيد هينول، والشغلانة دى عايزة اللى يحبها لأن رزقها قليل وتعبها كتير". بهدوء شديد يمسك الرجل العجوز بسكين كبير إلى جواره ويضعها على حجر يسمى ب"الجلخ"، يحركه بقدميه لتسوية أسنان السكين حتى تصبح حادة غير متعرجة ثم يعاود وضعها فيما يسمى ب"الكور"، وهو عبارة عن سلسلة حديدية يسحب بها السكين لإزالة ما يعرف ب"الرايش" وهى جزيئات دقيقة من المعدن لتبدو السكين فى النهاية مثل الجديدة. وبطبيعة الحال كانت "شغلانة" عم رمضان بين أنواع مختلفة من الأسلحة البيضاء بدءا من المقص البلدى وسكين المطبخ ومقص السمك ومقص الترزى وأدوات الجزارة من ساطور وسكين وبلطة، أثرا كبيرا فى بحثه الدائم عن تاريخ مهنته فيقول: "السنانة بقالها أكتر من 200 سنة من أيام ما كان فيه حاجة اسمها سوق السلاح".