هنالك أجيال للحروب مرت بها البشرية جرى حصرها فى أربعة أجيال، الجيل الأول: ويتمثل فى الحرب التقليدية بين دولتين لجيشين نظاميين فى مواجهة مباشرة فى بقعة جغرافية محددة تسمى أرض المعركة، وينتهى الجيل الأول ببداية الجيل الثانى، وقد بدأ الجيل الثانى باستخدام الجيشين النظاميين للنيران والدبابات والطائرات وهو ما حدث فى الحرب العالمية الأولى على يد الجيش الفرنسى، وينتهى هذا الجيل ببداية الجيل الثالث وهو جيل الحرب الوقائية أو الحرب الإستباقية، أى مهاجمة العدو المحتمل، وهى تتميز بالمناورة والمرونة والسرعة فى الحركة واستخدم عنصر المفاجأة والعمل خلف خطوط العدو، وقد استخدم على يد الألمان فى الحرب العالمية الثانية، وينتهى هذا الجيل ببداية الجيل الرابع " Fourth-Generation Warfare " أو " GW4 " وهى حرب أمريكية صرفه طورها الجيش الأمريكى بعد أحداث 11 سبتمبر حيث وجد نفسه فى مواجهة اللادولة أى فى مواجهة تنظيمات محترفة ومنتشرة حول العالم، ذات خلايا خفية تنشط لضرب مصالح الدول الأخرى الحيوية لمحاولة إضعافها امام الرأى العام الداخلى بحجة إرغامها على الانسحاب من التدخل فى مناطق نفوذها. وهو جيل "الحرب اللا متماثلة" التى تعتمد مبدأ اللامركزية بين عناصر الدول المتحارَبة من قِبل دول أخرى ونهاية الجيل لا تعنى موته أو انعدامه، وإنما تعنى تجاوزه إلى غيره بالبناء عليه، وقد أطلق المتحدث العسكري، أحمد محمد على، اصطلاح الجيل الرابع للحروب على الحرب التى تتعرض لها مصر خلال تعقيب القوات المسلحة على أحداث "الحرس الجمهوري" دون أن يبين المقصود من هذا الإصطلاح، ومن هنا يأتى السؤال: هل تتعرض مصر للجيل الرابع من الحروب فعلاً؟، وقبل أن نجيب على هذا السؤال نقول أن استراتيجية أمريكا فى تدمير الدول وتفكيكها وبالتالى خضوعها لم تعد تعتمد على الحروب التقليدية لكلفتها العالية وإنما تعتمد على مجاميع من المعارضة المدعومة بالمرتزقة التى تتحرك ميدانيًا على الأرض، إلى جانب المتلاعبين بالعقول من صناع الرأى العام فى وسائل الإعلام والإعلام الموازى، وكذا مصادر لتمويل هذه العناصر، وتتسم هذه الحرب بالدقة فى توزيع الأدوار بين عناصر الطابور الخامس، فستجد من يدعو إلى العنف، ومن ينفذه، ومن يبرر له، ومن يدعى الحياد منه إلى حين ثم ينحاز له، وسنجد من يتظاهر ومن يعتصم بقصد تعطيل مصالح الجماهير وتعكير صفو حياتهم ودفعهم دفعاً إلى الضجر والسخط من الأوضاع، وستجد النخب الفكرية التى تصطنع العقلانية والمثالية وتجرك إلى نوع من الجدل البيزنطى فى الجزئيات والهوامش وسفاسف الأمور حتى يبتعد ذهنك عن الجوهر بهدف التشتيت وتفريق الإجماع على قضية جوهرية وإعطاء الغطاء الشرعى لبقية عناصر الطابور المشكل للمعارضة، وكل ذلك يفضى فى النهاية إلى نشر الفوضى فى البلاد وفقدان الثقة المتبادلة بين المواطن والسلطة القائمة، وجر قوات الجيش والشرطة إلى الدخول فى الحرب اللامتماثلة بقصد إنهاكها فى مواجهة تنظيمات ذات خلايا خفية تنشط لضرب المصالح الحيوية فى البلاد بخلاف إيقاع اكبر عدد ممكن من القتلى يجرى استغلاله إعلاميًا، وبث الرعب فى نفوس المواطنين وإشعارهم الدائم بعجز الدولة عن توفير الأمن لهم وهو ما يفضى إلى تسرب الإحساس بقرب سقوط الدولة وتفككها ،لأن المواطن يجد نفسه بين خيارين كلاهما مر، الأول خيار عودة الدولة الباطشة بتاريخها القمعى السىء، والثانى خيار الجماعات المتطرفة العنيفة التى لا تؤمن بالحرية أو الديموقراطية، وينشط المحللون الداعمون لهذه الحرب ليصدروا التشكيك فى مصداقية كل شىء خالقين بذلك منطقة رمادية ينطلق منها الداعون إلى الطريق الثالث، وهو الفريق الرافض للنظام الحاكم وللمعارضة، وهذا الطريق الثالث هو الفوضى بعينها التى تؤدى إلى إفشال الدولة وتفتيتها وخروج مناطق جغرافية عليها لضعفها، ومن ثم يجرى تقسيمها. فهل تواجه مصر الجيل الرابع من الحروب حقاً؟.