تحتجز السلطات الإيرانية منذ بداية شهر يوليو الفتاة الفرنسية كلوتيلد ريس، التى تقوم بتدريس اللغة الفرنسية بجامعة أصفهان، فى سجن إيفين فى طهران بتهمة التجسس، حيث قامت بالتقاط صور على هاتفها المحمول للمظاهرات الإيرانية ضد أحمدى نجاد. تساءلت صحيفة "لوموند" حول أسباب احتجاز المعلمة الفرنسية البالغة من العمر 23 عاما فى مطار طهران فى طريق عودتها إلى فرنسا. وقد أرجعت الصحيفة موقف إيران إلى أربعة أسباب، أهمها رغبة النظام الإيرانى معاقبة فرنسا لتدخلها فى الشئون الداخلية للبلاد. أولا: الانقسامات داخل النظام الإيرانى كشفت حركة الاحتجاج ضد الانتخابات الرئاسية الانقسامات العميقة داخل نظام الجمهورية الإسلامية، حيث تتقاتل الأحزاب من أجل السلطة، بل وأيضا من أجل فرض تصورهم لما يجب أن تكون عليه الجمهورية الإسلامية، وبخاصة على الساحة الدبلوماسية. فإذا كان أحد الأحزاب فى إيران يوالى الغرب، يسرع حزب آخر بتشديد موقفه تجاه الغرب ردا على الحزب الأول، وهو ما يؤكده برنار هوركاد، خبير فى الشئون الإيرانية ومؤسس المعهد الفرنسى للبحوث فى إيران. ومن فى خضم القمع الذى تشهده إيران ينوى المتشددون داخل النظام إبقاء البلاد فى العزلة التى تعيشها. وبالتالى يصبح اعتقال كلوتيلد ريس وسيلة لجعل أية مناقشة مع الغرب - وفى هذه الحالة مع فرنسا – مستحيلة تماما. ثانيا: توجيه هجوم ضد فرنسا قال على أكبر ولايتى، رئيس الخارجية الإيرانى السابق ومستشار الشئون الدولية الحالى للمرشد الأعلى على خامنى "بريطانيا وفرنسا هما أسوأ من الولاياتالمتحدة فى التدخل فى شئون إيران". وهكذا فقد تجاوزت بالنسبة له كل من باريس ولندن "الشيطان الأكبر" (الولاياتالمتحدةالأمريكية) فى معارضتهما لطهران. وقد دفعت بريطانيا بالفعل الثمن عن طريق القبض فى 28 يونيو على تسعة من العاملين بالسفارة البريطانية (تم إطلاق سراح ثمانية منذ ذلك التاريخ)، ولم يبق إذاً إلا معاقبة باريس. ووفقا لمصدر قريب من هذا الملف، بدا العداء الإيرانى تجاه فرنسا واضحا على نطاق واسع منذ وصول نيكولا ساركوزى إلى الرئاسة، والمتهم بانحيازه للموقف الأمريكى فى عهد بوش. وهو ما أكدته التصريحات التى أدلى بها وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير فى خريف 2007، داعيا "للاستعداد للأسوأ"، أى "الحرب" مع إيران. وقد أقر كوشنير يوم الخميس أن قضية هذه الفتاة الفرنسية تمثل "مما لا شك فيه" مؤشرا على التوتر بين باريس وطهران. ثالثا: توجيه ضربة ضد المعهد الفرنسى للبحوث فى إيران يمثل هذا المعهد آخر مراكز الأبحاث الأجنبية فى إيران الآن، بعد أن رحل الأمريكيون واليابانيون والألمان عنها. وقد بات مؤخرا هذا المركز نقطة تجمع للطلبة والباحثين من جميع أنحاء العالم. وخلال السنوات الأخيرة، كانت الصحف المحافظة القريبة من المرشد الأعلى تدين بصورة منتظمة هذا المعهد وتتهمه بأنه "عش جواسيس" فى قلب العاصمة الإيرانية. وازدادت الضغوط على العاملين به، سواء من خلال الصعوبات فى الحصول على تأشيرات الدخول أو مصادرة جوازات السفر أو عمليات الطرد التى يتعرضون لها.. أما كلوتيلد فهى لا تعمل بشكل مباشر لهذا المعهد، الذى تكفل فقط بتقديم مسكن لها ودفع جزء من تذكرة سفرها إلى أصفهان. رابعا: معارضة الانفتاح الدولى لإيران تهدف طهران، من خلال المعهد الفرنسى للبحوث فى إيران والقبض على كلوتيلد ريس، أيضا إلى توجيه ضربة ضد انفتاح هذا البلد على العالم. يشير برنارد هوركاد "أن السلطات الإيرانية لا تحب فكرة أن يفكر الأجانب فى نظامها السياسى، ولا أن يتكلموا الفارسية ولا أن يجوبوا البلاد للقاء سكانها". وكان أحد نواب الرئيس الإيرانى قد صرح قبل عامين قائلا "إن التعاون العلمى الدولى هو ذريعة للصهاينة والإمبرياليين للوصول إلينا والقيام بأعمال سيئة". يذكر أن الوجود الأجنبى فى إيران يبلغ أدنى مستوياته. فهناك ثلاثة طلاب فرنسيون فقط فى الوقت الحاضر فى الجامعات الإيرانية، فى الوقت الذى تضم فيه فرنسا 3000 طالب إيرانى. ويروى برنارد هوركاد أن العشرات من الأكاديميين الإيرانيين يقعون بانتظام ضحايا للقمع الإيرانى. فهم يختفون فجأة ليعودوا بعد ستة شهور للظهور، ملتزمين الصمت التام، ويتجنب جميع المحيطين بهم توجيه أسئلة كثيرة لهم عما حدث.