لماذا لم تتعرض أمريكا إلى هجمات إرهابية منذ 11 سبتمبر 2001 ؟.. سؤال انشغلت به مراكز الأبحاث الأمريكية كثيراً فى محاولة لمعرفة أسباب الاستقرار الأمنى الذى تعيشه الولاياتالمتحدة منذ هذا التاريخ، وتقييم السياسة الأمنية الأمريكية ومدى نجاحها. وفى هذا السياق نشرت نشرة واشنطن كوارترلى الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالعاصمة الأمريكية دراسة للإجابة على هذا السؤال ترجمها ونقلها تقرير واشنطن إلى العربية. وخلصت الدراسة إلى أن عدم تعرض أمريكا إلى هجمات جديدة راجع إلى أربعة أساب هى: 1 - فعالية السياسات الأمريكية لمواجهة الإرهاب وحماية الأمن القومى الأمريكى. 2 - تراجع إمكانيات وقدرات الجماعات الإرهابية. 3 - تراجع أهمية مهاجمة الأراضى الأمريكية على قائمة أهداف الجماعات الإرهابية. 4 - حدوث تحول فى أولويات الإرهاب إلى مهاجمة أهداف على أراضٍ غير أمريكية. لكن لا يمكن الاعتماد على هذه الأساب فقط، فهناك أساب أخرى لم تذكرها الدراسة، ولعل أهمها أن العدو البعيد كما تراه القاعدة أصبح قريباً بل وداخل البيت المسلم مما يعنى أن تكلفة الهجوم عليه أرخص بكثير وأنجح من انتقال الهجوم إلى داخل الأراضى الأمريكية. وهذا يعنى وجود تغيير فى فكر القاعدة التى تحتشد بشكل كبير فى العراق وأفغانستان لتجعل منهما المسرح الرئيسى للمعركة مع الولاياتالمتحدة، وقد يعنى هذا نجاحاً أمريكياً فى نقل المعركة من داخل الأراضى الأمريكية إلى خارجها، لكن التكلفة المادية والبشرية لنقل مسرح المعركة كلف الولاياتالمتحدة الكثير من الخسائر. وبغض النظر عن فاعلية السياسات الأمريكية لمواجهة الإرهاب من عدمه، فإنه لا يمكن القول أن هذه السياسة نجحت بالفعل فى حماية الأراضى الأمريكية من عمليات إرهابية، وفى اعتقادى أن الحكم على نجاح هذه السياسة يحتاج إلى وقت، وربما سيكون علينا الانتظار لانتهاء المعارك العسكرية فى العراق وأفغانستان، ومن ثم يمكن معرفة حالة تنظيم القاعدة وقدرته على العودة لمهاجمة الأهداف الأمريكية داخل الولاياتالمتحدة. وفى كل الأحوال، فإن انشغال تنظيم القاعدة فى حربين مشتعلتين منذ ثمانى سنوات فى أفغانستان والعراق لا يعنى بالضرورة تقليم أظافر القاعدة أو الحد من قدراته البشرية أو العسكرية، بل على العكس تماماً لأن استمرار المعارك طوال هذه الفترة أدى إلى تدفق الكثير من الشباب العربى والمسلم على العراق وأفغانستان للانخراط فى التنظيمات الجهادية التى تكبدت خسائر كبيرة، لكنها اكتسبت الكثير من الخبرات كان من الصعب الحصول عليها لو لم تكن تلك الحروب دائرة. وحسب تصريحات الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فإن القوات الأمريكية ستغادر العراق نهائيا عام 2011، كما أن الاستراتيجية الأمريكية فى العراق التى تستهدف القضاء على القاعدة وطالبان هى فى الأساس خطة للخروج من المستنقع الأفغانى بعد النصر، أو على الأقل إلحاق قدر من الخسائر به إلى حد إضعافه. وحين تنتهى الحرب فى العراق وأفغانستان يمكن الحديث عن نجاح السياسة الأمريكية فى مكافحة الإرهاب من عدمه، لكن الأمر الذى لم تتطرق له مراكز الأبحاث الأمريكية هو تأثير عودة الأفغان العرب وقاعدة العراق إلى الدول العربية والأوروبية التى خرجوا منها، وهل يعنى هذا بداية موجة جديدة من الإرهاب كما حدث حين خرج السوفيت من أفغانستان وعاد المجاهدون العرب إلى بلادهم ليجاهدوا ضدها؟!