لا يزرع الفلاح بذور الطماطم فى أرضه ويجمع الجزر وقت الحصاد! وبالتالى من المستحيل أن يكون هذا الحصاد الذى نحن فيه المملوء بالدم والكراهية بين أفراد المجتمع منبعه زرع المحبة من قبل! وعندما تم رفع أعلام القاعدة السوداء فى مليونيات تيارات الإسلام السياسى، كان لابد أن ننتبه أن الحصاد لا يمكن أن يعبر عن التسامح والمحبة التى تميز بها ديننا الإسلامى الحنيف، وعندما ذهبنا جميعًا لنضع ورقة تصب فى صالحهم ونحن نعتقد أننا ننصر شريعة الله وكأن نصرة الإسلام ورقة فى صندوق تاجروا بها وباعوا واشتروا وقبل أن يتم إقصاء مرسى باع لنا الشرعية، والجهاد فى سبيله على منصة رابعة واشترينا نحن كراهية المجتمع بمن فيه من أقارب وأصدقاء ودماء، علموا أنها ستبذل من أجل كرسى أجوف سبق وأن تخلى عنه الحسن بن على من أجل حقن دماء المسلمين وكان هو الأقوى فى الصراع، لكن من ارتدوا قميص عثمان لم يأتوا على الأمة إلا بالدم!، كان لابد أن نعى أن الحصاد من ذلك لا يمكن أن يعبر عن السلام الذى تحتويه الشريعة التى نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ونسينا أن السلوك والقدوة وليس تحفيز الغضب على الكافرين بزعمهم ممن يدينون بالإسلام هو ما ينصر الشريعة! كان يجب أن ندرك أن من تورطوا بدماء المصريين سابقا فى الثمانينيات والتسعينيات وخرجوا من سجونهم لم يستوعبوا الدرس ولم يتوبوا إلى الله وعقولهم لا تزال مغموسة بحب تكفير الناس، فعلى مسامع مرسى نفسه كانت الدعوة أن يكسر شوكة المنافقين والكافرين فى 30 يونيو والمعنى واضح بأنها حرب مقدسة والرئيس -الذى لم يستوعب الملايين التى نزلت فى ربوع مصر- اعتقد فيما يبدو بأن منصبه مقدس وأن الخروج على الحاكم حرام متناسيًا سلفه مبارك والعقيدة التى تكلم بها الدعاة كثيرًا؛ حرمت الخروج على الحاكم ما لم يأت بكفر صريح وهم أجمعوا على أن مبارك ليس بكافر ورغم ذلك خرجوا عليه من باب خلفى لا يذكر للشريعة فيها حكم إلا وأن أفتاهم أكبر علمائهم بأنه يجوز قتاله لا الخروج عليه فقط! إن ما يجرى على الساحة الآن يجعلنا فى حالة إعياء عن إدراك الحقيقة وما نراه من دماء وقنابل مسيلة للدموع وخرطوش وانفجارات واقتتال أهلى وبينهم وبين الشرطة والجيش يجعلنا فى خيارات صعبة واللحظة التاريخية تقول إنه لكى تكون معهم وتؤمن بقضيتهم لابد أن تعادى الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والأزهر والكنيسة وأغلب فئات المجتمع ومن أجل ذلك أزاحوا رئيسهم الذى كان على وشك تخليص المجتمع من منظومة الفساد التى غمرته ابتداء بمؤسساته ونهاية بعامل سكين الكهرباء الذى يتقاضى 20 جنيهًا من أجل ذلك بحسب ما ذكره الرئيس مرسى بنفسه! ولكى تكون رجلاً يقف مع الحق والعدل عليك أن ترفع أصابعك الأربعة فى وجه المجتمع الذى حرض وفوض ووافق على فض اعتصام رابعة حتى تشعره بالندم والذنب الذى سيلحق به يوم القيامة جراء ما سقط من قتلى وما سفك من دم وتنزل فى مظاهرات وتقطع الطرق وتثير الفوضى وترهب البلاد والعباد حتى توصل لهم رسالة مهمة بأنه لا أمن ولا استقرار فى غياب الشرعية المسقطة شعبيًا وأن ثمن شرعية الرئيس هو آخر قطرة دم من المؤيدين والمعارضين ورجال الشرطة والجيش وإما أكون حاكمًا أو لا تعيشون فى سلام! إن الثمن الفادح ندفعه جميعًا مؤيدين للثورة ومعارضين، والدولة فى خطر حقيقى فعلى الرغم من تماسكها النسبى فالبناء الاجتماعى للمجتمع يهتز بشدة ولا نغتر بأن غالبية المجتمع تقف صفًا واحدًا وراء الجيش وخارطة الطريق إلا أنه على المستقبل القريب سنكتشف بأننا وطن قطعت أرحامه وأصبح بينه وبين بعضه دم وإن اندثر فالأجيال القادمة ستحمل الكراهية لبعضها البعض ولو عن طريق الجينات البيولوجية !ونصبح أمة متشددة على عكس ما نعرف به بأننا نحب الاعتدال ونرفض التشدد والمعركة انتقلت من اختلاف الرأى إلى معركة أخلاقية وأدواتها الاتهام والتخوين وصولا للعراك والسباب وأخيرًا القتل! إن الحفاظ على الوطن هو اختيار وحيد والحفاظ على مؤسساته من جيش حمى الوطن فى لحظات صعبة وشرطة وقضاء وإعلام وأزهر وكنيسة هو أمر خارج عن كل الحلول التى يمكن أن تساهم فى حل الوضع القائم لأنك لا تستطيع تقسيم البيت بأن يأخذ كل طرف عمود منه لكى يخلعه ويرحل لأنه ساعتها سيسقط البيت علينا جميعًا لكن علينا أولاً أن نستبصر بما نحن فيه وأن نتوقف قليلاً وأن نسكت الغضب والكره بداخلنا. أوقفوا البرامج السياسة فى كل القنوات واستبدلوها بأحاديث القلب بديلاً عن أحاديث الدم وتعالوا ننظر سويًا إلى مائدة طعامنا التى ستخلو من الطعام قريبًا وسنقف أنا وأنت عاجزين عن إطعام صغارنا فلا الشرعية ستنفعنا ولا الفعل الثورى سيقودنا للشبع وإنما العمل فقط هو الذى سيمكننا من سد الأفواه التى ستسبنا إن لم نطعمها! تعالوا نتفق أنه من وجهة تاريخية، لا يجوز لنا أن يتخذ بعضنا بعضًا عدوا وإنما نحن معًا نواجه عدوًا تاريخًا سيستغل شقاقنا كى يتمكن من الفتك أول ما يفتك بصغارنا ونسائنا وما نصنعه أنا وأنت سيجعله يدخل إلينا بلا مقاومة! إن لم نفعل سنشترى الندم بأغلى سعر حيث لا يكون بعد الندم سوى الخجل والموت!!