بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    متابعة مشروع تطوير شارع الإخلاص بحي الطالبية    جونغ أون: إنتاج الصواريخ يشكل عنصراً أساسياً في تعزيز قدرة درعنا العسكري    باكستان: القضاء على 10 إرهابيين مدعومين من الهند    اليوم.. المنتخب في مهمة حسم صدارة المجموعة الثانية أمام جنوب إفريقيا    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    محافظة الإسماعيلية تحتفل بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق بحفل "كلثوميات".. صور    (أ ش أ): البرهان وأردوغان يبحثان في أنقرة سبل دعم وتعزيز علاقات التعاون المشترك    جوتيريش يدعو لضمان انتخابات سلمية وشاملة في جمهورية أفريقيا الوسطى    استطلاع رأي: أكثر من ثلث مؤيدي حزب العمال البريطاني يرغبون في رحيل ستارمر    جيش الاحتلال الإسرائيلي يصيب فلسطينيين ويعتقل أحدهما    ضياء رشوان: نتنياهو يحاول اختزال المرحلة الثانية من اتفاق غزة في نزع سلاح حماس وتغيير مهام قوة السلام    جامعة الأقصر تناقش سبل تنفيذ ورش عمل متخصصة بمجال التعليم الإلكتروني.. صور    واعظات الأوقاف يقدمن دعما نفسيا ودعويا ضمن فعاليات شهر التطوع    استمرار حملات إزالة التعديات على الأراضي الزراعية بكرداسة    الزمالك يستعد لمباراة غزل المحلة دون راحة    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    أمم إفريقيا - لاعب مالي: نريد الفوز باللقب وإعادته إلى باماكو    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    أخبار مصر اليوم: سحب منخفضة على السواحل الشمالية والوجه البحري.. وزير العمل يصدر قرارًا لتنظيم تشغيل ذوي الهمم بالمنشآت.. إغلاق موقع إلكتروني مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    حاضنين النعش.. جنازة مينا ضحية الهجرة غير الشرعية باليونان في المنيا    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    السيطرة على حريق داخل شونة إطارات بالغربية    زيلينسكي: بعض وثائق التسوية السلمية جاهزة وقضايا حساسة تتطلب مزيدًا من العمل    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    عقب واقعة ريهام عبد الغفور.. أشرف زكي: هناك ضوابط يُجرى إعدادها خلال ال48 ساعة المقبلة    تطور جديد في قضية عمرو دياب وصفعه شاب    مفاجأة بشأن طلاق الإعلامي عمرو أديب لزوجته لميس الحديدي    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    ياسمينا العبد: تفاجأت بتمثيل زياد ظاظا في ميد تيرم.. فنان بمعنى الكلمة    إصابة 7 أشخاص في حادث انقلاب سيارة نصف نقل بالطريق الصحراوى في البحيرة    دهس طفل تحت عجلات ميكروباص فوق كوبري الفيوم.. والسائق في قبضة الأمن    مستشار شيخ الأزهر للوافدين: نُخرّج أطباء يحملون ضمير الأزهر قبل شهادة الطب    مناسبة لأجواء الكريسماس، طريقة عمل كيك البرتقال بالخلاط بدون بيض    تعيين محمد حلمي البنا عضوًا بمجلس أمناء الشيخ زايد    أخبار كفر الشيخ اليوم.. إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب رسميًا    هي تلبس غوايش وأنا ألبس الكلبش| انفعال محامي بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات    «مؤسسة محمد جلال الخيرية» تكرم أكثر من 200 حافظة وحافظ للقرآن الكريم    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة بختام تعاملات اليوم الخميس    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    أخصائي يُحذر: نمط الحياة الكارثي وراء إصابة الشباب بشيخوخة العظام المبكرة    كيف نُصلِح الخلافات الزوجية بين الصم والبكم؟.. أمين الفتوى يجيب    ختام مبهج ل «الأقصر للتحطيب»    جمارك السلوم تحبط محاولة لتهريب كمية من البذور الزراعية الموقوف تصديرها    خبير: صناعة التعهيد خلقت فرص عمل كبيرة للشباب وجذبت استثمارات أجنبية لمصر    برلمانية: الاستحقاق البرلماني الأخير يعكس تطورًا في إدارة العملية الانتخابية    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    التفاصيل الكاملة لافتتاح المركز النموذجي بالغرفة التجارية بالقليوبية    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    الزمالك يواجه سموحة الليلة في اختبار جديد بكأس عاصمة مصر.. صراع الصدارة وحسابات التأهل    صراع النقاط الثلاث يشعل مواجهة بيراميدز والإسماعيلي في كأس عاصمة مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاولون العرب بين "انحناء" عبد الناصر و"استياء" مبارك
نشر في اليوم السابع يوم 10 - 08 - 2009

لا يمكن اعتبار أن ما حدث فى قرية البرادعة، مجرد أزمة عادية نجمت عن إصابة 351 شخصاً بالتيفود على إثر تلوث مياه الشرب بالقرية، فما حدث بعد ذلك يكشف مجموعة من الحقائق التى آن لنا أن نضع أيدينا عليها، وربما لو حدث وعالجنا مواطن الخلل التى تكشفت بعد ظهور تلك القضية، لأصبحت الحادثة كلها ثمناً هيناً فى مقابل التغيير.
فقد شهدت وسائل الإعلام تبادل الاتهامات بين المقاولون العرب ومحافظ القليوبية الذى أعلن عن تغريم الشركة مبلغ مائة ألف جنيه، كما رصدت دون أن تشير إلى أى علامات تعجب إحالة مقاول الباطن دون غيره إلى النائب العام باعتباره المسئول الوحيد عما حدث، ثم تناولت استياء الرئيس مبارك وإصدار أوامره بتغيير شبكة مياه الشرب بالقرية.
ولعل أول الحقائق التى يجب أن نلتفت إليها هى تضعضع وانهيار دور المقاولون العرب، وهو الدور الذى أصبح يتناسب عكسياً مع حجم ونشاط الشركة، ولقد جاءت الأزمة الأخيرة لتطرح العديد من الأسئلة على أذهان من يعرفون هذه الشركة وتاريخها.
أول هذه الأسئلة هو: ماذا حدث للمقاولون العرب؟ وكيف تفشل الشركة التى بنت السد العالى وسد الصواريخ وحظائر الطائرات ومعديات العبور وكوبرى أكتوبر ومكتبة الإسكندرية فى أن تمد خط مواسير قرية فى القليوبية؟ وكيف تدهور حال المقاولون العرب التى انحنى لها الرئيس عبد الناصر، وهى شركة ناشئة أثناء تفقده لإنجازاتها فى السد العالى لتصبح محل استياء الرئيس مبارك أثناء مدها ماسورة مياه شرب فى قرية، فى الوقت الذى يصل فيه حجم عامليها إلى 60 ألف عامل وموظف، وهو حجم يفوق بعض جيوش المنطقة العربية.
وأنا أرى أن الإجابة ببساطة تعود إلى شخص رئيس الشركة ومؤسسها عثمان أحمد عثمان الذى انحنى له "عبد الناصر"، كما توضح الصورة الموجودة فى مذكرات الأخير، والتى نشرت بعنوان "تجربتى"، كما ترجع إلى رئيس مجلس إدارة الشركة الحالى إبراهيم محلب أمين المهنيين بالحزب الوطنى.
فمؤسس الشركة ورئيسها الأول كان همه الأول والأخير "المقاولون العرب".. فقد عاش مقاولا ومهندسا يعرف دوره جيداً، فلم يجمع بين السياسة والعمل رغم مطاردة الأولى له، وعندما أصبح وزيراً ترك منصبه بالشركة، ورغم تتلمذ عثمان ونشأته على يد زعيم ومؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا، وإعجابه بالإخوان المسلمين، إلا أنه رغم ذلك لم ينضم لهم أو يشترك فى صفوفهم، وذلك "والأمر على المستوى الإنسانى يحسب له" لم يمنعه من مساعدة بعضهم رغم غضب السلطة ومطارداتها لهم، كما حدث مع صديقه عبد العظيم لقمة، وكان من الممكن أن يغض طرفه، خصوصا وأن بعض إصبعه كانت تحت ضرس النظام الناصرى آنذاك، إلا أنه استجاب لنداء المرؤة والواجب.
وعلى النقيض تماماً فعل رئيس مجلس الإدارة الحالى المهندس إبراهيم محلب، فقد سلم نفسه طائعاً ومختاراً ليكون ضمن ألوية الحزب الوطنى بمدينة نصر، وقد حدث هذا فى فترة شهدت سباقا محموما من رؤساء الشركات والمصالح والمؤسسات فى الانضمام إلى الحزب الوطنى، بحثاً عن المكاسب، أو على الأقل عدم تعرضهم لأية خسائر، وعلى رأسها ترك مناصبهم.
وحتى يصبح "محلب" عضواً نافعاً وصالحاً فى الحزب الوطنى كان واجبا عليه أن يساعدهم فى الانتخابات، وتحولت شركة المقاولون العرب إلى مكتب توريد أنفار لانتخابات الوطنى، وتم استدعاء آلاف العاملين بالشركة من عدة محافظات للتصويت فى دائرة مدينة نصر، واكتشف العاملون أن لديهم بطاقات انتخابية دون معرفتهم، وذلك من خلال أوراقهم الموجودة بالشركة.
وهكذا أصبح رئيس شركة المقاولون العرب أكبر مقاول أنفار انتخابات فى الحزب الوطنى، خصوصاً وأن شركته تمتلك أكثر من ستين ألف صوت انتخابى.
وفى 14/5/2005، فوجئ العاملون بالشركة، وذلك طبقا لما رصدته العديد من جمعيات مراقبة الانتخابات، ومنها "الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية" قيام المهندس إبراهيم محلب فى عصر ذلك اليوم بعمل اجتماع للعاملين، وبصحبته مرشح الحزب، وطالبهم فيه بالتصويت لمرشح الحزب، وأخبرهم أن ذلك يأتى طبقا لتعليمات صدرت من قيادات سيادية عليا، كما هددهم محلب بإلغاء الحوافز فى حال عدم الذهاب للتصويت.
ومع وصول أتوبيسات العاملين من القاهرة والمحافظات تم صرف 30 جنيهاً لكل موظف مقابل التصويت فى دائرة مدينة نصر لمرشح الحزب آنذاك مصطفى السلاب، ورصدت الجمعيات الحقوقية أتوبيسات نقل عام القاهرة بأرقام 6671، 7261، 8099 تنقل موظفى الشركة من أمام الإدارة للتصويت الجماعى فى مدينة نصر.
وربما كان هذا كافياً لانخفاض أسهم المقاولون العرب فى فن التشييد والعمارة، فاستاء منها مبارك بعد ارتفعت أيام عثمان فانحنى لها عبد الناصر.
أيام عثمان غنى معها العندليب "قلنا هنبنى وآدى احنا بنينا السد العالى"، وأيام محلب اضطرت الشركة للاستعانة بشعبولا منذ شهرين ليغنى نشازا "بلدنا لسه عمار فى المغنى والطرب.. والبنى والمعمار المقاولين العرب، لا "بتكروت" ولا"تقلب" معروفة وشركة تمام.. والريس حسنى مبارك إداهم أعلى وسام"، وللأسف لا يمر شهران إلا ويتم اتهام الشركة ب "الكروتة" و"القلب"، حسبما قال شعبولا، بل ويستاء منهم الريس حسنى مبارك.
وبوضوح شديد نستطيع أن ندرك الفرق بين عبد الحليم وبين شعبان عبد الرحيم، كما نرى الفرق بين عثمان أحمد عثمان وبين إبراهيم محلب، بين من رشحته النكتة الشعبية ليبنى الهرم الأكبر ومن طرحه الواقع ليفشل فى مد ماسورة مياه.
أما السؤال الآخر والذى يجب الالتفات إليه فهو: ما الذى أصاب فطرتنا؟ وكيف نستقبل الآن مالا يتفق مع بديهيات التفكير حتى نعتبره أمراً مسلماً به؟، وما يستدعى ذلك هو قرار إحالة مقاول الباطن إلى النائب العام، والسؤال: كيف نتجاهل شركة المقاولون العرب وهى الشركة المنفذة للمشروع بتكليف من الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى التابع لوزارة الإسكان؟، ولو اتبعنا هذا القياس وهو مسئولية مقاول الباطن نحو أى فشل يحدث فى أى مشروع، فهذه مصيبة، وبذلك لن تلقى أى من هذه الشركات الجزاء العادل جراء إهمالها واتكالها.
إن العقد المبرم بين المصالح الحكومية وشركات المقاولات هو عقد يلقى بالمسئولية على الطرف الثانى، ولا يعرف أو يعترف بمقاول الباطن، وإذا حدث واعترف به فهو المسئول رقم اثنين، ولذلك فإن عدم محاسبة الشركة المنفذة لمشروع البرادعة والاكتفاء بمعاقبة مقاول الباطن هو أمر يعود بنا لمئات السنين، ولا يبرر ما حدث ما قيل حول الخوف على سمعة الشركة وسمعة مصر، فإن قميص السمعة هو القميص الجاهز الذى تلجأ الحكومة إليه فترفعه كلما ضاقت بها السبل.
وأخيراً من المفترض أنه لا توجد "تابوهات" عند المساءلة، فالمقاولون العرب فى النهاية مثل أى كيان يجب محاسبته ومراقبته وتصحيح مساره إذا أخطأ، ولا يمكن غض الطرف عنه لمجرد أن رئيسه عضو بارز فى الحزب الوطنى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.