أن تتحدث مع سيدة صينية مُتخصصة فى اللغة العربية لهى تجربة ثرية بِحق!.. ليس فقط لِمُحاولة فِهم نظرة الآخرين إليك، لكن لأن أيضاً الصين وروسيا أصبحت لهُما مكانة فى نُفوس المَصريين، خاصةً أن هاتين الدولتين تقفان الآن فى وجه أقوى دولة فى العالم وهى الولايات المُتحدة الأمريكية، ليس فقط فيما يتعلق بِمَصر، لكن أيضاً فيما يتعلق بِسوريا واحتمالات ضربة عسكرية قادمة مُوجهة إليها.. أضف إلى هذا أن الحِوار مع ''د. جانغ خونغ إى''- عضو البرلمان الصينى وعميد كُلية اللغة العربية فى جامعة الدِراسات الدولية بِ ''بِكين'' - مُمتع، تخللتُه الضحكات والتطرُق إلى العديد مِن المَحاور وكان مفاجئا لنا أن نستمع منها لمعلومة أن الدولة الصينية حدت من بعثات المسلمين الصينيين للدول الإسلامية ومنها مصر بعد أن لاحظت تناقضات وخلافات دينية عليهم! ∎باعتبارك تُدرسين اللغة العربية، فكان لكِ رأى عن الاختلاف الفلسفى بين اللغتين العربية والصينية مِن مُنطلق التِكرار العَربى، فهل يُمكنكِ شرحُه؟
- هذا موضوع يحتاج لِساعاتٍ لكى أشرحه، صعب أن يحدُث هذا فى حِوارٍ صحفى، وذلك لأن اللغتين العربية والصينية أصعب لغتين فى العالم أجمع، كما أنهُما ليستا اللغتين الدارجتين فى النِظام العالمى- كاللغة الإنجليزية مثلاً- فاللغة العربية ذات أصلٍ قديم ''السامية'' وكذلك اللغة الصينية ذات أصلٍ قديم ''التِبتية''، فاللغة الصينية القديمة ترجع إلى ما قبل ثلاثة آلاف عام، أما اللغة العربية فهى مأخوذة مِن المصرية القديمة والآرامية وغيرها وترجع لآلاف السنين، بِالتالى كلتا اللغتين العربية والصينية لهُما ثقل، فوراء كُل كلمة قِصة ما، وتحتاج كلتا اللغتين لِدراساتٍ مُتعمقة فيهِما، فقد يفهم طالب كلمة بِشكلٍ سطحى، لكن لا يفهم الكلمة بِمعناها التاريخى والحضارى، وهذا ما يشعُر بِه الطُلاب العرب والصينيون.. وإن كُنا نُريد فرقاً بين اللغتين، فسنجد مثلاً أن اللغة العربية تعتمد على النُطقأكثر مِن الكِتابة، أى كما تقولون أنتُم ''لِسان العرب''، فالعرب يُحبون الإبداع وأساليب البلاغة.. أما اللغة الصينية، فهى تعتمد أكثر على التدوينِ والكِتابة، فنحنُ لا نتكلمُ كثيراً، ولا نضعُ على الأوراق إلا ما له معنى.. وإذا أردت فرقاً آخر، فيستطيع المِصرى مثلاً أن يتحدث الصينية، لكنه يعجز عن كِتابتها، والصينى قد يُجيد العربية كتابةً، لكنهُ يعجز عن التحدُثِ بِها.
∎الحديث عن اللغة يجعلنا نتحدث عن الحضارتين الحديثتين الآن فى الصين ومِصر، فهل ترين أن اللغة الصينية سبب مِن أسباب تميُز الصينيين عن العرب؟
- بِالتأكيد أى نهضة فى تاريخ العصر الحديث تعنى الانفتاح أو التواصُل مع العَالم الخارجى، فالصين دولة مُغلقة، وحيدة اللغة والثقافة، لم تدخُل عليها حضارات أُخرى.. على عكس العرب، المُنفتحين طبيعياً وجُغرافياً، بِالتالى فقد تجاوب العرب مع الحَضاراتِ الأُخرى، لهذا تستطيع أن تجد العربى يتحدث بِعِدة لغات بِطلاقة، وفى رأيى هُناك تقدُم اقتصادى عربى أيضاً، وليس الصينيون هُم فقط المُتفوقون، ومَا مَكن العرب مِن هذا هو تواصُلهِم مع العالم الخارجى، كما أننى أرى أنه لا بُد مِن الدراسة والتعمُق فى اللغات التُراثية، لأنها مِن أساسيات الانفتاح، ويجب على العرب ألا ينتقصوا مِن قيمة حضارتهِم وثقافتهِم، خاصةً أن الحضارة الإسلامية كانت فى قِمة قوتها، فى الوقت الذى كانت تنفتح فيهِ على ثقافاتٍ أُخرى كالهُندوسية والفارسية مثلاً.
∎بما أنكِ تتحدثين عن تشابُه المُشكلات بين الصين ومِصر، فهل لديكُم مُشكلة فى التعليم مثلاً مِثلما لدينا فى مِصر؟
- هُناك قانون فى الصين يُجبر الصينى على أن أول تسع سنوات مِن عُمره يجب أن يكون مُتعلما، فالتعليم الإلزامى حتى سِن 9 سنوات، لكن بعدها التعليم يُصبح بِمُقابلٍ مادى، وهو ما يؤدى إلى تسرب الطُلاب مِن المَدارس، خاصةً فى القُرى، ولِعدَم الاهتمام أو الشعُور بِأهمية بِالتعليم وقِلة الفُرص المُتاحة التى كان يُتيحها التعليم لِلمُتعلمين قديماً أكثر مِمَا هو الآن.. أيضاً هُناك صُعوبة فى دُخول الطلبة المَدارس لِبُعد المَسافات بين منازل الطُلاب والمَدارس التى قد يذهبون إليها، فقد تجد طالبا صينيا صغيرا يسير ما يُعادل 10 كم لِيذهب لِلمَدرسة!.. فمِصر مِثل الصين فى نفس مُستوى التعليم، كما أن التعليم بِمُقابل مادى قد يكون كبيراً، فمثلاً قد تصل الدِراسة فى جامعة ''بِكين'' لِ 5 آلاف يوان فى العام، ولدينا أيضاً جامعات خاصة مثلكُم، قد يصل المُقابل المادى فيها لِ 10 آلاف يوان.
∎بما أن المُجتمع العربى لديه حالة زخم مِن الثورات.. كيف يُتابع الصينيون - وأنتِ بِالذات كقريبة لِلمُجتمعات العربية- ثورات الربيع العَربى وتوابعها؟
- شخصياً أقف دائماً بِجانب الشعب الذى يثور ضِد الحاكم، لأن الشعب بِالتأكيد لديهِ أسبابُه ودوافعهُ لإثارة سخطه على الحاكم فى النِهاية- كظُلم واستبداد الحاكم مثلاً- لكن كصينيين نقلقُ مِن وراء هذه الثورات، لأنها تؤيد جِهة وتُعارض جِهة أُخرى، وتُثير المُشكلات والمَتاعب والمُتناقضات، خاصةً أن أكبر قضية تتبناها هذه الثورات هى التنمية، لكن لو حدثت الفوضى، كيف يتقدم المُجتمع للأمام؟!.. بِالتأكيد فى حالة الفوضى سيتأخر الوضع الاقتصادى، لهذا لا بُد أن يتم الموازنة بين ايجابيات وسلبيات هذه الثورات، خاصةً الانتباه إذا كان هُناك أشياء مِن ورائها لإشعالها.. ومُعظم أفراد الشعب الصينى يفهم ما يحدُث، لكنك قد تجد مَن لا يهتم أيضاً، حتى وإن كان مِن المُثقفين!.. فكُل منطقة مشغولة بِحاجاتها، فمثلاً قبيلة ''الكوانتُم'' الصينية مشغولة بِالتِجارة، بِالتالى هُم لا يهتمون بِالسياسةوهكذا.
∎كانت أزمة الثورات العربية وما زالت هى خلط الدين بِالسياسة على عكسكُم فى الصين.. فهل ترين أن هذا سِر تميزكُم أيضاً وتأخُرنا؟
- سياسياً لا يجوز التمييز بين الدِيانات المُختلفة، لكن تقليدياً وتاريخياً يتُم التمييز لِلأكثرية لِلأسف.. وقد حاولت الحُكومة الصينية إزالة هذا التمييز، وهو ما يحتاج لِجُهودٍ، لأن مُستوى الحَضارة والثقافة يختلف مِن دولة لأخرى.. فى الصين وفى الحياة العامة ليس هُناك فرق بين أساتذة وطُلاب، أو بين من يعمل فى مكتب اقتصادى وآخر تُجارى، أو بين مُسلم وغير المُسلم.. قومية ''خان''- وهُم السُكان الأصليون- لا يتلقون مثلاً امتيازا فى دُخول المَدارس والجامعات، على عكس الأقليات- كالمُسلمين وأهل التِبت - الذين يُمنحون درجات تُعادل 6 ٪، بل ويتم تقليل درجات القُبول فى الكُلية التى يرغب أحد المُنتمين لِلأقليات فى الإلتحاق بِها على عكس قومية ''خان''، الذى لا يحصل على هذه الامتيازات، ونقوم بِذلك حتى لا يوجد هُناك اضطهاد.. وفى الإنجاب ليس هُناك قانون يُحدد لِلأقليات عدد مواليدهُم، على العكس مِن المواطن الأصلى الذى يجب أن يلتزم بِقانون يُحدد له عدداً مُعيناً مِن المواليد.. اليوم نِسبة قومية ''خان'' 90 ٪ مِن اجمالى السُكان، فيما تصل نِسبة الأقليات 10 ٪، بعدما كانوا 5 ٪، وهذه الزيادة يعنى التطور.. كما أن الحُكومة الصينية تُساعد وتدعو لاستقلال الفِكر الدينى داخل الصين، فتجعل مِن كُل طائفة دينية مُكتفية باحتياجاتها الخاصة عن طريق تدعيم نفسها، حتى لا يطلب المُسلم عون غير المُسلم والعكس.. وفى وقتٍ مِن الأوقات حينما ازدادت بِعثات الطُلاب الصينيين المُسلمين إلى العالم العربى، ففوجئنا بأنهُم قد عادوا إلينا بِتناقُضات فى الديانة الإسلامية كما لاحظناها، فهُناك شيعى وهُناك سُنى مثلاً، وهو ما أدى فى نظر الحُكومة الصينية لِمزيدٍ مِن التناقُضات، مِمَا أدى إلى أن تقوم الحُكومة بِالحَد مِن هذه البعثات.
∎دائماً ما يترقب الشعب المَصرى دوراً أقوى مِن الصين، فمتى يتحقق ذلك؟.. وما هى مُعوقاتُه؟
- نتفهم كصينيين كثيراً هذا الشُعور، فالصين دورها أقوى فى المُناسبات الدولية، وأتذكر أننى رأيتُ مشهداً لإحدى المُتظاهرات السوريات تُمسُك لافتة كُتِبَ عليها ''رداءة الموقف الصينى كرداءة المُنتجات الصينية''، وربما يكون هذا التعبير قاسيا نِسبياً، لكن إن دل فهو يدُل على أن هُناك أمانى يكنُها الشعب العربى- لا المِصرى فقط- تِجاه الصين، ويُريدون مِنا أن نلعب دوراً أكبر، لكن فى الحقيقة يجب أن يتفهم الأصدقاء أن الصين تحتاج لِلقوة أكثر، حتى تقف مُباشرةً فى وجه الولايات المُتحدة الأمريكية، فى الوقت الذى تُضعف نفسها فيه جراء هذا، فنحنُ فى الصين فى مرحلة تحتاج مِنا لِمزيدٍ مِن التنمية.
∎لكن بِمُقارنة الدور الصينى فى أزمة الكوريتين سنجدُه أقوى مِن تأثيرها فى أزمة سوريا ومصر.. ما ردك؟
- كوريا قريبة جِداً مِن بابنا، فكانت الصين فى الخمسينيات تُشارك كوريا فى مُطاردة الأمريكان، فعِلاقتنا بِكوريا تاريخية، لكن فى رأيى عِلاقتنا بِمصر وسوريا أقوى، خاصةً فى ظِل التهديد المُستمر بِضَرب سوريا مثلاً، فنحنُ نعلم مَخاطر الحُروب وتأثيراتها، فالحرب العالمية الثانية مثلاً أثرت على العالم كُله وأرجعتهُ لِلوراء، لكن الآن الأزمة المالية النقدية تجعل مِن الولايات المُتحدة تتمنى أن تضرب الدول بعضها البعض أو تضرب هى دولا بِعينها، فالأمريكيون فى النهاية هُم الرابحون مِن هذا بِسبب ما سيعقُبه مِن تزايُد مبيعات الأسلحة الأمريكية.
∎بِمُناسبة أنك دائماً ما تتحدثين عن سوريا.. كيف ترين الوضع هُناك؟
- لا نؤيد ''بشار الأسد''، فكما قال الشعب السورى عنهُ أنهُ مُستبد، وسلب الشَعب ثَرواته بِالتأكيد، لكننا لن نقبل ضربة أمريكية لِسوريا، فمجلس الأمن هو الوحيد مَن يُقرر الأُمور الدولية.. ولا أعرف لِمَ تنظُر الولايات المُتحدة لِنفسها وكأنها تلعب دور ''شُرطة العالم''؟!.. جميعنا رأينا ما قامت بِهِ أمريكا فى أفغانستان، ليبيا، وقبلها العِراق ذى الحَضارة العريقة والطبيعة الجميلة وهى الدولة الغنية بِالموارد والمياه- وبِسبب الولايات المُتحدة- انقسم الآن!.
∎وما رأيك فى الموقف الروسى تِجاه سوريا؟
- الموقف الرُوسى يتفق معنا فى عدم ضرب سوريا، لكنه مُختلف الأهداف، فرغم أن روسيا ما زالت بعيدة عن كونها الاتحاد السوفيتى ذائع الصيت والقوة فى الفترة السابقة، لكنهُم مُتقدمون عنا نوعاً، هُم ليسوا مثلنا، فنحنُ لدينا عدد غير قليل مِن الفُقراء، لكن فى النهاية روسيا تُحافظ على سوريا لأن لها مَصالح، والصين ليس لها كيفية التصدى لِلهَجمات، ونحنُ نقف بِجانب روسيا فى نفس الموقف لأن الولايات المُتحدة تُريد الانتهاء مِن الشرق الأوسط لِتتجه صوبنا بعدها.
البرلمانى الأمريكى كُل ما يهتم بِه هو أن يقف وراءهُ حِزب ومَن يؤيدهُ مِن الجُمهور، أما البرلمانى الصينى فمُختلف، حيث تُوزع مَقاعد البرلمان حسب الوِحدات السكنية، فجامعة الدِراسات الدولية فى ''بِكين'' التى أنتمى إليها مِن المُفترض أن يكون لها مَقعد واحد فى البرلمان، وتقوم الجامعة- وقت انتخابات النُواب- بِتَرشيح واحد لِيُمثلها، وهو نفس ما يقوم بِهِ نواب الأحياء ونُواب البلدية وغيرها، فلا يوجد لدينا انتخابات عامة كما لدى أمريكا لانتخاب أعضاء البَرلمان، والبرلمان الصينى يكون فقط مسئولاً عن التشريع والمُراقبة، أما الحُكومة فعليها التنفيذ.. وللأسف الحِزب فى أمريكا قوتُه مُطلقة، لهذا نحنُ نخاف مِن النواب الأمريكيين مُنذ فترةٍ طويلة، لأنهُم المسئولون عما يحدثُ أو سيحدُث فى سوريا.
∎هُناك شِبه نظرة تشاؤمية حال الوضع فى الشرق الأوسط وتحديداً فى مِصر.. ففى رأيك هل ستعوُد مصر لِمكانتها؟
- بِالتأكيد!.. هذا شىء لا يُمكن التشكيك فيه أو التشاؤم بِشأنه!.. مِصَر لديها مَكانتها وثقافتها وحضارتها، فالمِصريون فى العالم أجمع هُم أساس الحَضارة، وإذا نظرتُ إلى أضخم المَشروعات العالمية الآن ستجد أن وراءها مِصريين، وقد تكون سالت بعض الدِماء أو طلقات الرصاص فى الفترة الأخيرة فى مِصر، لكن كما قالت الحُكومة الصينية والتليفزيون الصينى هذا مِثل ''تشين تشا'' أى ''تنظيف الساحة'' الذى لا بُد مِنهُ، لهذا نحنُ نؤيد الجيش المَصرى فيما يقوم بِه، ومِصَر ما زالت آمنة، فمِصَر ستظل بلد الأمن والأمان كما تقولون.
امتد بِنا الحِوار مع ''د. جانغ خونغ إى'' لِجوانبٍ أُخرى، لا يُمكن إلا أن نعرض تصريحاتها:
∎المُنتجات الصينية رديئة فى بعض المَراحل، فيتُم تهريبها مِن الصين لأسواقٍ عربية، نعرفُ هذا تماماً ونراهُ مِن نتائج النشاط الاقتصادى، لكن لا بُد مِن تشديد الرِقابة والجمارك، حتى لا تكون هذه المُنتجات الرديئة تُعبر عن الصين أو تُصبح فى يد مُستهلكين عرب، وهُناك الكثير مِن العرب يُريد أن يفهم سِر غزونا لِلعالم كما يرون، فأتذكر مقولة روسية تقول: ''الروسى مِن القُبعة لِلجوارب صُنِعَ فى الصين''!.. بِبساطة الأمر لا يعدو كونه خُروج التِجارة والتُجار الصينيين لِلخَارج، بِجَانب أن الأيدى العاملة لدينا رخيصة، مُقارنةً بِاليابان وأوروبا.. لكن ينبغى مُلاحظة أنهُ مع تطور الاقتصاد الصينى، أصبحت الأيدى العاملة أغلى، وأصبحت الأيدى العاملة فى دول جنوب شرق آسيا أرخص.
∎التوقُع بِأن الصين ستكون الأُولى فى العالم هذا لن يحدُث فى وقتٍ قريب، وإن كان الكثير مِن الصينيين يقولون أن عام 2020 هو العام الذى سنصل فيه إلى قِمة العالم اقتصادياً، وهو ما يتفق بِشأنه الكوريون أيضاً.. فى رأيى هذه سَخافات، فيجوز التوقع بِنُمو المُستوى الاقتصادى لا الإنمائى، فمُعدل التنمية لا يزال بطيئاً جِداً.