تعليم الغربية: لا إجبار في اختيار نظام الثانوية العامة والبكالوريا اختيارية    "الجبهة الوطنية" يعقد أول لقاء جماهيري بالإسماعيلية لدعم مرشحته داليا سعد    وزير الخارجية: الحكومة حريصة على تقديم الدعم والرعاية لأبناء الوطن بالخارج    فتح باب التقديم الإلكتروني للمدن الجامعية بأسيوط    بالفيديو.. أستاذ تاريخ يوضح أسرار ثورة يوليو 1952    إنفوجراف| أسعار الذهب اليوم الخميس 24 يوليو    استقرار أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 24 يوليو 2025    وزير الري يبحث حالة المنظومة المائية وموقف المرحلة الثانية من تطهيرات الترع    وزيرة التخطيط: المشروعات الصغيرة والمتوسطة أثبتت قدرتها على التأثير في اقتصادات الدول النامية    شركات صينية تنشئ 3 مصانع للملابس والمنسوجات بالقنطرة باستثمارات 65.5 مليون دولار    صحة غزة: دخول شاحنات أدوية من منظمة الصحة العالمية لمستشفيات القطاع    إعلام إسرائيلي: وحدات خاصة تشارك بالبحث عن منفذ عملية الدهس في كفار يونا    على خطى اليابان.. الاتحاد الأوروبي يقترب من صفقة تجارية مع الولايات المتحدة    إصابة 9 جنود إسرائيليين في عملية دهس.. مروحيات ووحدات خاصة لضبط منفذ العملية (صور)    راشفورد يكشف الفرق بين برشلونة ومانشستر يونايتد    مصطفى شلبي يعلن نهاية مشواره مع الزمالك ويوجه رسالة للجماهير    إنفوجراف| الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا الجمعة    غرامات وسحب تراخيص لمخالفي تركيب الملصق الإلكتروني    غدا.. تامر حسني والشامي يشعلان ثاني حفلات مهرجان العلمين    حسين فهمي ضيف شرف الدورة الثانية من جوائز الباندا الذهبية    حملة «100 يوم صحة» تقدم 12 مليون و821 ألف خدمة طبية مجانية خلال 8 أيام    من اكتئاب الشتاء إلى حرارة الصيف.. ما السر في تفضيل بعض الأشخاص لفصل عن الآخر؟    جامعة القاهرة تطلق جائزة التميز الداخلي للجامعات 2025 تأهيلًا للمشاركة في جائزة التميز الحكومي    مندوب فلسطين: تصويت الكنيست الإسرائيلي للسيادة على الضفة الغربية انتهاك للقانون الدولي    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 24 يوليو 2025    إصابة 3 أشخاص في مشاجرة بالأسلحة النارية بسوهاج    «زي النهاردة».. محمد سعيد باشا الذي «كان يحب المصريين ويكره الأتراك والشراكسة» حاكمًا على مصر 24 يوليو 1854    إصابة 4 عمال إثر سقوط مظلة بموقف نجع حمادي في قنا.. وتوجيه عاجل من المحافظ- صور    سيناء في «قلب جهود التنمية»    قصف إسرائيل ومطار «بن جوريون» خارج الخدمة مؤقتًا    لطلاب البكالوريا 2025.. تعرف علي كليات مسار الآداب والفنون    إصابة شخصين إثر انقلاب سيارة بطريق "الإسماعيلية- العاشر من رمضان"    تنسيق الجامعات 2025 علمي علوم.. كليات تقبل من 60% ومؤشرات الحد الأدنى للقبول    أرخص الجامعات الأهلية في مصر 2026.. المصروفات الكاملة وطرق التقديم (القائمة المعتمدة)    «صفقة قادمة».. شوبير يشوّق جماهير الأهلي حول المهاجم الجديد    أحد الزملاء يخفي معلومات مهمة عنك.. حظ برج الدلو اليوم 24 يوليو    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    «تحسه واحد تاني».. خالد الغندور يهاجم زيزو بعد التصرف الأخير    سعر السمك والجمبري اليوم الخميس 24 يوليو 2025 بالأسواق    نهاية سعيدة لمسلسل "فات الميعاد".. تفاصيل الحلقة الأخيرة    روسيا: تعليق عمل مطار سوتشي 4 ساعات بسبب هجمات أوكرانية    علي أبو جريشة: عصر ابن النادي انتهى    تايلاند تعلن إغلاق المعابر الحدودية مع كمبوديا وتستدعي سفيرها مع تصاعد التوترات    إخماد حريق في محطة وقود بالساحلي غرب الإسكندرية| صور    مخرج «اليد السوداء»: نقدم حكاية عن المقاومة المصرية ضد الاحتلال    أحمد نبيل فنان البانتومايم: اعتزلت عندما شعرت بأن لا مكان حقيقى لفنى    حسام موافي لطلاب الثانوية: الطب ليست كلية القمة فقط    بمستشفى سوهاج العام.. جراحة دقيقة لطفلة مصابة بكسر انفجاري بالعمود الفقري    سيف جعفر: فيريرا يتعامل معنا بشكل مثالي.. والصفقات الجديدة إضافة قوية    شوبير يكشف حقيقة اهتمام الأهلي بضم أحمد فتوح    تصرف مفاجئ من وسام أبوعلي تجاه جماهير الأهلي.. الشعار والاسم حاضران    5 معلومات عن المايسترو الراحل سامي نصير    اليوم، تعديلات جديدة في مواعيد تشغيل القطار الكهربائي بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    هل يجوز أخذ مكافأة على مال عثر عليه في الشارع؟.. أمين الفتوى يجيب    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحافة اضرب واهرب
نشر في اليوم السابع يوم 03 - 09 - 2009

أيام غزو العراق.. وكانت أجواء الحادى عشر من سبتمبر لا تزال تمسك بتلابيب العالم، حاول صحفى أمريكى أعرفه جيداً اختراق صفوف الجماعات الإسلامية فى العراق وبعض الدول المجاورة له، لم يطلب مساعدتى ولم تكن لدىّ معرفة على الإطلاق بما كان يفعل، ولكن عندما نشر تحقيقه، وقد كان تحقيقاً جيداً، اتصل بى أحد المصادر التى التقى بها, كى يقول لى وهو حزين: «لماذا قدم لى فلان الفلانى نفسه على أنه مسلم شيعى, رغم أنه لم يكن من الصعب بعد ذلك أن أكتشف أنه يهودى؟».
الصحفيون الجادون المحترمون، الذين يحترمون أنفسهم فيحترمهم الآخرون، لا يفكرون فى أنفسهم وفيما يفعلون من منطلق «الوظيفة» Job، بل من منطلق «المسيرة» Career، إنهم يعلمون أن بناء الثقة والمصداقية يرتفع طوبة فوق طوبة، يوماً بعد يوم، سنةً فى أعقاب سنة، عملاً صادقاً يقود إلى آخر، يعلمون أن هذا طريق صعب لا نهاية له، يتصادف فى الوقت نفسه أنه الطريق الصحيح، وأن ما عداه لا يصمد أمام اختبار اللحظة، وأهم من ذلك، أنهم يعلمون أن ما ينبنى من ثقة ومصداقية على مدار سنوات طويلة يمكن أن ينهدم بسهولة فى ثوان معدودة.
من المفيد إذن أن نضع نموذج الصحفى الأمريكى الذى قام بذلك التحقيق فى العراق, أمام نموذج آخر لصحفى أمريكى آخر، كان العالم قد وصل إلى أقصى درجات الترقب قبل أيام من غزو العراق عام 2003، الأجواء فى فندق الرشيد فى بغداد قابضة، لم تفلح محاولات الوساطة فى وقف هوجة إدارة بوش الصغير، هبط على المركز الإعلامى أكثر من ثلاثمائة صحفى أجنبى، الوقت يمر بطيئاً وخاطفاً فى الوقت نفسه، يتسرب بفعل فاعل إحساس ب«حتمية» وقوع الحرب، الشعار الرسمى لبعض كبريات الشبكات الأمريكية: Countdown «العد التنازلى».
السلطات العراقية تضع المراسلين الأجانب على نار: مدة التأشيرة لا تتجاوز عشرة أيام قبل أن يتعين البت فيها مجدداً، الأمريكيون يطردون مراسل وكالة الأنباء العراقية فى واشنطن بحجة «التجسس»، يرد العراقيون بطرد مراسل شبكة «فوكس» اليمينية المتطرفة بحجة المعاملة بالمثل، دمه ثقيل، يلبد على الحدود لتغطية العراق من عمّان، يطلب منى بعض الأصدقاء من «سى إن إن» الأمريكية و«سكاى» البريطانية وبعض الصحف الألمانية التوسط لدى مدير المركز الصحفى لتجديد تأشيراتهم، أفعل, يستجيب، لا لسواد عيونى، بل لأنه لم يعد سراً أن صدام حسين، الذى لم يفتح فمه لفترة طويلة، قد وعد بأنه حين يفعل سيكون ذلك من خلال قناة الجزيرة.
المراسلون فى تلك الأثناء لا يعلمون تماماً ما ينبغى عليهم أن يعدوا من تقارير، الرسالة من رؤساء تحريرهم: «انتظروا فى أماكنكم»، يمتلىء سطح المركز الإعلامى بأطباق الإرسال والمولدات الكهربية، وهواتف الأقمار الصناعية، وخيمات الهندسة الإذاعية، وأسلاك يتشابك بعضها فى البعض الآخر، ويمتد مترامياً بين هذه التفاصيل كلها فيما يبدو للغرباء عن المهنة فوضى، وإن كان فى الواقع نظاماً رائعاً فى عيون أصحابها، ثم الكاميرات وعواكس ضوء الشمس وبينهما ببغاوات: مراسلون فى آذانهم قطع بلاستيكية تمكنهم من التواصل، وفى أيديهم ميكروفونات عليها شعارات بعضها أراه لأول مرة فى حياتى.
يذهب بعضهم لإعداد تقارير لها معنى عن معاناة الشعب العراقى تحت الحصار فلا تذاع، مثلما حدث مع مراسل شبكة «إيه بى سى» الأمريكية، وضع «السيرك المتنقل»، كما وصفه زميل ألمانى، رحاله فى بغداد واستقر انتظاراً لساعة الصفر، بينما كانت هذه الأجواء كلها محل دراسة تحقيقية ضمن برنامج «سرى للغاية» حملت بعد ذلك عنواناً «العد التنازلى»، أى شىء يصدر عن الإدارة الأمريكية حقيقة إلى أن يثبت العكس، وأى شىء يصدر عن الحكومة العراقية دعاية جوفاء حتى لو ثبت العكس. حتى زيارة وزير العدل الأمريكى سابقاً، رامزى كلارك، المتعاطف مع موقف العراق، دعاية جوفاء.
ذات يوم، عدت إلى فندق الرشيد بعد يوم عمل فوجدت بهوه محتشداً ومصورين يثبون ارتفاعاً، ويقفزون فوق أكتاف جمع أحاط بشىء ما أو بأحد ما اختبأت تفاصيله تماماً فى الزحام، تواثبت حتى استطعت أن أختطف نظرة على «مُزة» من العيار الثقيل، قالوا لى إنها ملكة جمال العالم لذلك العام، وهى ألمانية وصلت إلى هنا بدعوة من عُدى، ابن الرئيس، وبينما أنا كذلك سمعت صوتاً يهتف بى بلهجة أمريكية: «يوووزرى!» التفتُّ ناحيته فعرفته على الفور، رغم أننى لم ألتق به قبل ذلك وجهاً لوجه، إنه عملاق الصحافة التليفزيونية الأمريكية ونجم شبكة «سى بى إس» لأكثر من ربع قرن: دان راذر.
«ماذا تفعل المدافع الثقيلة فى بغداد؟» بادرته بالسؤال، «لابد أن شيئاً ما على وشك الوقوع»، رد دون لف أو دوران: «سأكون صادقاً معك: نحن نأمل فى إجراء حوار مع طارق عزيز (نائب رئيس الوزراء العراقى آنذاك)»، فأجبته بدورى: «وسأكون أنا أيضاً صادقاً معك: نحن فى انتظار صدّام»، انبثق بريق من عينيه فأفصح على الفور عن براجماتية أمريكية: «هل لنا فى عقد صفقة رجل لرجل: من يحصل على أيهما أولاً يمنح الآخر جانباً مما حصل عليه، فماذا تقول؟» قلت: «هى إذن صفقة Deal».
فى مساء اليوم التالى، بينما كنت أتناول العشاء مع ديفيد تشيتر، مراسل شبكة «سكاى» البريطانية، اتصل بى دان راذر، وسألنى بلهجة مستعجلة إن كنت أود اللحاق به إلى المركز، قلت له: «لا أصدق أنك أتيت بطارق عزيز بهذه السرعة»، قال: «كلا، لقد أتينا بالرجل الكبير: صدام» قنبلة، فى طريقى إلى المركز كان تحليلى قد اهتدى بى إلى أن قراراً كهذا من جانب الرئيس العراقى لم يكن له سوى معنى واحد، وهو أن جميع السبل إلى الإدارة الأمريكية قد تقطّعت وأنه، وقد أدرك أخيراً وقوع الفأس فى الرأس، يريد الآن أن يلتف حولها وصولاً إلى الشعب الأمريكى الذى كان يهمه فى تلك اللحظة الحاسمة أكثر مما يهمه الشعب العربى.
غير أن مفاجأة أخرى من نوع مختلف كانت أيضاً على وشك الحدوث، قال لى دان: «خذ ما شئت من اللقاء، وإذا كنت مهتماً فأنا أيضاً على استعداد لأن أظهر معك على الكاميرا لأجيبك على أى سؤال، ربما ترى أنه يهم مشاهديك»، لم ينته الدرس عند هذا الحد، فعندما قلت له إنه ليس مضطراً إلى ذلك قال: «لقد تعاقدنا رجلاً لرجل وقد كنت أنت بوليصة التأمين لى ولا أقل من الوفاء بالوعد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.