الثقافة هى حجر الزاوية فى التغيير والمشهد الثقافى الذى واكب ثورتى يوليو ويناير كان له عميق الأثر فى المشهد السياسى، عن الدور الذى لعبته الثورتان فى التغيير وحجم تأثير المثقفين يستطلع "اليوم السابع" آراء المثقفين وتقييمهم للمشهد الثقافى فى ظل ثورتى يوليو ويناير. يرى الفنان والناقد التشكيلى عز الدين نجيب، أن الثقافة فى ثورة يوليو كان خلفها الدولة كلها، واعتبرت الثقافة جزءاً من مشروع قومى وضرورة من ضرورات الحياة للشعب شأنها شأن التعليم والغذاء، لذلك أسست لها الدور الكبيرة ووفرت لها الأموال الكافية والقيادات الثقافية الكبيرة الذين أصبحوا هم الدعاة لفكر جديد وقتها هو فكر الثورة وكان وراء هذا الفكر إيمان بأن الثورة فى جوهرها هى بناء الإنسان وليست مجرد تحبيب الناس فى الفنون والآداب وترقيق المشاعر بمنتجاتها، وكان المثقفون على قدر المسئولية فقبلوا التضحية بكل شىء من أجل تحقيق هذه الرسالة وكانوا يذهبون إلى المواقع النائية ليديروا شئون الثقافة بين جموع الفلاحين وبسطاء الناس دون عائد، أما فى ثورة يناير فالمثقفون كانوا خلف المشهد وليس أمامه وكان الشباب فى مقدمة المشهد والوعى السياسى هو قائد المرحلة، أما المثقفون فقد كانوا منغمسين فى التخصص الدقيق لأعمالهم وكتاباتهم المعرفية، صحيح أن أفكارهم كانت فى خلفية وعى الشباب لكن لم يكن هذا كافياً لقيام الثورة والسبب فى ذلك أن النسبة الأكبر منهم قبلوا أن ينضووا تحت لواء السلطة بين عهدى السادات ومبارك وأن ينعموا بعطاءاتها حتى قيل إنهم دخلوا فى حظيرة النظام وقت رئاسة فاروق حسنى للوزارة. وأضاف، لكن هناك استثناءات رفضت الانضواء تحت مظلة النظام وأعلنوا مواقفهم المعارضة له وقبلوا التضحية فى سبيل ذلك بحرياتهم وتضييق العيش والحرمان، لكن لم يكن هؤلاء قادرين وحدهم على إحداث التغيير، وإن كان بعضهم قد انضم مبكراً إلى الحركات السياسية الثورية التى سبقت ثورة يناير مثل كفاية والجمعية الوطنية للتغيير. ويضيف نجيب، أن المثقفين أصبح لهم مكانة أعلى بعد ثورة يناير وأدركوا خطاهم التاريخى وان واجبهم ان يندمجوا مع الحراك الثورى لكن عدم تجمعهم فى مؤسسات مستقلة عطل اندماجهم مع الثورة بشكل يمكنهم من مناصرة الثورة وترشيد الحركة الشبابية. وأكد أن دور المثقفين ينبغى أن يكون أكثر شمولاً من منتجات الفن والأدب والكتابة وأن يكون مكرساً لتغيير وعى الجماهير، وأن يكونوا كتائب لهزيمة الأفكار الرجعية والروح الانهزامية التى كانت سائدة قبل يناير، ويؤكد نجيب أنه لا وجه للمقارنة بين وزراء ثقافة ثورة يناير ووزير كثروت عكاشة الذى أقام النهضة الكبرى والتأسيس الراسخ لمؤسسات وزارة الثقافة القائمة حتى الآن فوزراء يناير من ناحية لم يمهلهم الوقت لإقامة مشروعات تضاف إلى ما سبق أن أقامه ثروت عكاشة ولم يكن المناخ ملائما لأحداث ثورة ثقافية التى أصبحت ضرورة الآن ويجب أن ينشغل المثقفون بها، الآن هناك ضرورة لتفعيل الفنون الرفيعة بإطلاقها على نطاق الجماهير العريضة وتفعيل قصور الثقافة لتتغلغل فى وعى وعقول ومشاعر الملايين فى جميع أنحاء البلاد. ويؤكد الكاتب الكبير احمد الخميسى على أن التوجهات الاجتماعية لكل ثورة أو نظام سياسى تحكم وتحدد النظرة إلى الثقافة ودورها، وعندما قامت ثورة يوليو على مبادئ العداء للاستعمار وتحرير المرأة والمساواة والمواطنة والتصنيع والإصلاح الزراعى تحركت العملية الثقافية تحت جناح تلك المبادئ، فتم إقرار مجانية التعليم لصالح الفقراء، وأنشئت أول وزارة للثقافة، وأخذت الدولة على عاتقها دعم نشر الكتب والمجلات والصحف بأسعار رخيصة، وأقيمت الثقافة الجماهيرية لتصل بالفن إلى ظلمة الريف، ورفعت الفنون الشعبية للمرة الأولى إلى منصات المسارح وكانت الثورة ترى أن الثقافة عاملا رئيسيا من عوامل تغيير الواقع. لكن تلك النظرة صاحبت مرحلة المد الثورى التى انتهت بالنكسة وبالوفاة المبكرة لجمال عبد الناصر، وحلت محلها نظرة مختلفة تماما عهدى السادات ومبارك. وعن الدور الذى لعبة المثقفون فى تدعيم الأهداف السياسية والاجتماعية لثورة يوليو يؤكد الخميسى أن المثقفين شاركوا بفعالية فى دعم أهداف الثورة إما بشكل مباشر عبر توليهم المناصب القيادية للمؤسسات الثقافية، أو بأقلامهم وإبداعهم الأدبى، أو حتى بالتنبيه للمخاطر التى تحدق بالثورة نتيجة غياب الديمقراطية. فصاغ صلاح جاهين أجمل أمنيات الثورة فى شكل أغنيات، وكتب سعد الدين وهبة الكثير من المسرحيات فى ذلك الاتجاه، وعبر توفيق الحكيم عن قلقه من التأميم بمسرحيته بنك القلق، وصاغ صلاح عبد الصبور مخاوفه فى قصائد وجودية قلقة. لكن بشكل عام كان للمثقفين دور بارز ومهم. ويضيف الخميسى ان المثقفين الذين اختلفوا مع الثورة اختلفوا معها على أرضية الثورة.- بالطبع لا أعنى هنا المثقفين الذين ناصبوا الثورة العداء مثل سيد قطب- لكن أعنى المثقفين الذين اتفقوا مع أحلام شعبهم فى التحرر لكن اختلفوا مع النظام بشأن الديمقراطية. فقد كان هناك انتقاد بدرجات مختلفة وإسقاطات كما حدث فى مسرحيات عبد الرحمن الشرقاوى، وألفريد فرج، والكثير من قصائد العامية المصرية، وأيضا الكثير من أعمال نجيب محفوظ الذى يعد أعتى من انتقد الثورة فى أعماله "السمان والخريف" و"ميرامارا" وغيرها، لكن أولئك جميعا اختلفوا مع الثورة لأجل دفع الثورة إلى الأمام. ويقيم الخميسى المشهد الثقافى الذى واكب ثورة يناير وحجم تأثير المثقفين فى هذه الثورة بانه مشهد فى معظمه احتفالى أكثر منه مشهد ثقافى بالمعنى العميق. فهناك قصائد كثيرة وأغنيات وفرق غنائية ومشاهد مسرحية ومقالات وشعارات ورسومات، لكنها كلها أقرب إلى الاحتفال بالحدث منها إلى الأدب أو الفن بمعناه الحقيقى. لكن المشهد رغم ذلك يظل حافلا بظاهرة مهمة هى المشاركة الواسعة النطاق، ويظل حافلا بمعنى فى غاية الأهمية هو عودة الأدب إلى دوره الاجتماعى، عودته إلى " الموقف"، وإلى التحريض. حجم تأثير المثقفين بالمعنى العام لكلمة مثقفين كبير. أما حجم تأثير المثقفين بمعنى النخبة المبدعة فليس كبيرا، لأن تأثيرهم الحقيقى كان قبل الثورة كما تبدى ذلك فى روايات بهاء طاهر ومحمد ناجى وعبد الوهاب الأسوانى وغيرهم ممن حشد النفوس بضرورة الثورة. وعن الأثر الذى تركته ثورة يوليو على المثقفين بقيادة مايسترو الثقافة ثروت عكاشة قال الكاتب الراحل رجاء النقاش: كل من قرأ كتابا جميلا أو سمع لحنا ممتعا أو شاهد رقصة رفيعة من رقصات الباية أو دخل احد معارض الفنون أو وقف أمام معابد أبى سنبل فوجدها حية وناضرة كما كانت منذ آلاف السنين بعد أن خرجت هذه المعابد بمعجزة علمية وحضارية من الماء الفائض والهادر من السد العالى، وبعد أن كادت هذه المعابد الخالدة تغرق إلى الأبد وتصبح أثرا فى الذاكرة بعد أن كانت جبلا راسخا فوق الأرض، وكل من شاهد فيلما يرتفع بالسينما فى مصر إلى مستوى العصر وكل من شاهد مسرحية ممثلوها ومخرجوها أصحاب المواهب الذين تخرجوا من معاهد العلم الرفيعة، كل هؤلاء يعرفون ثروت عكاشة، لأنه هو الذى صنع التربة الثقافية الجديدة واتى بالطمى والبذور الصالحة ورعاها بالجهد الدؤوب والحزم العظيم إيماناً منه ويقينا بأن أى تغيير لا قيمة له إذا لم يكن للوطن عقل مثقف وذوق جميل. وثروت عكاشة هو بطل الثورة الثقافية الشاملة فى مصر ففى وسط صعوبات ومنغصات كثيرة استطاع أن يحقق هذه الثورة على مدى ثمانى سنوات تولى فيها أمور الثقافة فقامت على يديه مؤسسات كبرى أهمها: أكاديمية الفنون التى قدمت لنا أجيالا من الفنانين الدارسين المتعلمين الذين خرجوا من بين سائر طبقات الشعب. سجل ثروت عكاشة فى مذكراته كل معارك الجهاد الثقافى والروحى التى خاضها والتى كانت فى خطورة معارك السلاح وسجلت معارك الثقافة المصرية من اجل ترقية الروح وتنقية الذوق من شوائب الماضى وتحويل الفكر والفن إلى ضرورة ولقمة خبز فى حياة كل مواطن فوق أرض مصر.