سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وادى الخيانة .. الحلقة الأولى .. مبارك لم يذكر الإخوان صراحة إلا مرتين فقط.. الأولى فى 89 عندما قال للهضيبى: ما الإخوان بيتكلموا كويس أهه والثانية عندما كشف علاقتهم بالأمريكان فى 2005
نفلا عن اليومى : الأجهزة الأمنية تمنع حوارا من النشر لمرشد الجماعة المؤقت كشف فيه انضمام مبارك للإخوان وهو طالب فى «المساعى المشكورة» الثانوية التلمسانى قابل مبارك عدة مرات فى بيته بمصر الجديدة.. ومبارك يرفض مقابلته فى قصر الرئاسة بعد الإفراج عن معتقلى السادات.. و ترك للإخوان حرية العمل وحظر عليهم الاقتراب من السلطة.. لكنهم خرجوا عن الاتفاق فى 2005 بدعم الأمريكان وخوفا من تحركات حركة كفاية فى الشارع لماذا فشل رأفت شحاتة فى تنفيذ تعليمات «مرسى» بهيكلة جهاز المخابرات؟ قيادات المخابرات غضبت من خروج موافى بطريقة مهينة.. ومرسى صمم على «شحاتة» بعد تزكية من حركة حماس مرسى بدأ مخططه ضد «الجهاز» بتوريط أبوالعلا ماضى فى القول بأن المخابرات لديها تنظيم بلطجية وهو ما أغضب الرأى العام لست فى حاجة لأن أقول لك، إن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن أبدا معارضة لنظام مبارك، لكنك قد تكون فى حاجة - ملحة جدا - لأثبت لك أن هذه الجماعة كانت شريكة لمبارك فى حكمه.. وهذه قصة طويلة لها بدايتها المحددة. لم يكن مبارك بعيدا خلال فترات كثيرة من حياته عن جماعة الإخوان، وإذا كان هناك من يقول إنه عندما كان طالبا فى مدرسة «المساعى المشكورة» الثانوية بالمنوفية، اقترب من جماعة الإخوان، وكان على بعد خطوات قليلة من الانضمام إليهم والعمل معهم كعضو تنظيمى، فإن هذا القول كان ينقصه الدليل، فلم يكن أحد يتحدث به إلا على سبيل الشائعات التى يجيدها الإخوان ضد كل من لا ينتمون لهم. لكن فى العام 2006 حدث ما جعل الأمر مؤكدا، فقد خرج من بين صفوف جماعة الإخوان المسلمين من قال ذلك وأشار إليه وأكده، أقصد تحديدا محمد هلال أحد الكبار المعمرين فى الجماعة الذى صاحب مؤسسها الأول حسن البنا، وتوفى فى العام 2009 عن 89 عاما.. فى النقلة ما بين المستشار مأمون الهضيبى المرشد السادس للجماعة ومهدى عاكف مرشدها السابع فى العام 2004، ظهر اسم محمد هلال مرشدا مؤقتا، أو بالأدق قائما بأعمال مرشد الجماعة. كان ظهور الرجل مفاجئا للبعض، فقد كنا نعتقد أنه توفى منذ سنوات طويلة، أدى هلال مهمته ثم اختفى مرة أخرى، حيث عاد إلى المنصورة التى ظل فيها طوال عمره يدير مكتب المحاماة الذى كان يملكه ويسخره تماما لقضايا جماعة الإخوان المسلمين مكونا من وراء ذلك ثروة طائلة تركها لأبنائه من بعده، لكنه عاد للظهور مرة أخرى فى مارس 2006، وكان ظهوره أكثر صخبا. فى 20 مارس 2006 نشرت جريدة «المصرى اليوم» حوارا مطولا مع محمد هلال، تحدث فيه عن علاقة عبدالناصر بالإخوان، وعاب فى الرجل بما لا يليق ولا يتناسب مع قامته وقدره الوطنى، وعدت الجريدة أن يكون هناك جزء ثانٍ من الحوار، لكنه لم ينشر أبدا. اجتهدت المواقع الإخوانية وقتها فى الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية ضغطت على إدارة التحرير ب«المصرى اليوم» لمنع الجزء الثانى من الحوار، لأن هلال كان قد صرح بأن جهاز أمن الدولة يتنصت على مكتب الإرشاد من خلال أجهزة تجسس قام عملاؤه بزرعها، ولذلك فهو يعرف دبة النمل ربما قبل أن تقع داخل الجماعة. لكن الحقيقة أن المنع لم يكن لهذا السبب فقط، فقد تطرق هلال إلى علاقة مبارك بالإخوان، وقال إنه كان منهم خلال دراسته بالثانوية، لكنه بعد أن اتجه إلى الدراسة العسكرية انفصل عنهم، وحتى يؤكد كلامه، أكد أن مبارك نفسه هو الذى قال ذلك عندما كان يلتقى عمر التلمسانى المرشد الثالث للجماعة، حيث كان هو المسؤول بصفته نائبا للسادات عن ملف التعامل مع الإخوان، بعد الصفقة التى عقدها السادات مع التلمسانى، والتى بمقتضاها خرجوا من السجون وعادوا لوظائفهم مرة أخرى، فى مقابل أن يساعدوا السادات فى مواجهة معارضيه من الناصريين واليساريين والشيوعيين. لم يتحدث عمر التلمسانى كثيرا عما دار بينه وبين مبارك، لكنه فى مذكراته التى نشرتها إحدى الصحف العربية فى العام 1984 أشار إلى مقابلاته مع نائب الرئيس حسنى مبارك، يقول: طلب منا السيد عثمان أحمد عثمان وقد كان وزيرا للإسكان أن تلقاه مجموعة منا، فذهبت مع الدكتور أحمد الملط والحاج حسنى عبدالباقى والأستاذ صالح أبو رقيق، وقابلناه فرأى أنه من الخير أن نقدم للسادات وجهة نظرنا فى الإصلاح فى تسع صفحات فلوسكاب حملها إليه عثمان. يكمل التلمسانى: ثم كانت لى مقابلات مع السيد محمد حسنى مبارك، وكان نائبا لرئيس الجمهورية فى ذلك الحين، لقيته فى منزله بمصر الجديدة منفردا مرارا، ومعى الأستاذ مصطفى مشهور مرات أخرى، لبعض استفسارات عن بعض ما جاء بتلك الصفحات التسع، ثم انتهى الأمر إلى صمت مطبق. لم يكشف التلمسانى عما دار فى هذه اللقاءات، ولم يتحدث عن رأيه فى مبارك، ولا ماذا قال له نائب الرئيس، لكن هلال أشار إلى أن مبارك أشار إلى إخوانيته المبكرة، وربما كان هذا لأنه أراد أن يؤلف قلب الرجل الذى ذهب إليه بصفقة يتقرب بها إلى السادات. طوال ما يقرب من خمسة وعشرين عاما من حكمه لم يذكر مبارك الإخوان فى حديث علنى إلا مرتين. الأولى: كانت فى بدايات حكمه، ورواها لى عصام العريان فى حديث مطول أجريته معه فى مكتبه بمستوصف العمرانية الذى كان يباشر منه علاج المواطنين وحشدهم لصالح أعمال جماعته. كان ذلك فى العام 1989، محافظة الجيزة تحتفل بعيدها القومى، دعا المحافظ وقتها عمر عبدالآخر الرئيس ليحتفل مع شعب المحافظة بهذه المناسبة، وفى قاعة الاحتفال كان يوجد عدد من أعضاء مجلس الشعب عن المحافظة، وكان من بينهم عدد من الإخوان على رأسهم المستشار مأمون الهضيبى والدكتور عصام العريان، وقف الهضيبى يرحب بالرئيس وتحدث معه وعنه بكلام طيب، وإذا بالرئيس مبارك يقول لمن حوله: الله ما الإخوان بيتكلموا كويس أهه. كلمة مبارك منحت الإخوان أملا فى إمكانية التواصل المباشر معه، فهو يسمع عن الإخوان كلاما سيئا، وهو ما يجعله يبعد عنهم ولا يقربهم منه، لكن إذا استمع مبارك لهم مباشرة فحتما سيغير رأيه، وربما يكون هذا الموقف هو الذى دفع الإخوان لأن يقولوا دائما: اسمع منا ولا تسمع عنا. المرة الثانية التى تحدث فيها مبارك عن الإخوان كانت فى العام 2005، وقتها تخلى الإخوان عن مهادنتهم للنظام، ففى 5 مايو 2005 بالتحديد دعا الإخوان إلى مظاهرات حاشدة فى محافظات مصر ليطالبوا مبارك بالإصلاح، وكانت نتيجة الصدام بينهم وبين النظام أن تم القبض على 400 إخوانى ينتمون إلى 6 محافظات، ادعى مهدى عاكف وقتها أن عدد معتقلى الجماعة تجاوز 1500 إخوانى. لكن لماذا فعلها الإخوان؟ لماذا شقوا عصا الطاعة عن مبارك وخرجوا عليه؟ كان لذلك سببان لا ثالث لهما. الأول: لأن جماعة كفاية التى خرجت للنور مطالبة ب«لا للتمديد ولا للتوريث» قد دعت قبلها بأسبوع واحد إلى مظاهرات ضد نظام مبارك، وخرجت أعداد كبيرة فى 13 محافظة، فأدركت الإخوان أن القوى المدنية تسحب البساط من تحت قدميها، وأن أسطورة قدرتها وحدها على الحشد تنهار تماما، فسارعت بدفع شبابها إلى التظاهر من باب إثبات الوجود. السبب الثانى كان الأهم: ففى هذا الوقت كان الإخوان يتواصلون مع الأمريكان الذين اقتنعوا مبكرا أن الجماعة يمكن أن تكون بديلا لنظام مبارك، فمدوا معها ولها حبال الود... وكانت الجماعة تعرف أن نظام مبارك يتعرض لضغوط هائلة من الأمريكان من أجل إجراء إصلاحات سياسية حقيقية فى بنية النظام، وأن التظاهر ضد مبارك لن يقابل بعنف شديد خوفا من الأمريكان الذين دخلوا العراق فى 2003، وأعلن بوش أنه سيبدأ حربا طويلة ضد كل الديكتاتوريات فى المنطقة العربية. فى حديث عام وبشكل معلن أشار مبارك إلى جماعة الإخوان بالاسم، قال إنه يعرف ماذا يفعلون ولديه تقارير عن لقاءاتهم بالأمريكان، بل إنه يعرف حتى الهمس الذى يدور بينهم فى الغرف المغلقة. كان تصريح مبارك وقتها نقلة فى أدائه وطريقة تفكيره وممارسته للسلطة، فالمعروف عن مبارك أنه كان يتجاهل المعارضة تماما، لا يذكرها ولا يشير إليها وكأنها غير موجودة من الأساس، وكان يغضب بشدة عندما يذكر أحد أمامه اسم معارض، وهو ما حدث بعد أزمة أيمن نور فى العام 2005 - دخل السجن على خلفية تزويره لتوكيلات حزب الغد. وقتها كان الصحفى الكويتى الشهير أحمد الجار الله يجرى معه حوارا، وسأله بشكل عابر عن أيمن نور، فثار مبارك فى وجهه، وهدد بعدم إكمال الحوار، ولولا المكانة التى يحتلها الجار الله لدى مبارك لكان أنهى الحوار بالفعل، لكنه لم يفعل. كان مبارك يعرف الإخوان المسلمين جيدا، كان يعرف قياداتهم بالاسم، لكنه كان يتجاهلهم تماما، ولم يذكرهم فى 2005، إلا لأنه كان يعرف أن الجماعة أنهت عصرا امتد لأكثر من خمسة وعشرين عاما من التعاون مع مبارك ونظامه، وبدأت فى التخطيط للاستيلاء على الحكم بإشارة خضراء من الأمريكان. لقد قابل مبارك عمر التلمسانى عدة مرات وهو نائب، لكن، وبعد أن عفا عنه ضمن معتقلى عصر السادات ال1536 الذين دخلوا السجون فى سبتمبر 1981، لم يقابله فى قصر الرئاسة - كان من قابلوا مبارك ثلاثين معتقلا فقط على رأسهم هيكل وفؤاد سراج الدين - ويبدو أنه أخذ قرارا بعدم دخول الإخوان مرة أخرى إلى القصر، وهو ما حدث فعلا، فلم يدخلوه إلا بعد أن قامت ثورة 25 يناير، حيث جلس محمد مرسى وسعد الكتاتنى على مائدة واحدة مع عمر سليمان نائب الرئيس فى حوار لم يسفر عن شىء للخروج من مأزق نظام مبارك الأخير. قرر مبارك أن يجعل الإخوان المسلمين مجرد أداة من أدوات حكمه، منحهم حرية العمل والتصرف، وحظر عليهم أن يقتربوا من القصر... ولأنهم لا عهد لهم فقد حاولوا ذلك عدة مرات، قابلهم بعنف فدخلوا السجون ووقفوا أمام المحاكم العسكرية وخسروا كثيرا من أموالهم، لكنهم سرعان ما كانوا يخرجون، ليعاودوا العمل من جديد، وليواصلوا جمع الثروات تحت ظلال مبارك من جديد أيضا. كان ملف الإخوان المسلمين فى نهايات عصر السادات من بين اختصاصات مؤسسة الرئاسة، لكن مبارك نقل الملف إلى الجهات الأمنية، كان جهاز أمن الدولة هو العصا الغليظة التى طاردتهم فى كل مكان لإحكام السيطرة عليهم، ولم يكن بعيدا عن العمل جهاز المخابرات العامة وتحديدا فى الفترة التى رأسه فيها عمر سليمان، ولأن للمخابرات الحربية تقاطعات عديدة مع ملف الإخوان فلم تكن بعيدة عما يجرى. حتى المجلس العسكرى كان له نصيب خلال حكم مبارك فى التعامل مع الإخوان، فقد كان من مهام قائد المنطقة العسكرية المركزية أن يوقع على الأحكام العسكرية التى تصدر ضد قيادات الجماعة، وكان آخر من فعلها اللواء حسن الروينى الذى صدق على أحكام بالسجن فى حق خيرت الشاطر وحسن مالك وخمسة عشر إخوانيا كانوا حصاد آخر القضايا العسكرية فى عصر مبارك، وهى القضية المعروفة إعلاميا بميليشيات الأزهر... ثم أصبح ملعب التقارب والصفقات واسعا للغاية بين الإخوان والمجلس العسكرى عقب ثورة يناير مباشرة وحتى ثورة 30 يونيو التى أبعدت مرسى عن قصر الاتحادية، وأخرجت الإخوان من الحياة السياسية. عبر ساحة ومساحة هذه الحلقات التى يمكن أن تمتد قليلا... سنعرف بعضا مما جرى بين قيادات الإخوان ورجال مبارك... كانوا شركاء فى الحكم وشركاء فى المصير، فالثورة خلعتهم والسجن يجمعهم، أما نحن فنكتفى طول الوقت بالرصد والمشاهدة والمتابعة... والشماتة إذا لزم الأمر، فليس أكثر درامية من أن ترى عروش الآلهة تتهاوى أمامك... لن نبدأ الحكاية من أولها، ولكن سنتحدث من النقطة الأخيرة... فهذا أجدى وأوقع. ما الذى يفعله اللواء رأفت شحاتة مدير المخابرات العامة السابق الآن؟ الرجل ومنذ 5 يوليو 2013 وهو يعمل رسميًا مستشارًا للرئيس عدلى منصور للشؤون السياسية، أى أنه واحد من مجموعة مستشارين يعملون إلى جوار «منصور»، لكن اللافت للانتباه أن مستشارى الرئيس «على عوض للشؤون الدستورية، وأحمد المسلمانى للإعلام، ومصطفى حجازى للشؤون الإستراتيجية، وكمال الجنزورى للشؤون الاقتصادية» يظهرون ويجتمعون به فى مناسبات مختلفة، ويصرحون للإعلام، ويجتهدون فى التأكيد على أنهم يعملون، إلا أن رأفت شحاتة- وعلى ما يبدو- قرر أن يدخل فى حالة من الصمت التام والكامل، لا أحد يسمع له صوتًا أو يعرف عنه شيئًا. كان التفسير الأول والوحيد لإخراج رأفت شحاتة من منصبه كمدير لجهاز المخابرات العامة بعد يومين فقط من عزل محمد مرسى، أنه ليس رجل المرحلة الجديدة، وأنه حتمًا يميل إلى جماعة الإخوان المسلمين ورئيسها، لكن هذا التفسير ذاب فى حالة الصخب الهائلة التى أعقبت ثورة 30 يونيو. لكننى أعتقد أن فتح هذا الباب مرة أخرى سيكون ضروريًا فى سياق حديثنا عن الصفقات والتفاهمات واللقاءات بين الإخوان المسلمين وقيادات الأجهزة الأمنية السيادية منذ عصر «مبارك» وحتى الآن، فلم يكن بعيدًا ما ذهب إليه البعض من أن خروج «شحاتة» من جهاز المخابرات - لم يقض به إلا عشرة أشهر فقط - كان بسبب الإخوان المسلمين، وأنه كان ضحية من ضحايا النظام الفاشل. كان اللواء «شحاتة» واحدًا من أبناء الجهاز، بدأ حياته العملية فيه، وكان هو تقريبًا أول مدير للجهاز من بين أبنائه، حيث كان يأتيه رؤساؤه من خارجه، وكانت بدايات معرفة المصريين به من خلال صورة عابرة تم نشرها على هامش تسليم الجندى الإسرائيلى شاليط، واستبدال ألف معتقل فلسطينى به.. كان «شحاتة» يقف ممسكًا بذراع شاليط قبل تسليمه عبر الحدود مع غزة، يرتدى نظارة سوداء وبنطلون جينز، لفت الانتباه إليه بشدة، وكان السؤال عن هذا الرجل دون غيره ممن تواجدوا إلى جواره فى الصورة هو المسيطر على أحاديث من تابعوا واقعة التسليم التى كانت واحدة من إنجازات جهاز المخابرات العامة. كانت الإجابة سريعة، فقد تم الكشف عن أن صاحب الصورة هو اللواء محمد رأفت شحاتة، نائب مدير جهاز المخابرات العامة، والمهندس الأول والوحيد لصفقة مبادلة شاليط بألف أسير فلسطينى. وقد نجح فى مهمته بشكل كبير لأنه يرتبط بعلاقات جيدة مع جميع الفصائل الفلسطينية، وتحديدًا فتح وحماس، كما أن سمعته لدى رجال المخابرات الإسرائيلية جيدة، وهو ما مكنه من النجاح فى مفاوضاته بين الطرفين. تمت صفقة شاليط تحت رعاية وإشراف من مدير المخابرات المصرية وقتها اللواء مراد موافى، وكان ذلك فى أكتوبر 2011، ولم تمر سوى عشرة أشهر حتى كانت هناك صورة أخرى بطلها رأفت شحاتة.. تخلى عن نظارته السوداء والملابس الكاجوال، حيث وقف مرتديًا بدلة كاملة ليؤدى اليمين الدستورية أمام محمد مرسى رئيسًا للمخابرات العامة المصرية. كان المشهد غريبًا، فرأفت شحاتة يقسم أمام محمد مرسى وهو يضع يده على المصحف الشريف، ويقسم على الولاء الكامل لرئيس الجمهورية. وقتها تم الهجوم بشدة على إدخال المصحف فى القسم من ناحية- بدأ القسم ب«أقسم بالله العظيم وبكتابه هذا»- ومن ناحية ثانية أن نص القسم ورد فيه: «وأن يكون ولائى كاملًا لرئيس الجمهورية..»، وقيل إن هذه أول مرة يتم استخدام المصحف فى القسم، وأن محمد مرسى تعمد ذلك حتى يضفى على الأمر مسحة إسلامية، البعض تساءل: هل لو تم اختيار مدير مسيحى لجهاز المخابرات هل سيسمح له بالقسم على الإنجيل؟! واقع الأمر أن قسم مدير المخابرات على المصحف أمام الرئيس لم يكن جديدًا بالمرة، ولكن كانت هذه هى أول مرة يرى فيها المصريون مدير المخابرات وهو يؤدى القسم أمام الرئيس، وهو الأمر الذى كان يتم فى سرية تامة، ودون أن يطلع عليه أحد، ثم إن القسم يتم بالولاء الكامل لرئيس الجمهورية، لكن جرت موجة من التشكيك على خلفية مخاوف الرأى العام المصرى من أخونة الجماعة لكل شىء، وقد التقط الإخوان الخيط وقتها، وخرج أمين الجماعة الدكتور محمود حسين ليشير إلى أن الجماعة لو كانت تريد أخونة المخابرات لجاءت برئيس للجهاز من الجماعة- لا تلتفت إلى ما قاله حسين، فالجماعة التى لم تكن تملك من يصلح لإدارة إشارة مرور من أين لها بأحد أعضائها ليدير جهاز المخابرات- لكن هذا لم يحدث، واجتهد مستشار «مرسى» القانونى وقتها، المستشار محمد فؤاد جاب الله، وقال إن القسم العلنى من مدير المخابرات ليس سوى تأكيد على الشفافية التى يريد أن يعمل بها النظام المصرى الجديد، بصرف النظر بالطبع عن أن الشفافية لم تكن مناسبة تمامًا لجهاز حساس مثل المخابرات العامة. توقف الجدل تمامًا حول محمد رأفت شحاتة، ولم يقترب أحد منه ليظل تعيينه وخروجه من جهاز المخابرات من بين أسرار الحياة السياسية المصرية. لم يكن اختيار «مرسى» ل«شحاتة» بسبب كفاءته فقط- التى لم يستطع أحد أن يشكك فيها- ولكن لأن قيادات جماعة حماس القريبة من جماعة الإخوان أثنت عليه، بل يمكن أن نقول إنها رشحته لمحمد مرسى ليخلف مراد موافى، فقادة حماس يعرفونه ويثقون فيه، وتعاملوا معه قبل ذلك فى أكثر من ملف حيث أثبت كفاءة وقدرة على الإنجاز. قبِلَ «مرسى» ترشيح وثناء حماس على رأفت شحاتة، فعينه فى المنصب، ربما دون أن يعود إلى قيادات المخابرات العامة ليستطلع رأيهم فى مدير الجهاز الجديد، خاصة أن «مرسى» لم تكن له أى خبرة بعمل الأجهزة الأمنية السيادية. لم تهدأ الأرض تحت قدمى رأفت شحاتة فى جهاز المخابرات منذ اللحظة الأولى له فى المنصب، فقد كان دخوله إليه مديرًا بداية لمشاكل كثيرة، كانت أقلها فى تظاهر العشرات من العاملين بالجهاز أمام المبنى الرئيسى بكوبرى القبة، مرددين هتافات تنادى بعودة مراد موافى رئيسًا للجهاز، وكان لدى المتظاهرين مطلب واحد هو مقابلة محمد مرسى للتشاور حول عودة «موافى»، وتم التهديد بأنه فى حالة عدم استجابة الرئيس لهذا المطلب فسيقوم المتظاهرون بالدخول فى اعتصام سلمى أمام الجهاز. كان الخبر مفزعًا لمن يدركون خطورة وحساسية العمل فى جهاز المخابرات.. صحيح أن من قاموا بالمظاهرات كانوا عشرات من بين الموظفين المدنيين فى الجهاز، فلم يشارك أحد من ضباط الجهاز أو قياداته فى المظاهرة لمعرفتهم بخطورة وحساسية الدور الذى يقومون به، لكن أن يأتى اسم جهاز المخابرات فى جملة مفيدة مع تظاهر أو اعتصام أو إضراب، فهو أمر مزعج بلا شك. التخوف الأساسى الذى أبداه بعض قيادات الجهاز كان أن يخرج عشرات آخرون ممن يؤيدون تعيين رأفت شحاتة مديرًا للجهاز ليطالبوا ببقائه، فى مواجهة من يطالبون برحيله، بما يخلق حالة من الفتنة والشقاق بين أفراد الجهاز الذين لم يكن أحد يعرف عنهم شيئًا من الأساس. فى 5 سبتمبر 2012 جرى لقاء بين وفد من رئاسة الجمهورية وعدد من قيادات جهاز المخابرات العامة، لمناقشة مسألة تعيين مدير للجهاز خلفًا لمراد موافى، فحتى هذا الوقت كان رأفت شحاتة قائمًا بأعمال مدير الجهاز فقط.. كانت الرسالة التى حملها وفد الرئاسة لقيادات المخابرات أنه لا سبيل على الإطلاق لعودة «موافى» لرئاسة الجهاز مرة أخرى. كانت الرئاسة تعرف أن الطريقة التى خرج بها مراد موافى من منصبه مهينة جدًا، وأن قيادات الجهاز غضبوا من هذه الطريقة واحتجوا عليها، لكن «مرسى» رأى أن «شحاتة» هو الرجل المناسب له - وتحديدًا بعد تزكية حماس له - ولذلك لم يتراجع عن قراره، بل أصر على أن يكون «شحاتة» هو رئيس الجهاز. بدأ «شحاتة» عمله بعد أن أقسم على الولاء الكامل لرئيس الجمهورية، لكنه رأى أن هناك مقاومة من بعض القيادات لما يريده الرئيس الجديد، وعلى الفور رفع تقريرًا لمحمد مرسى عن هؤلاء الضباط - كان عددهم على وجه التقريب 13 ضابطًا - وعن عدم تعاونهم معه «لم يستبعد أن يكون هؤلاء الضباط وراء تظاهر العشرات ضده احتجاجًا على تعيينه مديرًا للجهاز». كانت تعليمات محمد مرسى لرأفت شحاتة هى أن يقوم فورًا بإعادة هيكلة جهاز المخابرات.. لم يتوقف الأمر لدى «مرسى» عند إصدار الأوامر فقط، بل قرر أن يساعد فى خلخلة الجهاز من الداخل، حتى يسهل على «شحاتة» مهمته. وهنا يمكن أن نعيد قراءة بعض الأحداث التى وقعت دون أن يكون لها تفسير واضح أو محدد وقتها. كان «مرسى» قد شارك فى حفل إفطار بجهاز المخابرات، وبعد رمضان زار الجهاز مرة أخرى، وعقد اجتماعًا مطولًا مع قياداته، وهدف من ذلك كله إلى التأكيد على أنه يدعم رئيس الجهاز الجديد، ربما لعلمه أن أحدًا لا يرحب باختياراته. بدأ «مرسى» فى تنفيذ خطته.. فى مارس 2013 كان أبوالعلا ماضى، رئيس حزب الوسط، الحليف الجديد لجماعة الإخوان، يتحدث فى الصالون الثقافى الشهرى للحزب، ودون مناسبة وبعيدًا عن سياق حديثه، قال إن الرئيس «مرسى» أبلغه بأن جهاز المخابرات العامة كوّن تنظيمًا يضم 300 ألف بلطجى، منهم 80 ألفًا فى القاهرة وحدها، وأن المخابرات العامة سلمت التنظيم إلى جهاز أمن الدولة الذى سلمه إلى المباحث الجنائية، وأن هذا التنظيم هو الذى ينزل إلى الشوارع باستمرار، وهو الذى ظهر فى الاشتباكات التى دارت بمحيط قصر الاتحادية، وكان بحوزتهم الأسلحة البيضاء والنارية، وأن من يقوم بتحريكهم معروف، وأن حجم الأخطار ضخم جدًا. كان أبوالعلا ماضى صادق تمامًا فى أن «مرسى» هو الذى أخبره بذلك، رغم أن المتحدث الرسمى باسم الرئاسة عاد بعد ذلك ليشكك فى الرواية عندما أجاب من سألوه عن حقيقة ما قاله «ماضى» بقوله: «اسألوا من قال»، فى إشارة إلى أن «ماضى» هو المسؤول وحده عما قاله، ولا علاقة ل«مرسى» بالأمر من قريب أو بعيد. لم يفطن «أبوالعلا» إلى أن «مرسى» يورطه، يتعامل معه كمجرد ورقة، فإذا مرت التصريحات بسلام كان الأمر خيرًا كله، وإن تم الاعتراض عليها يتجاهل الرئيس الأمر، وكأنه لا علاقة له على الإطلاق، وهو ما حدث، فقد أثار ما قاله «أبوالعلا» عاصفة من الغضب أجبرت حزبه أن يدلس علينا من جديد ببيان رسمى أشار إلى أن رئيسه كان يقصد أداء جهاز المخابرات أيام «مبارك»، دون أن يدرك أن قيادات الجهاز الحاليين كانوا هم أنفسهم قيادات الجهاز أيام «مبارك»، ثم إنه تحدث عن تنظيم المخابرات الذى تواجد فى أحداث «الاتحادية» التى جرت فى عهد «مرسى».. وهو ما يعنى بوضوح مقصد «أبوالعلا» ومن ورائه «مرسى» إلى اتهام قيادات الجهاز بالفساد السياسى، تمهيدًا لتطهير الجهاز، وإبعاد من يعارضون توجهات الرئيس بنفس الطريقة التى تم اعتمادها مع وزارة الداخلية، وجهاز أمن الدولة تحديدًا. قبل واقعة أبوالعلا ماضى بشهور، وفى نوفمبر 2012، جرت واقعة أخرى لم تكن لها وقتها دلالة واضحة، فقد أعلن محمد البلتاجى أنه تم القبض على عقيد بالمخابرات المصرية، هو أحمد محمد كامل حسين الديب، ويحمل رقم 3390 بالجهاز، واتهمه بأنه كان يقوم بتوزيع أموال على المتظاهرين فى إحدى المظاهرات بمدينة الإسكندرية لحرق مقرات الإخوان.. «البلتاجى» واصل اتهاماته ل«الديب» عندما قال إن كل الاشتباكات التى وقعت فى الإسكندرية كانت بتحريض مباشر منه، وإنه عند القبض عليه كان يحمل 2 طبنجة وبندقية خرطوش فى سيارته. «البلتاجى» لم يتوقف عند كلامه بأن الإخوان أمسكوا به فى الإسكندرية، بل قام بتصعيد الأمر، متهمًا أجهزة أمنية فى الدولة - قاصدًا المخابرات تحديدًا - بالعمل ضد الرئيس المنتخب. لم يكن محمد البلتاجى الذى كان يتحدث فى أحد البرامج الفضائية حاضرًا الواقعة التى ادعى أنه تم فيها ضبط ضابط المخابرات، لكنه كان يستند إلى معلومات حصل عليها، ونشرتها الجماعة على مواقعها، مشيرة إلى أن مجموعة من شباب الجماعة ألقوا القبض على عقيد المخابرات وضبطوا سيارته التى كانت بها أسلحة، والتقطوا لها صورًا تؤيد ما يقولونه، وزادت الجماعة على الأمر بأن نشرت خبرًا يفيد بسجن ضابط المخابرات، وهو ما نفته النيابة، ونفته وزارة الداخلية كذلك. فى كلام أحد المصادر الأمنية بمديرية أمن الإسكندرية ما يكشف حقيقة ما جرى.. لقد نفى المصدر الأمنى الاتهامات التى وجهها «البلتاجى» إلى العقيد أحمد حسين الديب، فهو لم يشارك فى المظاهرات، ولم يوزع أموالًا على المتظاهرين لإحراق مقرات الإخوان الإدارية فى الإسكندرية، وأن البندقية التى كانت بحوزة الضابط مرخصة من نادى الصيد، حيث يمارس هواية ضرب النار فى النادى.. ولم ينه المصدر الأمنى كلامه إلا بعد أن أكد أنه تم نقل الضابط إلى مستشفى مصطفى كامل. لقد تعقبت مجموعة من الإخوان المسلمين ضابط المخابرات، وهى تعرف شخصيته جيدًا، وقامت بالاعتداء عليه للدرجة التى استدعت أن يتم نقله إلى المستشفى، وذلك قبل أن تعلن الجماعة أنه كان يحمل السلاح ويحرّض على حرق مقرات الإخوان، وذلك حتى تمنح الرئيس مبرر المطالبة بإعادة هيكلة جهاز المخابرات، ودعم مدير الجهاز فى ذلك، بما يتيح له أن يستبعد تنظيم ال13 الذى كان لا يرضى عن سياسات محمد مرسى، ولا يقبل بما يقوم به تحديدًا داخل الأجهزة الأمنية السيادية. لا يمكن أن ألوم على رأفت شحاتة لما فعله، فقد أقسم على الولاء الكامل لرئيس الجمهورية، وكان يتصرف من منطلق أن الجهاز لابد أن يعمل من أجل تنفيذ سياسات وتوجهات الرئيس الجديد. لكن المفاجأة أن هناك من يشير إلى أن محمد رأفت شحاتة لم يكن متعاونًا على الإطلاق مع الرئيس الإخوانى، وأنه بعد تحرش أبوالعلا ماضى بالجهاز من خلال تسريبه واقعة تنظيم البلطجية التى أخبره بها «مرسى»، تلقى رأفت شحاتة مكالمة من الفريق «السيسى»، وزير الدفاع، أخبره فيها بأنه لن يسمح لأحد بأن يتدخل فى عمل جهاز المخابرات العامة، وأن «شحاتة» رفض تمامًا أن ينقل بعض الملفات التى يعمل عليها الجهاز- وتحديدًا ملفات حماس والقضية الفلسطينية- إلى الرئاسة، رغم أن «مرسى» طلب ذلك منه أكثر من مرة، فقد كان يخشى أن تقع هذه الملفات فى يد جماعات خارجية، فى إشارة واضحة إلى التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين. لقد انحاز مصطفى بكرى فى كتابه الأخير والمميز «سقوط الإخوان» إلى أن رأفت شحاتة كان واحدًا ممن دعموا ثورة يونيو، ومن وقفوا ضد مخطط محمد مرسى وجماعته لأخونة الدولة، رغم أن بعضًا من المواقف التى أوردها عن رأفت شحاتة تزيد اللبس من حوله. يروى «بكرى» أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى طلب من اللواء رأفت شحاتة، مدير المخابرات العامة، أن يجرى اتصالًا بالرئيس «مرسى»، وأن يبلغه بأن الجيش يغلى، وأن الغضب وصل إلى مرحلة كبيرة، وحذر «شحاتة» «مرسى» قائلًا له: إن الوضع فى مصر يستحق إجراءات عاجلة لتهدئة الشارع الغاضب، وقال له: أنت وحدك الذى ستدفع الثمن، ونحن لا نريد مصر مثل السودان تتعرض للعقوبات، وتكون النهاية إحالتك لمحكمة الجنايات الدولية، شأنك شأن الرئيس البشير. وطلب «شحاتة» من الرئيس أن يعد خطابًا جديدًا للشعب، يؤكد فيه أنه برغم حرصه على الشرعية فإن حرصه على الدم أكبر بكثير من أى طموحات سياسية، وأن يؤكد أنه لن يقبل أن يذكر اسمه فى التاريخ مقترنًا بأى فتنة تشهدها البلاد تؤدى إلى اقتتال أبناء الوطن الواحد، وأنه إذا كانت السياسة ستؤدى إلى الفتنة فلتذهب إلى الجحيم، وأنه مستعد للوصول إلى حل جاد وحقيقى ينهى الأزمة فى البلاد. لقد استمع الرئيس مرسى - كما يقول بكرى - إلى نصيحة اللواء رأفت شحاتة، فكانت إجابته كالمعتاد: «طيب هنشوف»، وساعتها أدرك «شحاتة» أن «مرسى» مصمم على العناد، وأنه يرفض أى نصيحة توجه إليه، ومن ثم التزم الصمت بعد ذلك حتى اليوم الأخير فى حكم «مرسى». أغلب الظن أن عبدالفتاح السيسى طلب من رأفت شحاتة الحديث مع محمد مرسى فى أيام حكمه الأخيرة، لأنه كان يعرف أن «مرسى» يثق فى «شحاتة» أكثر من الآخرين، وأنه يمكن أن يستمع إليه، وهو ما يؤيد ما ذهبنا إليه من أن «شحاتة» كان على وفاق مع محمد مرسى، ولم يختلف معه أبدًا، وإلا لما تم إخراجه من جهاز المخابرات بهذه السرعة، وتجميده فى منصب مستشار الرئيس المؤقت للشؤون الأمنية. لقد كان لدى جماعة الإخوان المسلمين رغبة ملحة فى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية السيادية طبقًا لما يحقق مصالحها، ويمكنها من فرض سيطرتها الكاملة على كل مفاصل الدولة.. نجحت «الجماعة» إلى حد ما مع جهاز الأمن الوطنى الذى حل بديلًا لجهاز أمن الدولة، وتم ضبط المتعاونين داخل الجهاز مع «الجماعة»، وتم إخراجهم والتحقيق مع عدد منهم، لكنها لم تستطع الاقتراب من المخابرات الحربية التى كانت ولا تزال عصية على الاختراق لأسباب تتعلق بتركيبتها، وتكوين القائمين عليها وطنيًا وعسكريًا ونفسيًا. كانت «الجماعة» تعرف أن جهاز المخابرات الحربية هو المرحلة الأخيرة التى ستحشد لها جهودها بعد أن تسيطر على الأمن الوطنى والمخابرات العامة، لكن المفاجأة أن المخابرات الحربية التى تقدمت عدة خطوات على المخابرات العامة منذ ثورة يناير 2011 كانت تظهر فى الوقت المناسب لتفسد مخططات الإخوان للسيطرة وفرض النفوذ على مفاصل الدولة الحيوية. لم يكن ما فعله محمد مرسى مع رأفت شحاتة إلا صفقة حاولت جماعة الإخوان من خلالها أن تضع الجهاز فى جيبها، بعد أن ظلت طويلًا مبعدة ومطاردة، لكنها الآن وقد وصلت إلى السلطة فلا مانع من أن تتحكم فى كل شىء طبقًا لعقيدتها ومصالحها، حتى لو كانت هذه المصالح تتعارض مع مصلحة الوطن العليا.. لكن هذه الصفقة بارت تماما ولم يُكتب لها النجاح.. وبهذا تكون هذه هى الصفقة الأخيرة التى كان فشلها من بين أسباب انهيار جماعة الإخوان، وخروج رئيسها من السلطة غير مأسوف عليه، هذا الذى لم يصدق أنه أصبح رئيسًا فواصل سياسته فى العمل فى الخفاء، وعقد الصفقات والكيد للمختلفين معه لإقصائهم وإبعادهم عبر المؤامرات التى لم تكن فى النهاية إلا محاولات ساذجة من هواة فى عالم السياسة، غسل الوطن يديه منهم إلى الأبد.