أزعجته صور ضحايا عبارة السلام 98 وذهول أهاليهم، وباتت هذه الصور تؤرق نومه، ففكر وقرر ثم ابتكر، كما علمه والده الذى كان يعمل مهندساً فى إحدى الدول الخليجية «ألا يستسلم لما يعكر صفوه». وأضرم بعض ساسة إسرائيل نيران الغضب فيه، عندما هددوا بضرب السد العالى لتغرق مصر فى بحيرة كبيرة من جنوبها إلى شمالها، فقرر أن يصبح «مبتكراً». تخرج فى كلية العلوم جامعة القاهرة, وحصل على عدة براءات اختراع، ثم توجه إلى الحكومة ليحصل على وظيفة فأغلق الباب فى وجهه, آثر على نفسه الحرج وكسر الخاطر بعدما كان يتمنى أن يجد الرعاية لموهبته من جانب بعض المسئولين، لكن لم يحن عليه سوى أحد أساتذته الذى ساعده فى الحصول على منحة دراسية فى جامعته فى مجال الفلك وعلوم الفضاء. هو أحد شباب المخترعين المصريين «محمد منير عبد السلام» 33 سنة متزوج، ويرى أن توتر الأعصاب والاندفاعية التى تميز الكثير من الشعب المصرى تعطل روح الابتكار، «محمد» مستاء إلى حد كبير من التعليم الذى تحول إلى سلعة تباع وتشترى بعد أن كان رسالة سامية يعد لها عدتها, ويقول: إن الوضع لا يختلف كثيراً فى الجامعة عن المدرسة، فقد غاب الدور التفاعلى للتعليم وبقى الحفظ والتلقين هما السمة الأساسية فى التعليم فى مصر. «محمد» أراد بجانب مجموعة من الشباب المخترعين أن ينشئ «جمعية تكاملية ما بين الباحث والمخترع» لجمع أكبر عدد من ابتكارات الشباب المصرى وجعلها فى حيز التنفيذ وتسويقها لتعميم الفائدة, فاصطدموا بالروتين والإجراءات المعقدة، وأُجهِضت الفكرة فى مهدها. «أنا مستاء لما يحدث فى مصر بخصوص البحث العلمى وغياب استراتيجية واضحة معلومة لهذا المجال الذى يرسم خريطة مستقبل الدول والشعوب» بهذه الكلمات عبر «محمد» عن حزنه لما يحدث لشباب المبتكرين والمخترعين المصريين بعد الواقعة التى تعرض لها الدكتور «مجدى يعقوب» فى مطار القاهرة عندما جلب إلى البلاد أحد الأجهزة العلمية الحديثة كهدية لمصر فاحتجزتها سلطات الجمارك بالمطار, وعالم مصرى آخر لم يعره أحد المسئولين سمعاً ولا بصراً، عندما اكتشف نوعية من البكتيريا التى تنقى مياه الصرف الصحى تماماً، وتجعلها صالحة للشرب فى غضون 3 دقائق، قرر بعدها الهجرة من مصر الأسبوع الماضى. يقول «محمد»: إن إجراءات التسجيل الداخلى للاختراع فى مصر تستغرق فى كثير من الأحيان عدة سنوات، لكن التسجيل الخارجى للابتكار لا يستغرق سوى أشهر قليلة. ومن أهم الابتكارات التى حصل «محمد» بمقتضاها على براءات اختراع «البالونات الذكية»، وهى وسيلة لإنقاذ ركاب السفن والغواصات عند وقوع الخطر، أيضاً «البديل الطارئ لسدود الأنهار»، وهى عبارة عن منظومة تعمل على إنشاء مانع طبيعى من الجليد يمنع فيضان المياه عند إنهيار السدود، بالإضافة إلى «التفريغ الحرارى للسيارات»، بجانب «إطارات ذاتية الخدمة»، وهى تعمل على تنبيه سائق السيارة بضغط الإطار، يقول «محمد»: ما يميز الشعب المصرى هو سرعة التكيف على الأوضاع الجديدة، وخلق بدائل بدلاً من الوقوف على المشكلة، وهذه هى أهم مفردات الابتكار، لكنه لا يجد البيئة المناسبة التى تشجعه على حسن توظيف هذه الموهبة، فالابتكار فى نظر «محمد» مثل الفن، والمبتكر فنان.