اليوم.. فصل التيار الكهربائى عن عدد من مناطق وأحياء مدينة كفر الشيخ    "شد وإعياء".. الزمالك يكشف حالة أحمد حمدي ومحمد صبحي    يانيك فيريرا يرفض منح لاعبى الزمالك راحة بعد الفوز على مودرن سبورت    الدوري المصري – موعد مباراة الزمالك المقبلة ضد فاركو والقناة الناقلة    آدم كايد: لم أتوقع هذا الحب من جماهير الزمالك.. وبدأت التعود على الأجواء المصرية    مصرع شابين غرقا بنهر النيل فى دار السلام بسوهاج    جمصة تحذر من ارتفاع الأمواج اليوم وتطالب بالالتزام بتعليمات فرق الإنقاذ    الجمهور يرفع علم مصر فى حفل على الحجار بمهرجان القلعة خلال تقديمه أغانى وطنية (صور)    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    الولايات المتحدة تفرض عقوبات على ميسري مبيعات النفط الإيرانية    برشلونة يمتلك أصغر معدل أعمار فى الدوري الإسباني موسم 2025    العثور على 6 جثث في مصنع ألبان بولاية كولورادو الأمريكية    تقارير استخباراتية إسرائيلية : أغلب ضحايا حرب غزة من المدنيين    زيلينسكي: بوتين لا يفهم سوى القوة والضغط    ما الذي يمنع ظهور حزب معارض قادر على المنافسة بالبرلمان؟ وزير الشؤون النيابية يجيب    جهات طبية تقدم خدمات علاجية للمحامين بالمجان    الشئون النيابية: الدستور يمنح الحق الكامل في تكوين الأحزاب بالإخطار    منتدى المنظمات الأهلية ب"القومى للمرأة" يعقد اجتماعه الدورى    السولية: الإسماعيلي صاحب الفضل الأول فى صناعة اسمى وراض عن فترتى مع الأهلي    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    أيمن يونس: تغييرات فيريرا حافظت على الفوز أمام مودرن    لاعب أستون فيلا على رادار أهلي جدة    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    عيار 21 الآن يواصل الانخفاض.. سعر الذهب اليوم الجمعة 22 أغسطس في الصاغة    جمعوا 100 مليون دولار.. غانا تسلم أمريكا "النصابين الثلاثة".. ما القصة    إعدام مغتصب سيدة المقابر.. تفاصيل جريمة بشعة هزت الإسماعيلية    جثة متفحمة وسط نيران شقة بالمقطم    3 ظواهر جوية تضرب البلاد .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : «توخوا الحذر»    مواصفات وسعر المركبة الفاخرة.. الأمير محمد بن سلمان يقود سيارته برفقة الرئيس السيسي    محمود فوزي: الحكومة ملتزمة بحماية المواطنين في تطبيق قانون الإيجار القديم    محافظ أسيوط بختام صوم العذراء: مصر نموذج للتعايش والمحبة (صور)    علي الحجار ممازحا جمهور مهرجان القلعة: هغني 10 أغاني علشان تلحقوا تروحوا (فيديو)    «إزاي قبلت الإهانة».. تفاعل مع فيديو لعريس يركل عروسه ويسقطها في حمام السباحة    حدث بالفن| النصب على فنانة وإحالة نجمة لمجلس تأديب والتقرير الكامل لحالة أنغام الصحية    وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية يتفقد المستشفيات العامة بالإقليم    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين في القطاع العام والخاص    في مؤتمر صحفي.. قائمة المستقبل تعلن عن مرشحيها وبرنامجها لخوض انتخابات نقابة الأطباء    «الدراسات المستقبلية»: إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء وتفرض ما يشبه «التطبيع المجاني»    بدرية طلبة تمثل أمام لجنة مجلس تأديب من 5 أعضاء.. اعرف التفاصيل    حُمَّى القراءة.. دُوار الكتابة.. جديد الروائي الأردني جلال برجس    خالد الجندي: الدفاع عن الوطن وحماية مصالحه من تعاليم الإسلام    خام النفط يرتفع مع قوة الطلب الأمريكي    نائب وزير الصحة: الحضانات تكلف مصر 87 مليار جنيه سنويا بسبب الولادة القيصرية    وكيل وزارة الصحة بالمنيا ينهي عمل بعض العاملين في مستشفيات بسبب الاهمال    محافظ القليوبية يستعين بخبرات طبية لمتابعة مصاب حريق الشدية ببنها    قاضي قضاة فلسطين: المسجد الأقصى سيبقى إسلاميًا وعلى العالم الإسلامي حمايته    هل يستجاب دعاء الأم على أولادها وقت الغضب؟.. أمين الفتوى يجيب    أسعار سيارات ديبال رسميا في مصر    وزير الإسكان يستقبل محافظ بورسعيد لبحث ملفات العمل والتعاون المشترك    وزير العمل يعلق على واقعة إطلاق ليبي أسدًا على عامل مصري    متصلة: بنت خالتي عايزة تتزوج عرفي وهي متزوجة من شخص آخر.. أمين الفتوى يرد    لا أستطيع أن أسامح من ظلمنى.. فهل هذا حرام؟ شاهد رد أمين الفتوى    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد المشروع الصيفي للقرآن الكريم بأسوان    جامعة المنوفية الأهلية تتألق بأنشطة صيفية متنوعة لتعزيز مهارات طلابها    فحص طبى ل 150 من العاملين بديوان عام مديرية الزراعة بالإسماعيلية    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس يومي السبت والأحد.. هل تعود الموجة الحارة؟    في جولة مفاجئة.. عميد طب قصر العيني يطمئن على المرضى ويوجه بدعم الفرق الطبية    1.7 مليون عسكري.. اختراق روسي يكشف عدد قتلى الجيش الأوكراني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يحكم القضاة بالدين أم بالقانون؟
نشر في اليوم السابع يوم 16 - 07 - 2009

أهم ما يميز أى دوله هو دستورها، والسؤال الذى يجب طرحه الآن هو: هل دستور مصر الحالى وقوانينها تتجه بها إلى صبغها بالدولة الدينية أم الدولة المدنية؟
وللإجابة يجب أن نلقى النظر على الدساتير السابقة حتى الدستور الحالى، ونقارن بينها، فلقد صدر الأمر الملكى رقم 42 لسنة 1923 بوضع نظام دستورى للدولة المصرية وتناول فى المادة (12) أن حرية الاعتقاد مطلقة، ونصت المادة (13) على أن تحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقا للعادات المراعاة فى الديار المصرية على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا يتنافى مع الآداب، ونصت المادة (16) على أنه لا يسوغ تقييد حرية أحد فى استعماله آى لغة أراد فى المعاملات الخاصة أو التجارية أو فى الأمور الدينية أو فى الصحف أو المطبوعات أياً كان نوعها أو فى الاجتماعات العامة، ثم جاء الأمر الملكى رقم 70 لسنة 1930 بوضع نظام دستورى ونص على ذات المواد، ثم جاء الأمر الملكى رقم 67 لسنة 1934 بإعادة العمل بدستور 1923.
وفى العهد الجمهورى ظهرت دساتير بدأت بدستور 1956 ونص فى المادة (1) علي أن مصر دولة عربية مستقلة ذات سيادة، وهى جمهورية ديمقراطية والشعب المصرى جزء من الأمة العربية، ونصت المادة (3) على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، وأعقب ذلك دستور 1958 المؤقت حال قيام الدولة العربية المتحدة ولم يحدث تغيير مروراً بدستور 1964 الذى نص فى المادة (5) على أن الإسلام دين الدولة، وجاء فى الدستور الحالى القائم والصادر فى 1971 فى المادة (2) أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع. وفى مايو 1980 تم تعديل دستورى فى المادة (2) بجعله «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، وفى التعديل الذى أجرى فى 26/3/2007 أضيفت الفقرة الثالثة للمادة (5) من الدستور وهى «لا تجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أى مرجعيه دينية أو أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل»، وتلك الفقرة لم يكن لها وجود فى أى دستور من قبل.
والملاحظ أنه بعد تعديل مايو 1980 بالنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، أن هذا التعديل أغلق فكر الإسلاميين السلفيين على مبدأ واحد وهو تقنين الشريعة فى صورة تقنين قانونى، وهذا الفكر من وجهة نظرى يقلل من شأن الشريعة، لكون فكرة مساواة الشريعة بالقانون، بدون النظر إلى مدى تقبل المجتمع لها، ينزل بها إلى مرتبه القانون القامع، فلقد سارع هؤلاء بأخذ خطاب التحريم والكراهة والذم والمحرمات والعقوبات ووضعها فى معرض التطبيق السريع على أفراد المجتمع. إلا أن فكرة الدولة التى يريدونها بهذا الشكل ستكون دولة قمعية لسلطة قامعة، وفى 1987 تم تقديم اقتراح بتقنين الشريعة لرئيس مجلس الشعب فى هذا الوقت د. رفعت المحجوب، ولكنه احتفظ به ولم يعرضه. ولهذا السبب تم اغتياله على أيدى هؤلاء القمعيين.
وتوالت أفكار وعقائد بنيت وتأسست على الفقه السلفى والجهادى، وكانت المادة الثالثة من الدستور المصرى سندا وعونا لفكر هؤلاء، وبسبب عدم وجود التوازن الدستورى الذى يقدم الصورة الصحيحة السليمة للشريعة الإسلامية، ظهرت جماعات التكفير للحكومة وللحاكم بسبب عدم تطبيقهم للشريعة، وتعالت أصوات الدولة الدينية من وجهة نظرهم والتى أساسها الشريعة الإسلامية المنصوصة حرفياً بغير النظر إلى غاياتها.
وحقيقة الأمر أن الدولة الدينية التى نادوا بها ليست من الإسلام أصلا. فالإسلام لم ينزل من عند الله على نبيه المصطفى لإقامة دولة دينية، وإنما الإسلام نزل لهداية الناس، وأن تطبيق الشريعة بغير إيمان الشعب لا قيمة له، لكون الشريعة تتجه إلى المجتمع والأوضاع التى يعيشها، وكلاهما متغير والذى يقدره ويحكم فيه هم أولو الأمر منا بعد فهم مقاصدها وغاياتها.
وحاولت الدولة تغيير الفكر السلفى ورفض فكرة تكفير الحاكم والحكومة بل وتكفير الدولة ذاتها، وأخذ ذلك الكثير من التضحيات والدماء التى دفع ثمنها أبناء هذا الوطن على مدار سنين طويلة، وكانت فكرة إقامة دولة دينية مستبعدة تأسيسا على أن الدولة فى الإسلام دولة مدنية تقوم على الحرية والعدل وإرادة أبنائها، ورفضت الحكومات المصرية فكرة أن يكون دور الدولة فى مجال الدين والاخلاقيات والفضيلة.
وخرج من القضاء المصرى حكم فى قضية شارب خمر بجلد المتهم ثمانين جلدة مع النفاذ، وتأسس الحكم على نص المادة الثالثة من الدستور بأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ولم يحتكم القاضى للقانون الوضعى الذى وضعه أولو الأمر (البرلمان) بالرغم من أن آيات القرآن الكريم تشير إلى ضرورة إطاعتهم، إلا أن القاضى قرر أن فكرة طاعة أولى الأمر ومن ثم قوانينهم هى طاعة تبعية لا تكون إلا حيث تكون أوامرهم موفقة ومستمدة من أوامر الله، (ولم ينفذ الحكم لعدم النص عليه فى قانون العقوبات المصرى).
التوازن فى الدستور المصرى بعد التعديل الدستورى فى مارس 2007
فى مارس 2007 تمت إضافة الفقرة الثالثة للمادة الخامسة من الدستور المصرى وهى «لا تجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أى مرجعية دينية أو أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل»، وتلك الفقرة لم يكن لها وجود فى أى دستور من قبل، إنها فكرة حق المواطنة على أساس المعيشة على ذات الأرض، فكل مواطن يعيش على هذه الأرض المصرية أو اتخذها موطنا له يجب أن ينصاع لذلك الوطن وتلك الأرض وتكون له الحقوق والواجبات بغير النظر إلى أصله أو جنسه أو دينه، ولعل هذا التعديل الذى وازن بين الشكل الدينى والتنفيذ المدنى مستقى من إحكام الإسلام ذاتها، وهذا أكبر دليل على أن الدولة فى الإسلام مدنية، لكون تلك الفكرة مستقاة من (دستور المدينة) الذى وضعه النبى صلى الله عليه وسلم، لإقرار حقوق مواطنة متساوية للمسلمين واليهود والمسيحيين لا يحارب بعضهم بعضا ويدافعون عن المدينة معاً.
قانون العقوبات المصرى وإقامة حدود الشريعة الإسلامية
لعل من أهم القضايا مسألة تطبيق الحدود الإسلامية، كالقصاص وكقطع اليد والرجم والجلد والعقوبات التعزيرية كالإبعاد والنفى والحبس والتغريم، وقانون العقوبات المصرى الحالى يأخذ بالعقوبات التعزيرية وهى أغلبيه فى الجرائم، وعقوبة القصاص من القاتل المتعمد مع سبق الإصرار أو الترصد معمول بها فى القانون المصرى، ولعل عقوبة قطع يد السارق هى محل نظر دائما من المحققين والمتسائلين عن تطبيقها من عدمه وعن الظروف التى يمكن أقرارها ومدى ارتباط تنفيذها بحالة المجتمع وأفراده، وعما إذا كانت الدولة كفلت مطالب الشعب من عمل وسكن.. حيث إن الكثيرين يرون أن أمر الحدود متروك لأولى الأمر فى اختيار تطبيقها ومدى تقبل الشعب لها، غير أن هناك خلافا بين العلماء على وجوب تطبيق حد السرقة لأى سارق أم جعل عقوبة قطع اليد عقوبة قصوى وأخيرة لمعتادى الإجرام، فالبعض يرى أن ينص عليها ويترك تطبيقها بحرية للقاضى، وأن تطبق على معتادى الإجرام وبشروط حذرة، والبعض يرى تطبيقها كعقوبة منفردة لا يكون للقاضى اختيار بينها وبين الحبس أو التغريم، والتاريخ يثبت أن اختيار العقوبات يرجع لظروف كل مجتمع، ففى عصر الأوائل من الأمريكيين كانت عقوبة سرقة الحصان قطع اليد لكون حياة الفرد كانت تدور حول قيمته فى هذا الوقت، كما أن بعض التشريعات الأوروبية القديمة كانت تقضى بإعدام من تجاوز المائة جريمة، كما أن بريطانيا القديمة طبقت هذا الحد.
وجدير بالقول أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس تأثرا لمنظر القطع وأشد الناس حثا على العفو والمغفرة، وأن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أوقف حد السرقة فى عام المجاعة، إلا أن عقوبة قطع اليد لمعتادى الإجرام تحقق أيضاً الزجر والردع وحماية المجتمع، ولقد استعاض المشرع المصرى بعقوبات كالحبس والسجن حتى وصل إلى عقوبة السجن المشدد (المؤبد) ولم يأخذ المشرع بتطبيق الحدود كعقوبات جنائية.
المبادئ الدينية للشريعة الإسلامية لا تتعارض مع نصوص الدستور
كنا قد خلصنا إلى أن الدستور المصرى اتجه إلى الدولة المدنية بعد أن تبنى حق المواطنة وألغى فكرة قيام أى أحزاب دينية أو على أساس مرجعية دينية، وأنه حينما نص على كون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ترك أحكام الزواج والطلاق ومسائل الأحوال الشخصية لشرائع من يدينون بها من مسلمين وأقباط وذلك احتراما وإعلاء لحرية الدين والعقيدة، كما أن أفكار ونصوص الدستور، كالحق فى حرية العقيدة، والمساواة بين الرجل والمرأة، ومبادئ حقوق الإنسان، ومبدأ حماية الأسرة والأمومة والطفولة، والمساواة فى الحقوق والواجبات، وعدم التمييز أو التفرقة العنصرية، والحرية الشخصية وحمايتها، والحق فى حرية التعبير والرأى، كلها مستقاة من مبادئ الشريعة الإسلامية، فحق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الإسلامى يحقق التكافل الاجتماعى وفرض الزكاة التى تؤخذ من الأغنياء لتعطى للفقراء يحقق التكافل الاقتصادى، وأن فكرة المساواة أيام عهد النبى صلى الله عليه وسلم هى القانون الأعظم، وهى الحق فى المواطنة فى الدستور الحالى.
إن تعديل الفقرة الثالثة للمادة (5) من الدستور المصرى وإعلاء مبدأ المواطنة هو إحياء للإسلام فى صورة العدل والمصلحة والمساواة بغير تشدد دينى، وهى أهداف جميع دساتير العالم ومبغى كل الشعوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.