قال سمير غريب، رئيس جهاز التنسيق الحضارى، فى اللقاء المشترك للجهاز مع نقابة التشكيليين، مساء أمس، إن فكرة هذا اللقاء وأهميته هى أنه محاولة للتفكير المشترك بناء على وقائع ومعلومات مهمة تخص العمران المصرى، وتحديدا المنطقة التراثية الموجود بها ميدان التحرير وطريقة إعادة صياغة المكان بما يواكب أفكار التحرر والتغيير الجذرى المطلوب إجراؤه فى المجتمع وإلقاء الضوء على علاقة الفن التشكيلى بالمكان، والمجتمع شاهد ما أحدثه الجرافيتى عندما انفجر بتشكيلاته على الجدران فى كل مكان من الفنانين وغير الفنانين, وكذلك الهجمة المتخلفة على تماثيل الميادين فى أنحاء مصر. وأضاف غريب أن اللقاء يهدف أيضا إلى إلقاء الضوء على دور جهاز التنسيق الحضارى وعلاقته بما حدث فى مصر من 25 يناير إلى الآن، والمعارك التى خاضها الجهاز، والتى كانت أشبه بمحاولة قارب صغير مقاومة طوفان من الأمواج العاتية التى لا يعرف من أين تأتى، هل من الجهل العام أم من الارتباك السياسى والمجتمعى، أم من الحكومات المتعاقبة المتضاربة التى تتعامل مع الوطن وكأنه بلا ذاكرة ولا أرشيف. وأكد غريب، أنه بالنسبة لمسابقة ميدان التحرير، فإنه ظهرت بعد الثورة مبادرات على استحياء لتخليد ذكرى الثورة والتعبير عنها بشكل حضارى وفنى، وأن جهاز التنسيق الحضارى التقط الخيط واتصل بالجهات المعنية والمتخصصين، وتكونت مجموعة ضمت عددا من لفنانين التشكيليين والمهندسين المعماريين وجمعية المهندسين المصرية ونقابة المهندسين وعدد من ائتلافات شباب المعماريين وعدد من الجمعيات الأهلية، وتم عمل ما يشبه ائتلاف فى بداية 2011، وكان الاجتماع الأول فى مكتب وزير الثقافة لصياغة مسابقة لإعادة تخطيط وتصميم ميدان التحرير وتخليد ذكرى ثورة يناير، وعقد جهاز التنسيق الحضارى عدة اجتماعات انتهت بصياغة كراسة لمسابقة دولية لإعادة تنسيق وتطوير ميدان التحرير وتخليد ذكرى الثورة وذكرى الشهداء، وتم إرسالها لكل المعنيين بما فيهم مجلس الوزراء ومحافظ القاهرة ووزير الإسكان لمناقشة ما بها، وتم التعديل فيها، وأصبحت جاهزة منذ 2012 وتم تقدير ميزانية للمسابقة الأولى أربعة ونصف مليون جنيه، ولما تأخرت الحكومة فى توفير المبلغ تمت مراجعة الميزانية وتخفيضها إلى ثلاثة ونصف مليون جنيه. وأضاف غريب، أن جهاز التنسيق الحضارى هو الوحيد فى مصر الذى لديه خبرة إقامة المسابقات الدولية، وأنه ناقش المسابقة التى تم إعدادها مع كل رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا فى السنوات الأخيرة على الحكومة وحتى الآن لم تترجم على أرض الواقع، والمستفز أنه بعد كل ذلك هو ما قامت به محافظة القاهرة من تجاهل لكل الجهد وأعلنت عن وضع حجر الأساس لما سمى بالنصب التذكارى دون إدراك، لأن ميدان التحرير أصبح أهم ميدان فى العالم، ولا يمكن أن يتم تطويره بهذه الطريقة التى هى غير علمية وغير فنية، وأن ترتكب الدولة سلسلة من الأخطاء تتجاوز فيها الأصول السليمة فى كل شىء. واستعراض غريب كافة الاجتماعات التى تمت للمسابقة الدولية فى مكتب وزير الثقافة، وبحضور المسئولين وإنشاء صفحة على الفيس بوك لأخذ أراء الجماهير فى تخليد الثورة. وتناول اللقاء مبادرة القوات المسلحة لإعلان مسابقة لتطوير الميدان، ورأت اللجنة المشرفة على المسابقة، أن الأعمال المقدمة لا ترقى لأن تكون نصبا تذكاريا للتحرير، وتم حجب الجائزة الأولى للمسابقة لهذا السبب. وأكد غريب، أنه عندما تم رفع القاعدة القديمة أثناء حكم مبارك لوضع تماثيل لزعماء مصر مكانها لم يتذكرها أحد بعد ذلك. وطالب سمير غريب، بمحاكمة محافظ القاهرة، الذى كان موجودا أثناء نقل هذه القاعدة والمسئولين وقتها بتهمة إهدار المال العام والقيم الفنية والوطنية. وكشفت د. سهير حواس، رئيس الإدارة المركزية للأبحاث بجهاز التنسيق الحضارى، عن المأساة التى حدثت لقاعدة النصب التذكارى، التى كانت موجودة، وصممت لوضع تمثال الخديوى إسماعيل عليها، والتى تعتبر فى ذاتها عملا فنيا مهما لما فيها من إبداع لا يقل عن الإبداع فى تصميم التمثال الذى تم إعداده ليوضع فوقها وأن القاعدة لاقت ما لاقته المبانى التراثية القديمة التى تم تدميرها بعد ثورة يناير. وقالت حواس، إن ميدان التحرير تم تخطيطه ليكون أحد مداخل منطقة خططت لتكون باريس الشرق فى عهد الخديو إسماعيل، واستعرضت تاريخ المنطقة والتطورات العمرانية التى طرأت عليها، والأحداث المهمة التى شهدتها والمسابقة الدولية التى طرحت عام 1894 لبناء المتحف المصرى، والتى أعلنت نتيجتها عام 1895 وأنشئ المتحف عام 1902 وتم وقتها وضع مخطط لميدان التحرير وعمل مسارات ومحاور بصرية من كل الجهات تؤدى إلى المتحف ووقتها تم تصميم القاعدة ليوضع فوقها تمثال الخديو إسماعيل وفق رغبة الملك فاروق، وتم عمل التمثال وصبه فى إيطاليا ووصل إلى مصر بعد قيام ثورة يوليو ولم يوضع فوق القاعدة. وأضافت حواس أنه بعد ثورة يوليو 1952 ظهرت مبانٍ جديدة بالميدان وافتتح مجمع التحرير، وكان التخطيط وقتها يتعامل مع الميدان كمتنزه عام، وتم عمل نافورة، ثم بعد ذلك موقف للأتوبيسات، وأضيفت مبانٍ جديدة كجامعة الدول العربية، وأزيلت ثكنات الجيش الإنجليزى، وفى أواخر السبعينيات ظهر حل لمشكلة عبور المشاة برفع البشر من الطريق، وعمل كوبرى لمرورهم من فوقه، فكانت الناس تمشى بشهادات مرضية فى الشارع كى لا تضطر لصعود الكوبرى، وأصبح موضوع التجميل فى الميدان لا يراعى البشر أو الحركة. وأضافت حواس، أنه مع بداية أعمال مترو الأنفاق كان يفترض رفع هذا النصب وحفظه فى مكان لحين الانتهاء من أعمال المترو وإعادته بعد ذلك، لكن تم نسيانه، وحينما حاولوا بعد ثورة يناير تخليد ذكرى الشهداء جاءوا بملابسهم ومتعلقاتهم ووضعوها فى التحرير، وبدأ الشباب فى طرح أفكار جديدة كل أسبوع، وأصبح عامل الفراشة هو المكلف بعمل النصب التذكارى فى إطار مبادرات شعبية مقبولة، لكن غير علمية وغير مدروسة. وطرحت أفكار فردية لعمل نصب تذكارى لا تنظر للمكان كله بشكل عام، من بينها مبادرة القوات المسلحة وأعمال التجميل التى قامت بها محافظة القاهرة، وتم رفع أسطوانة النصب من مستوى الشارع، وبداية عمل النصب التذكارى مؤخرات جاءوا بخرسانة وقاموا ببناء ارتجالى، وحاول "التنسيق الحضارى" وضع حدود للمكان وصورة بانورامية له لدراسة مداخله ومخارجه وحصر المبانى الأثرية به والمبانى المسجلة طبقا للقانون 144 للطراز المعمارى المتميز وعددهم 18 مبنى، مسجلين بينهم مبنى مسجل كأثر أى أن كل مكونات ميدان التحرير أثرية، وهذا يوجب عدم أخذ قرارات فى هذه المنطقة إلا طبقا للمعايير التراثية. وأضافت حواس أنها بدأت البحث عن القاعدة التراثية فى عام 1996 ووجدتها عام 2009 مقطعة إلى 900 قطعة وملقاة فى حيازة محافظة القاهرة تمهيدا لبيعها كقطع جرانيت، وأنها عندما قالت للمحافظ، إنها وجدتها، رد بأنها "فوتو شوب". وطالبت حواس بضرورة دراسة هذه القاعدة من خلال فريق أمين، يقوم بإعادة جمعها وتركيبها أو على الأقل استرجاعها وأخذ ما بها من قطع مميزة لتصبح ذكرى للميدان. وأكدت حواس، ضرورة وقف أعمال التطوير المرتجلة فى التحرير فورا، لأن أى تطوير يجب أن يخضع للدراسة العمرانية. وأكد الدكتور حمدى أبو المعاطى، نقيب التشكيليين أن ما حدث يعد إهدارا للمال العام ولقيم التاريخ، وتجاهل للفنانين وإقامة مسابقة من خلاله دون مشاركة النحاتتين ودون أن يسمعوا عنها، بما جعل عددا كبيرا من الفنانين يرفضون المشاركة فى المسابقة. وقال الكاتب الصحفى صلاح منتصر، البقية فى حياتكم فى عمل فنى رائع وسرد قصة موضوع صحفى له عن تطوير ميدان التحرير عام 1954 فى آخر ساعة وبما كتبه يوسف إدريس عن فقر الفكر وفكر الفقر وأن مصر الآن تعيش حالة من فقر الفن وفن الفقر، ودلل على ذلك بما أصاب تماثيل الميادين لطه حسين وأم كلثوم وعروس البحر، وأكد أن البلاد تمر بحالة سيولة ومن الصعب على أى فنان أن يمسك اللحظة ويعبر عنها، وطالب بفترة للتأمل وعدم التعديل فيما يخص تطوير ميدان التحرير، وأن يوضع شىء رمزى ومؤقت لملء المساحة الخالية إلى أن يأتى فنان ويعيد تطوير الميدان ليس فقط لتكريم الشهداء ولكن أيضا لمستقبل مصر. ومن جانبه قال الدكتور ياسر منجى، الأستاذ بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة، إن ما حدث للقاعدة لم يكن هو المأساة الوحيدة التى شهدها ميدان التحرير، فإن هناك مآسٍ عديدة وانتهاكات للفن تمت من عصر إلى عصر وتساءل أين تمثال الخديوى إسماعيل الذى كان من المزمع أن يقف على هذه القاعدة وهل مسابقة التنسيق الحضارى هى الوحيدة التى تم تجاهلها وتحدث عن النحات مصطفى نجيب (1913: 1990) الذى قام بنحت ثلاثة تماثيل للملك فؤاد وفاروق والخديوى إسماعيل، وأن تمثال الملك فؤاد تم تحطيمه باعتباره من العهد البائد بعد ثورة يوليو رغم أنها بعد ذلك مجدته وكرمته، واستعرض المنجى جزءا من تاريخ الفن المصرى وما اعترض تلك المسيرة من عقبات غير مفهومة، وقال إنه من الضرورى النظر للنواحى التاريخية بعين الاعتبار للبناء على تاريخ مفهوم.