لم يشكل خبر وفاة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم أمس صدمة للأدباء المصريين فحسب، ولكنه أيضاً كان فاجعة للمبدعين العرب، والذين أكدوا أن نجم منا وبيننا، وبموته يزداد شعورنا بالتيه والاغتراب، وذلك لكونه نحت مع الشيخ إمام ذائقتنا الفنية والسياسية، وصدح بشعره فى مختلف الدول التى احتضنته فكانت بمثابة بيته الثانى. الروائى السورى عدنان فرزات، قال فى تصريحات خاصة ل"اليوم السابع"، جاء أحمد فؤاد نجم إلى دمشق فى الثمانينيات، قال يومها، إن السادات يطارد المثقفين، وكان معه الكاتب الراحل الدكتور يوسف إدريس، فكان لى حظوة اللقاء به، والاستماع إلى سخريته من الحياة ومن نفسه أيضاً. وأشار "فرزات" إلى أن كثيرا من الشعراء عندما يهاجرون إلى بلد آخر، فإنهم يمتدحون زعيم البلد، وإن كان ديكتاتوراً يشابه الزعيم الذى فروا من بطشه، وذلك بغرض التملق لتوفير حياة مرفهة، لكن نجم لم يفعلها، وظل كبيراً بعفويته. وظل يحكى لنا عن عبد الناصر وعزة بلبع والشبخ إمام، وتحولت طاولة نجم فى مقهى فندق الشام إلى مركز ثقافى مصرى فى وسط دمشق. وقال الموسيقار العراقى الكبير نصير شمة، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى الشهير "فيس بوك"، عمنّا الشاعر أحمد فؤاد نجم، المشاكس الأطيب، المحب للحياة، للناس، للأمة، للفقر والفقراء، الصديق الحميم لكل حميم، ابن البلد المثقف، البسيط، الذى تأتيه الفكرة من مكان غير مأهول لغيره، سفير الفقراء، يرحل تاركاً أحلامه دون أن تكتمل. وأضاف "شمة" أحبَ العالم العربى مثل حبه لمصر، وأحبَ مصر كما لم يحبها أحد ويراها على جمال لم تعرفه عين أحد، كنا معاً من أجل سوريا وشعبها العظيم كانت ليلتنا الافتتاح، وكنا أتينا متبرعين لشعب يحتاج إلى تكاتف كل قلب محب، كنتُ أسمعه وكان يسمعنى نتبادل المقاعد فى المسرح والصالة. ظل يحب المرأة، ويحب الحب، ويحب الجمال، يحب الموسيقى، يقول كّل ما يؤمن به من دون تردد مهما جاءت العواقب، ولكن من يزعل من العم نجم. احترم الجميع صموده على الحق وسيفه الشفاف القاطع، كنا نستمع ليلاً فى بهو الفندق لأصوات جميلة لشباب وشابات من الدول العربية، كان رأيه دقيقا كأنه موسيقى محترف وتعبيراته موسيقية علميه وموجزة، لا يتكلم بحس الإنسان البسيط بل بلهجة الإنسان البسيط، وبمهنية العالم. وتابع "شمة" كان يود السهر ليلتها لكن جسمه وتعب السجون أنهكه ومن دون رغبته انسحب، وبالرغم من وجود أكثر من عشرين شخصا مهما، شعرت أن الجلسة انتهت بمغادرته، لا ينسى موهبةً حقيقةً حتى لو غابت عنه لسنين طويلة، يظل يبشر بكل حالة فنية جديدة أو حقيقية لآخر لقاء بيننا، كان يذكر نوارته بعاطفة كبيرة، يفاخر بها كما لا يُفاخر بنفسه، عمنا نجم عم الأحلام وعم الحرية والإنسانية، عم الحياة التى تحلم بالكرامة وتحلق فى سماء بلا قضبان، عمنا الذى رحل، استضافته السموات، واستضفناه فى قلوبنا انتقته السماء لنفسها.. عمنا نجم.. هكذا سنظل ننظرك نجما مضيئا.. كلما أتى الليل سننظرك .. فانظرنا فى رقادك الهادئ. رسالتك معنا وستبقى. وقال الروائى والشاعر السودانى طارق الطيب، أحمد فؤاد نجم معنا وبيننا، لن أقول خسارة، ولن أشعر بحزن بائس فى رحيل أحمد فؤاد نجم، فما قدمه فى تاريخه الطويل هو أكثر من مكسب سيظل باقيا مشعا مثلما هو أحمد فؤاد نجم حتى بعد غياب جسده، ما أضافه لى ولكثيرين من وعى السخط على الاستبداد فى كل أشكاله، ليس السياسى فقط بل الاجتماعى أيضا، يجعلنى أشعر بارتياح أن جزءاً من تكوينى وسخريتى ينبع أيضا من هجاء نجم المميز. وأضاف الطيب ما زلت أضحك وأسخر من غباء العالم كلما سمعت صوته واستعدت أسواط كلامه. علينا أن نعيد الاستماع والقراءة لصوت شكّل الضمير الجمعى المناهض والرافض لكل أحوال البؤس والنكد فى عالمنا العربى السياسى الهش، المتظاهر بقوة وهمية - يمارسها بلا سيادة بل بسادية - على أبنائه وبناته بلوثة عقلية متزايدة. وقال الشاعر التونسى، كمال العيادى، إن موت الشاعر الكبير وأستاذنا جميعا، المناضل ليس مصيبة فقط إنه كارثة حقيقيّة وبلاء عظيم، كونه وعلى غير عادته، لم يختر الوقت المناسب لترك مكانة فى حراسة مملكة الشعر كجندى مناضل فى مملكة الإبداع المتين البسيط العميق غير المغشوش ولا المرشوش منه، وكان يعلم علم اليقين، رحمه الله ورحمنا معه، بأنّه سيترك الساحة للتُبَّع من جنود المتشاعرين وعبدة اليقين والحسم العثنونى بالمدية أو الحسام. أما الشاعرة التونيسية شيماء عيسى، فقالت إن موت "نجم" يزيد شعورنا بالاغتراب والتيه عمقا، لأنه شئنا أم أبينا نحت نجم مع الشيخ إمام ذائقتنا الفنية ومرجعيتنا السياسية، فهو أيقونة خالدة لن تذبل أبدا لانحيازه منذ البداية للحق والفضيلة، هو سفير الفقراء وجيفارا العرب، استطاع بأشعاره أن يلفت نظر العالم إلى الفيئات الفقيرة والمستضعفة. وأضافت: فبالنسبة لى أحمد فؤاد نجم سيبقى صوتا قويا عاليا وصادقا يحرس حتى ولو من بعيد الرغيف على مائدة الجياع ويربى العشق فى أحضان العاشقين سيبقى دائما حارس الثورة الأمين.