عندما ثار الشعب فى 30 يونيو، مطالباً بعزل الرئيس السابق محمد مرسى، دافع الرئيس المعزول عن بقائه فى منصبه بسند وحيد، ظل يردده كثيراً، وهو أنه الرئيس الشرعى لمصر، ومن ثم من حقه البقاء فى منصبه حتى انتهاء مدته. ومنذ هذا الحين، ظهرت كلمة الشرعية على السطح، وأصبح الكثيرون يرددون هذا المصطلح القانونى والدستورى، شأن العديد من المصطلحات التى تتردد كل فترة، دون فهم حقيقة معناها، وصحة مدلولها مثل العولمة، والشراكة، والشفافية، وغيرها من المصطلحات والعبارات، التى تستخدم فى أحيان عديدة فى غير محلها، أو دون فهم حقيقة مدلولها. الشرعية هو مصطلح سياسى ذو أصل لاتينى، مفهومه البسيط إضفاء الصفة القانونية على شىء ما، والأصل العربى للشرعية يرتبط بشكل مباشر بالاتفاق مع "الشرع"، وهو ما ينبىء فى الكشف عن وجوب استناد الشرعية إلى الرضائية كسند لها، أى ما يرتضيه الناس، فذلك هو أساس الشرعية. ومن هنا يجب أن نفهم بوضوح أن هناك نوعين من الشرعية، لا يجوز الخلط بينهما، النوع الأول هو شرعية الوصول إلى الحكم، والنوع الثانى هو شرعية الاستمرار فى الحكم، فشرعية الوصول إلى الحكم تكون من خلال الصندوق، بأن يختار الرئيس بانتخابات حرة نزيهة، تعبر عن إرادة الناخبين ورضاهم عن اختياره، أما النوع الثانى، وهو شرعية الاستمرار فى الحكم، فتعنى أن يرضى الناس عن عمل الرئيس وعن أدائه، وعن وفائه بمتطلبات منصبه، وجدارته به، أو بمعنى أدق صلاحيته للاستمرار فى شغله. وبذلك يبين أنه لا يغنى أحد نوعى الشرعية عن الآخر، لكن لكل منهما نطاقه الزمنى، فشرعية الوصول إلى الحكم لابد أن تتحقق وتكتمل، ثم ينتهى أثرها قبل بدء شرعية الاستمرار فيه، فالأخيرة شرعية لاحقة يبدأ نطاقها الزمنى ببدء مباشرة الرئيس مهام منصبه، ويجب أن تستمر طوال فترة عمله. ومن ثم فإن تحقق أحد نوعى الشرعية لا يعنى بالضرورة تحقق النوع الثانى، كما أن فقد أحد نوعى الشرعية لا يعنى فقد النوع الآخر، فقد يصل الحاكم إلى الحكم بطريقة غير شرعية إلا أنه ينجح فى ممارسته لمهام الحكم فيرضى عنه الشعب، هنا تتوافر له شرعية الاستمرار المبنية على رضا الناس من أدائه، رغم افتقاده لشرعية الوصول إلى منصبه، ولعل المثال الواضح على ذلك فى التاريخ المصرى حكم محمد على، الذى وصل إلى حكم مصر بطريقة غير شرعية من خلال قتل خصومه، لكنه حاز بعد ذلك رضا المصريين عن أدائه فى الحكم فتمتع قطعا بشرعية الاستمرار فيه، هذه هى الشرعية بعنصريها التى يتحدث عنها الجميع دون فهم حقيقة معناها. * المستشار بالنيابة الإدارية