تفوح منه رائحة السنين، وتترك يد الزمان أثرها على حوائطه المهدمة لتحكى عن بقايا صنعة موروثة فى طريقها إلى الزوال، ولا تظهر بإلحاح إلا فى وقت الأزمات. ففى دكانه الصغير وسط شارع الكنيسة بمنطقة باب الشعرية، يجلس "الأسطى صبحى " بجسد نحيل أمام تشكيلة من أقدم أنواع البواجير"أبو فونية" و"أبو شرايط"، و"السبرتاية "يحاول أن ينفخ فيهم الروح ثانية للدفع بها بديلا عن أنبوبة البوتاجاز، التى باتت حلما بعيد المنال بالنسبة للفقراء، ويقول: "الشعب المصرى طول عمره بيعرف يتصرف فى الأزمة ووابور الجاز الموجود فوق السطح والمركون فى الدولاب بقى حل للناس اللى مش بتلاقى الأنبوبة". خبرة 70 عاما فى تصليح الباجور جعلت عم "صبحى" ينفض عنه تراب وصدأ السنين، فهو الوحيد الذى يقدر قيمته, يقف بالساعات كجراح ماهر فى غرفة العمليات يُخرج أدواته واحدة تلو الأخرى فهذا منفاخً يختبر الفونيه، وسلاكة لتنظيف اللحام ونزع الكباس "أنا بعمل صيانة لأى بابور حتى ولو كان من 100 سنة، لأنى فاهم شغلى كويس" يأخذ نفسا عميقا ويكمل حديثه :"الراجل الأصيل مش ممكن يسيب شغلانته ويقعد فى البيت أو يغيرها لأى سبب". أزمة الأنابيب هى العامل الأكبر فى ازدهار صنعة الرجل العجوز، يقول: "طبعا زمان كان مفيش بيت مصرى مفهوش باجور الجاز، وكان تصليحه بياخد أيام طويلة بسبب الزحام ودلوقتى أزمة الأنابيب بتخليه يظهر فى المواسم بس". "نقص قطع الغيار هيقضى على سوق البابور للأبد" هكذا يفسر الأسطى صبحى السبب وراء تراجع صناعة وصيانة باجور الجاز: " طبعا مفيش فى السوق دلوقت فونيا أو مكنة وغيره من لوازم تصليح البابور علشان كده بضطر أخزن اللى بلاقيه منهم وقت الحاجة".