وزير التعليم العالي يفتتح استوديو جامعة بورسعيد بتكلفة 21 مليون جنيه.. صور    انطلاق الامتحانات العملية لطلاب برنامج الصيدلة الاكلينيكية بجامعة القاهرة الأهلية    ارتفاع سعر الجنيه الذهب اليوم الجمعة 26 ديسمبر.. آخر تحديث    نشاط مدبولي في أسبوع.. تفقد مطار القاهرة ومتابعة مشروعات «حياة كريمة»    عبدالعاطي يتلقى اتصالات هاتفية من وزراء خارجية 3 دول حول التطورات في القرن الإفريقي    تصعيد جوي إسرائيلي متواصل.. غارات تمتد من جنوب لبنان إلى الهرمل    دي لا فوينتي أفضل مدرب في العالم لعام 2025 .. والركراكي سابعا    ب 10 لاعبين.. منتخب مصر يهزم جنوب أفريقيا ويتأهل رسميا لدور ثمن نهائي أمم أفريقيا 2025    اللجنة الطبية العليا والاستغاثات تؤمّن ماراثون زايد الخيري بمنظومة متكاملة واستجابة فورية للطوارئ    مؤتمر جوارديولا: انتصرنا في 7 مباريات متتالية لكننا لسنا في وضع جيد    إصابة 6 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بالإسكندرية    15 ألف جنيه مخالفة تلويث الطريق العام.. العقوبات والغرامات في قانون المرور الجديد    الحكم على رمضان صبحي ومها الصغير والمتهمين بسرقة أسورة أثرية.. أبرز محاكمات الأسبوع المقبل    بالصور.. كواليس مسلسل «تحت الحصار» بطولة منة شلبي | رمضان 2026    ياسر ثابت: تحييد أوكرانيا والعلاقة مع الناتو أبرز عقد التسوية المحتملة للحرب    وزارة العدل الأمريكية تكشف عن أكثر من مليون وثيقة مرتبطة بقضية جيفري إبستين وتأجيل الإفراج الكامل يثير جدلاً    محافظة سوهاج: جاهزية 550 مقر انتخابي و586 لجنة فرعية لإجراء انتخابات الإعادة لمجلس النواب ديسمبر 2025    قطع الكهرباء والمياه 5 ساعات في مطاي بسبب الصيانة    قرار وزاري بتحديد الأعمال التي يجوز فيها تشغيل العامل 10 ساعات يوميا    الداخلية تنفي ادعاءات مرشحة بالجيزة    ضبط مناديَي سيارات لارتكابهما أعمال بلطجة بساحة انتظار بالجيزة    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    أكتب لكم عن عبد اللطيف المحيسن: الأسمر صاحب القلب الأبيض فارس من الأحساء يمنح الحياة مذاقًا حلوًا رغم الصعاب    الصحة تطلق قافلة طبية بدمياط الجديدة وتقدم خدمات مجانية لأكثر من 1400 مواطن    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد بتكلفة مليار جنيه    رسميا.. أحمد سامي مديرا فنيا لمودرن سبورت    وزارة الداخلية: ضبط عنصر جنائي بالجيزة تخصص في تزوير الشهادات الجامعية وترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي    محافظ الجيزة: انطلاق 36 قافلة طبية علاجية بالمراكز والمدن بدءًا من 2 يناير    عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    ننشر حصاد وزارة الإسكان خلال أسبوع| فيديو جراف    مراسل القاهرة الإخبارية: تفجير مسجد الإمام سبب ذعر المصلين أثناء صلاة الجمعة    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية في سلاح السيف    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    الصورة الأولى للفنان محمود حميدة بعد مغادرته المستشفى    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    موعد مباراة المغرب ومالي في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    باكستر: جنوب إفريقيا فرصتها أكبر في الفوز على مصر.. ونجحت في إيقاف صلاح بهذه الطريقة    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    وزيرا الإنتاج الحربي وقطاع الأعمال يبحثان تعزيز التعاون لتعظيم الاستفادة من القدرات الصناعية الوطنية    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيين وتغلق بوابات لعرقلة المرور    الكومي: صلاح أنقذ مصر أمام زيمبابوي.. وهدفنا صدارة المجموعة    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر وروسيا وأمريكا من المنظور الحضارى والثقافى" 2-2 "
نشر في اليوم السابع يوم 29 - 11 - 2013

نتيجة للعوامل الثلاثة التى أشرنا إليها فى المقال السابق ترتكب السياسة الأمريكية أخطاء فادحة فى تضييع الفرص، والتخلى عن الأصدقاء والبطء فى إدراك الواقع السياسى الحقيقى، ولهذه السذاجة ركزت عندما انهار الاتحاد السوفيتى على بوريس يلتسين وكان مدمنا للخمر وضرب الدوما( البرلمان) الروسى بالمدافع.
كما ركزت عندما انهارت القوة العربية على عناصر عربية أو عراقية أو إيرانية أو ذات أصول أوروبية، ولعلنى أذكر شخصيتين لعبتا دوراً مهماً فى القرار الاستخباراتى والسياسى الأمريكى، هما البروفسور برنارد لويس المستشرق والخبير ذو النزعة الاستعمارية فى شئون الشرق الأوسط، وكذلك البروفسور والى نصر Vali Nasser الأستاذ الأمريكى المتخصص فى الاستخبارات وهو من أصول إيرانية، وكثيرون من أمثالهما.
هذا المنطق الأمريكى ينظر فقط للعالم على أنه أبيض أو اسود، معى أو مع عدوى، كما ذكر جون فوستر دالاس، مدير الاستخبارات فى الولايات المتحدة فى الخمسينات، وكما ذكر جورج دبليو بوش الرئيس السابق إما أن تكون معى أو تكون عدوى.
باختصار إن السياسة الأمريكية لا تعرف ألوان الطيف السياسى نتيجة الاعتبارات التى أشرت إليها، ولهذا استعدت وتخلت عن الرئيس المصرى حسنى مبارك رغم انه كان حليفا لها طول 30 عاما، كما عادت غيره دون الدخول فى ذكر أسماء قادة عرب أو حتى أوروبيين، يكفى فضيحة التجسس الأمريكية على حلفائها ليس فقط فى الشرق الأوسط وإنما فى أوروبا وآسيا.
السياسة الروسية أكثر ذكاء فهى تعيش الفكر الاستراتيجى، وكذلك السياسة الصينية تعيش فلسفة التغيير والنفس الطويل، لهذا فالولايات المتحدة تستقبل الدالاى لاما وتعادى الصين، وتقدم أسلحة لتايون وتعادى الصين، وتحتضن السياسة الأمريكية الإخوان المسلمين الذين حولت بعضهم إلى عملاء وتعادى الشعب المصرى بل والشعب العربى كله وهكذا.
الشعب الأمريكى شعب عظيم رفيع الخلق صاحب همة عالية، ولكن السياسة الأمريكية أسيرة الاعتبارات الثلاثة السابقة ترتكب الأخطاء الجسام رغم ما لديها من مراكز أبحاث وأجهزة استخبارات كثيرة ومتنوعة، ولكن من يقدم لها نصيحة مخلصة لا تروق لها فتعتبره عدوا لها.
ولهذا فإننى لا أستبعد قيام الولايات المتحدة بقطع باقى المعونة عن مصر وهذا من وجهة نظرى سيكون فيه فائدة مزدوجة الأولى للشعب المصرى لكى يعتمد على نفسه وعلى أصدقائه الحقيقيين وعلى أشقائه العرب الذين بادروا لمساعدتها وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والمساندة الأدبية من مملكة البحرين والثانية فائدة للدب الروسى وربما التنين الصينى وان كان الأخير أكثرت تحفظا فى حركته، لأن الصين احتفظت بحضارتها، ولم تتجه للخارج والتعرف على العالم الحقيقى المتنوع الأطياف،غير مهتمة أحيانا أن السياسة الدولية تحتاج لقرار سريع فى لحظات معينة، ولهذا فإننى أدعو الصين لأن تبادر لإثبات صداقتها الحقيقية لمصر، التى كان زعيمها جمال عبد الناصر أول من اعترف بالصين متحدياً الولايات المتحدة آنذاك وأقام معها علاقات دبلوماسية قبل غيره من الدول العربية والأفريقية.
وروسيا كسياسة وكقيادة وخاصة شخصية مثل فلاديمير بوتين ابن الشيوعية والاستخبارات، فهو أكثر إقداما وجرأة فى انتهاز الفرص التى تتاح له لقلب الطاولة على خصومه، وتحقيق المكاسب لدولته، خذ على سبيل المثال موقفه فى سوريا أو فى أفغانستان أو آسيا الوسطى أو فى أوروبا أو مع إيران أو الهند أو غيرها. انه يدرك الأبعاد المتعددة للسياسة والأوجه المتنوعة للثقافة، ويربط بين هذه الأبعاد. وبين سرعة الحركة والتغيير لدى بوتين بشكل أفضل من كثير من قادة الدول الأخرى، ولهذا فان أوروبا أصبحت أسيرة الطاقة المستوردة من روسيا، كذلك الصين تحولت لعلاقة إستراتيجية مع روسيا، رغم ما حدث من خلافات قديمة.
السؤال إلى أين تتجه مصر؟ وأقول إن مصر لن تصبح خاضعة لروسيا أو أمريكا وإنما تعطى مصالحها الوطنية الأولوية، ثم يليها المصالح القومية العربية، لارتباط الأمن المصرى عضويا بالأمن القومى العربى، وفى مقدمته الأمن الخليجى، ولن تصبح أمريكية أو روسية، إذا إن مصر حفيدة حضارة عريقة منذ الفراعنة، وتعتز بحضارتها واستقلالها وترفض الخضوع لأية دولة، إنها تتصادق وأحيانا تتحالف مع روسيا، كما فى مرحلة عبد الناصر، أو مع أمريكا كما فى مرحلة السادات، ولكنها تسعى للحفاظ على استقلالية قرارها خاصة عندما عندما يمس مبادئها وأمنها الوطنى أو القومى العربى.
إنها مصر المعتدلة المتوسطية ذات البعد الحضارى، وذات المكانة الإستراتيجية وهذه نصيحتى كباحث مصرى متخصص فى دراسة الأبعاد الحضارية للسياسة سواء فى مصر أو الصين أو غيرها.
وقد أصدرت كتابى المعنون " دبلوماسية الحوار الدولي" من مؤسسة الأهرام عام 2003، وتناولت فيها مفهوم الحوار السياسى والدبلوماسى مع مختلف التكتلات والقوى الدولية، ومن بينها روسيا والصين والولايات المتحدة وإسرائيل وإيران والهند وباكستان وأوربا وغيرها. إن الدبلوماسية المصرية قادرة على اتخاذ القرار المناسب الذى يتماشى مع مصالحها، ولعلنا نذكر ثعلب الدبلوماسية المصرية الدكتور محمود فوزى وبعده الدكتور عصمت عبد المجيد وعمرو موسى وغيرهم كثيرون.
إن مصر هى محور السياسة العربية والإسلامية، فالأزهر الذى أقامه الفاطميون تحول ليكون مركزاً إسلاميا معتدلاً يجمع المسلمين من مختلف المذاهب والطوائف فهو يقر التعبد على المذاهب الإسلامية بما فى ذلك الجعفرية الاثنى عشرية ولهذا أصبح ركيزة للثقافة الإسلامية والعربية، دون الانحياز لمذهب دينى وكذلك السياسة المصرية والثقافة المصرية، لقد كان من أكبر الأخطاء للإخوان المسلمين أنهم تصوروا أن مصر عزبة لهم، وحقا قال بابا الأقباط الراحل شنودة "إن مصر بلد يعيش فينا"، وليست بلداً نعيش فيه، وقال البابا الحالى تواضروس، "انه لا يهتم بتدمير بعض الكنائس، فالمبانى يمكن إصلاحها وإعادة بنائها، ولكن يهتم حماية الأرواح المصرية الغالية، بغض النظر عن انتمائها الدينى، ولهذا كان الوفاق المصرى كاملا بين شيخ الأزهر وبابا الكنيسة المرقسية، كما هو بين الهلال والصليب منذ ثورة 1919م، بل منذ فتح عمرو بن العاص مصر، وستبقى رغم المحن. أين هذا القول الكنسى من ذلك الزعيم الاخوانى الذى لا يعرف قيمة مصر وشعبها وقال بعنجهية "طظ فى مصر" أو ذلك الذى قال "ما لم أصبح حاكما على مصر فسوف أشعلها نارا" أو ذاك الذى قال أعيدوا لنا الرئيس مرسى يتوقف العنف فى سيناء فى لحظة واحدة.
إن تحليل الوضع الواقعى استنادا للتاريخ الحضارى المصرى يوضح أن مصر ترتبط عضويا من حيث الثقافة والسياسة بقوى خمس هى: الشعب والجيش والأزهر والكنيسة والبيروقراطية المصرية.
الشعب المصرى فرعونى التراث، عربى اللغة، متوسطى الثقافة، إسلامى الدين، والجيش المصرى منذ ثورة 1881 فى العصر الحديث، وهو يلتحم بالشعب ويعبر عنه ضد المحتلين وضد الطغاة من الحكام، أما الأزهر والكنيسة فهما فى تلاحم رغم اختلاف الدين.فالدين لله وللوطن وللجميع. وهكذا عاشت مصر الفرعونية ومصر الإسلامية العربية، ومصر الحديثة، إن تغير السياسة المصرية الخارجية الآن ليس سوى تغيير توجه سياسى، وليس تغيير هوية.فالهوية المصرية ترتبط بما أسماه العالم الجغرافى المصرى المشهور جمال حمدان فى كتابه الموسوعى شخصية مصر المتغلغلة فى جذورها الجيو استراتيجية والثقافية، وما أطلقت عليه فى احد مؤلفاتى المشتركة مع الدكتور مجدى المتولى بعنوان "هوية مصر" وهى هوية فريدة فى نوعها لا تستطيع دولة ما أن تسيطر عليها سواء كصديقة أو حليفة.
هى كما قال جمال عبدالناصر " نصادق من يصادقنا، ونعادى من يعادينا". ونحن لا ننشد عداء احد من الجيران، أو الأشقاء أو أية دولة، ولكننا نحرص على الحفاظ على هويتنا وترابنا الوطنى وأمننا العربى، وبعدنا الحضارى العميق فى إفريقيا، ارتباطا بنهر النيل العظيم الذى هو جزء لا يتجزأ من هذه الحضارة العريقة، ولذلك لن نخذل أو نتخلى عن أخواتنا فى القارة الأفريقية، فمصر عرفناها فى القديم تنتمى للجنس الحامى فى أفريقيا السمراء، كما أنها فى حضارتها الإسلامية أصبحت تمتزج بالجنس السامى العربى.
إن هذا المزيج المصرى الفريد، هو ما ينبغى على كل مصرى وكل صاحب قرار فى العالم أن يأخذه فى الحسبان، وعلى الولايات المتحدة أن تعيد النظر فى منهج تعاملاتها مع مصر، كشعب وكحضارة ،وكقوات مسلحة، هذا هو المدخل الصحيح لتعامل أية دولة مع مصر المعاصرة أو مصر المستقبل.
* باحث فى الشؤون الإستراتيجية الدولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.