وصفها مارك أنطونيو، بقطب المغناطيس الذى يجذب إليه الفلاسفة والشعراء والأدباء والفنانين، ويبدو أنه كان محقاً، فرائحة هوائها مفعمة بالإبداع، وفيها كتب الراحل الكبير، نجيب محفوظ أجمل وأهم رواياته، وهى المأوى الذى كثيرا ما التجأ إليه راحل كبير آخر، وهو أسامة أنور عكاشة، كى يثمر أدبا وإبداعا وفنا رفيعا. إنها رائحة اليود المبدعة.. ربما، أو ذاك البحر الذى يقول عنه عم أحمد فؤاد نجم «وفتحتِ ع البحر حضن مصرى ..»ربما، أو هو التراث التاريخى لحضارات مرت واستقرت وأورقت ثمار إبداع سكندرى خالص.. ربما.. لكن أيا ما تكون المسببات، تبقى الإسكندرية عروسا يطوف حولها عشاقها، وتظل «مركز الحضارة والثقافة والنور للعالم ».. كما وصفها عميد الأدب العربى ، طه حسين. «أجدع ناس.. ع البحر ماشية تتمخطر.. من سيدى بشر لأبوالعباس.. أيوه يا عالم ع المنظر ».. هكذا يغازلها صلاح جاهين شعراً، ولم لا، وهى خميلة الشعراء والحكماء كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقى. مدينة تخترع الفن، ويمتلك سكانها ذائقة مرهفة، فإذا أراد منتج أن يختبر مطرباً جديداً، يقيم له حفلاً بالإسكندرية، فإذا استمع له الجمهور، ولم يقذفه «بالبيض والطماطم ».. عرف أنه «سيكسر الدنيا » بالقاهرة. جدرانها متاحف مفتوحة، عليها جداريات من الفسيفساء الملونة، أبدعتها أنامل تعشقها.. سكانها يفتحون صدورهم للغرباء، ومعهم مازال يعيش: يونانيون تمصروا أو بالأحرى «تسكندروا »، وأرمن وإيطاليون رفضوا مغادرتها بعد خروج الاستعمار الإنجليزى، ولا شىء يغضبهم أكثر من أن يناد بمفردة «يا خواجة »، كما يعيش أيضاً صعايدة وفلاحون ونوبيون، ذابت الفوارق الثقافية بينهم، وبفعل لمستها السحرية، حتى إذا سألت واحداً منهم عن سر حبه للإسكندرية، سرعان ما يجيبك: أيوه يا جدع.. بنحبوها من قلبنا وبس. هى مدينة حبها مد لا يعرف جذراً، يشم زائروها نسائم التاريخ، وتدوس أقدامهم مواضع قدمى الإسكندر، الذى قال عنها: هى المجد الذى حلمت به، مجد للتاريخ والخلود، ويسمعون فى هدير موجها وهمسات نسيمها صوت كيلوباترا الجميلة، إذ تقول: الإسكندرية ترنيمة الزمان، ومعشوقة التاريخ، لا أدرى ما إذا كنت أسكنها، أو كانت تنام بين خلاياى. لعروس اغتسلت منذ آلاف السنين بمياه البحر، واستحمت بالضوء كل صباح.. «الصباح » تقدم هذا الملحق، ضمن سلسلة ملاحقها التى تعدها لمحافظات مصر، فما من مدينة على أرض طِيبة الطيبة الجميلة، إلا وهى فى قلوبنا. ملحق يغوص فى أعماق أمواجها، يتحدى «نوّات » الفساد، ويبحر مع هموم الصيادين إلى أعالى الحقيقة، ويدخل مناطقها النائية، فيصطاد هموم البسطاء، ويتمشى على كورنيشها ليلاً، ويمازح عابرى الطريق.. ملحق رشيق خاص نقدمه بكل حب لمدينة الحب.