مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 10 يونيو والقنوات الناقلة    قتيل و4 جرحى حصيلة الهجوم الروسي على أوديسا جنوب أوكرانيا    "والد العريس ضربهم غلط".. إصابة شخصين بطلقات نارية في حفل زفاف بقنا    تحذير عاجل من عبوات "باراسيتامول" بالأسواق، وهيئة الأدوية البريطانية: فيها تلوث قاتل    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    بعد المارينز، ترامب يشعل أحداث لوس أنجلوس بدفع 2000 عنصر حرس وطني إضافي    سعر الدولار أمام الجنيه الثلاثاء 10-6-2025 في البنوك    قبل كأس العالم للأندية.. لاعب الأهلي يكشف حقيقة معاناته من إصابة مزمنة    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 10 يوينو 2025    محافظ أسيوط يتابع حادث سقوط تروسيكل بنهر النيل ويوجه بتقديم الدعم الكامل للمتضررين    «شغلوا الكشافات».. إنذار جوي بشأن حالة الطقس اليوم: 3 ساعات حذِرة    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 10 يونيو    مينا مسعود قبل طرح أول أفلامه: أخيرًا حققت حلمي وراجع بلدي وفخور إني مصري وبمثل ثقافتها وتاريخها    الصور الكاملة لحفل «واما» بعد تألقهم ب الساحل الشمالي في عيد الأضحى 2025    نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2025 ب الجيزة ب رقم الجلوس (رابط رسمي)    بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    حقك لازم يرجع.. وزير الزراعة يزور مسؤول حماية الأراضي المعتدى عليه ب سوهاج    مباراة السعودية وأستراليا في تصفيات كأس العالم 2026.. الموعد والقنوات الناقلة    ذكريات كأس العالم!    اليوم، عودة البنوك والبورصة للعمل بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى المبارك    وفد من أمانة حزب مستقبل وطن بالدقهلية يقدم العزاء لأسرة البطل خالد شوقي عبدالعال    خاص| الدبيكي: نعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية العاملين من المخاطر البيولوجية    ماكرون: الحصار المفروض على دخول المساعدات إلى غزة "فاضح"    القبض على صاحب مطعم شهير بالمنيا بعد تسمم أكثر من 40 شخصًا    «الأرصاد منعتنا من النزول.. وشركة المقاولات حفرت لوحدها».. اعترافات المتهم الخامس في قضية انفجار خط الغاز ب طريق الواحات (خاص)    ترامب: إيران ستشارك في مفاوضات المحتجزين في غزة.. وسنرى ما سيحدث    استشهاد 3 مسعفين وصحفيا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    بعد مفاجأة زفافهم ب اليونان.. من هو أحمد زعتر زوج أمينة خليل؟ (صور)    تامر عاشور يشيد بزوجته نانسي نور: قوية وحنونة وتتفهم طبيعة حياتي    حفلين خلال 48 ساعة.. محمد عبده وهاني فرحات يحطمان الأرقام القياسية    الخارجية الإيرانية تعلن موعد الجولة المقبلة من المفاوضات مع واشنطن حول البرنامج النووى    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    رافاييل فيكي يدخل دائرة ترشيحات الزمالك لتولي القيادة الفنية    دوناروما: علاقتنا مع سباليتي تجاوزت حدود كرة القدم.. والمدرب الجديد سيحدد موقفي من شارة القيادة    إمام عاشور: لماذا لا نحلم بالفوز بكأس العالم للأندية؟ نحن أيضًا نملك النجوم والتاريخ    ب"شورت قصير".. أحدث جلسة تصوير جريئة ل دينا فؤاد والجمهور يعلق    ما حكم الشرع في بيع لحوم الأضاحي.. دار الإفتاء توضح    انقلاب سيارة مواد بترولية بطريق السويس ونجاة السائق    وزير الصحة الأمريكي يُقيل اللجنة الاستشارية للقاحات    أجواء مشحونة بالشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 10 يونيو    حاكم كاليفورنيا ينتقد قرار ترامب بنشر المارينز ويصفه ب "المختل"    خط دفاع تحميك من سرطان القولون.. 5 أطعمة غنية بالألياف أبرزها التفاح    سباليتي يعترف: من العدل أن أرحل عن تدريب منتخب إيطاليا    فريق واما يحيي حفلا غنائيا في بورتو السخنة ضمن احتفالات عيد الأضحى    مأساة على شاطئ بقبق بمطروح.. مصرع 10 مصريين وأفارقة في رحلة هجرة غير شرعية قادمة من ليبيا    إجراء 2600 جلسة غسيل كلوي خلال إجازة عيد الأضحى بمحافظة قنا    استقبال 13108 حالة طوارئ بالمستشفيات خلال عيد الأضحى بالمنوفية    أسعار الفراخ والبيض ب الأسواق اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    كيفية إثبات المهنة وتغيير محل الإقامة ب الرقم القومي وجواز السفر    سعر الحديد والأسمنت ب سوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    برلمانية: مصر تستعد للاستحقاقات النيابية وسط تحديات وتوترات إقليمية كبيرة    موعد أول إجازة رسمية بعد عيد الأضحى المبارك .. تعرف عليها    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ميني باص على صحراوي قنا    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسخرة أندورا الفلسطينية
نشر في اليوم السابع يوم 25 - 06 - 2009

جرب مثلى أن تبحث عنها فى أى مكان أو فى أى وقت، لن تجد لها أو عنها أى سيرة بامتداد العصر كله، اسمها «أندورا»، وقد جاء اهتمامى بها بعد أن ذكرت مصادر صحفية إسرائيلية أن بنيامين نيتانياهو رئيس حكومة إسرائيل، وقع فى غرامها فجأة، تحضيراً لخطابه الذى سيرد به على خطاب سابق للرئيس الأمريكى باراك أوباما بالقاهرة، ودعا فيه - ضمن أشياء أخرى - إلى قيام دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل، وإلى وقف الاستيطان الإسرائيلى.
بعد الرجوع إلى عدة ملفات ومراجع، عثرت أخيراً على ما أريده من معلومات عنها، «أندورا» هى إمارة صغيرة مساحتها 181 ميلاً مربعاً، يعنى لا يستطيع المرء رؤيتها على خريطة إلا بميكروسكوب، وهى تقع فى جنوب غرب أوروبا، حيث تجاورها فرنسا شمالا وإسبانيا جنوبا، اقتصادها يعتمد على السياحة والرعى، وغير مسموح لها بوجود جيش للدفاع عنها.. حيث تتولى فرنسا وإسبانيا تلك المسئولية باسمها، وهى ليست لها أى سياسة خارجية بالرغم من أنها على الورق عضو بمنظمة الأمم المتحدة بصفتها دولة مستقلة، رأسها برأس ال 192 دولة أخرى الأعضاء.
تلك بحد ذاتها إحدى الحيل التى لفقتها السياسات الدولية فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، مع حفنة أخرى من الدول التى تدخرها لتكون موقعا لغسل الأموال، أو ملاذا عابرا لعصابات المافيا، أو حتى مجرد صوت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، تستخدمه لحسابها كلما ناسبها ذلك، تماماً مثل باربادوس (166 ميلاً مربعاً) فى المحيط الأطلنطى ودومينيكا وجزر مارشال فى البحر الكاريبى، وميكرونيزيا فى المحيط الباسيفيكى، والأخيرة لم نسمع باسمها إلا فى مرة أو مرتين بمناسبة التصويت على قرار فى الجمعية العامة، يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث لم يعترض على القرار سوى إسرائيل وأمريكا وميكرونيزيا.
والمناسبة التى جعلت اسم «أندورا» يتردد مؤخرا، هى الاهتمام المفاجئ بها من بنيامين نيتانياهو رئيس حكومة إسرائيل، على اعتبار أنه فى حالة قبوله بقيام دولة فلسطينية ضمن «حل الدولتين» الذى جددت الإدارة الأمريكية طرحه.. فإن رئيس وزراء إسرائيل يشترط الأخذ بنموذج «أندورا» فى الحالة الفلسطينية، يعنى.. دولة فلسطينية بلا سياسة خارجية، ولا جيش، ولا سيادة، إنما تصبح مجرد دولة.. على الورق.
رئيس الحكومة الإسرائيلية طلب من إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما مهلة عشرة أيام، حتى يعطى تصوره لنوع التسوية التى يقبل بها للقضية الفلسطينية، هو أعلن ذلك فعلا يوم 14/6/2009 فى خطاب عبأ له مسبقا كل أجهزته الدعائية ترويجا له ك «رجل سلام»، واستباقا للطرح المتكامل الذى قد تعلنه الإدارة الأمريكية خلال أسابيع قليلة، الخيار الأول لدى رئيس حكومة إسرائيل هو رفض قيام دولة فلسطينية، فإذا لم يكن هناك مفر من قيامها.. إذن فلتصبح على نموذج «أندورا» بغير أن يذكر هذا الاسم تحديداً فى خطابه، دولة فلسطينية لها علم ونشيد وطنى ونقاط حدودية.. لكن بلا جيش ولا سيادة ولا حتى مراكز لتحصيل الرسوم الجمركية.. حيث ستتولى إسرائيل ذلك باسمها.. وربما بمشاركة شكلية من الأردن بالنسبة للضفة الغربية ومصر بالنسبة لقطاع غزة.
هذا إذن زمن التلفيق والتحايل والحلول البهلوانية التى شهدنا منها الكثير فى حكومة نيتانياهو الأولى (1996/1999) بهدف استهلاك الوقت لحساب خلق وقائع جديدة تجعل حل الدولة الفلسطينية يتآكل يوما بعد يوم.. إما من داخلها أو من خلال التوسع فى المستوطنات الإسرائيلية.. أو بكليهما معاً.
الرئيس الأمريكى باراك أوباما جدد الدعوة إلى قيام دولة فلسطينية ضمن حل الدولتين، وهى دعوة سبقه إليها الرئيس السابق جورج بوش فى سنة 2002، بل إن جورج بوش حتى وضع تاريخاً محدداً لقيام تلك الدولة الفلسطينية هو سنة 2005، أولا ثم تأجل إلى سنة 2008، وها هو جورج بوش قد غادر البيت الأبيض بغير أن يصدق فى الدعوة أو التواريخ المعلنة لقيامها، كل ما حدث على الأرض هو المزيد والمزيد من الاستيطان الإسرائيلى، والأمر هنا لا يتعلق بيمين أو يسار فى الخريطة السياسية الإسرائيلية، فحسب التقارير الإسرائيلية ذاتها، فإن التوسع فى المستوطنات خلال السنوات الثلاث التى قضتها فى السلطة الحكومة السابقة برئاسة إيهود أولمرت، شهدت ازدهاراً غير مسبوق فى ظل الحكومات السابقة، حيث زاد عدد المستوطنين فى الضفة الغربية (عدا القدس) بخمسين ألفاً، أى عشرين بالمائة.
وحينما أعلن الرئيس الأمريكى باراك أوباما ضرورة تجميد الاستيطان الإسرائيلى، وألح على ذلك مبعوثه جورج ميتشل، لم يرفض رئيس وزراء إسرائيل صراحة، وإنما استعاد أسلوبه المعتاد من التحايل، قائلا إنه ربما يزيل «البؤر الاستيطانية» التى جرت إقامتها بشكل «غير شرعى».. لكنه لا يستطيع منع النمو الطبيعى فى المستوطنات الأخرى.
بل إن وزير خارجيته أفيجدور ليبرمان، كان من التبجح بحيث وقف فى واشنطون فى مؤتمر صحفى مشترك مع هيلارى كلينتون، ليزعم أن لدى إسرائيل تفاهمات رسمية مع الإدارة الأمريكية السابقة بالسماح لإسرائيل بالبناء فى الحدود الحالية للمستوطنات. لكن وزيرة الخارجية الأمريكية ردت بقولها: لا وجود لأى اتفاق رسمى أو خطى عن المستوطنات يمكن تنفيذه.. وقد تم التحقق من ذلك فى الأرشيف الرسمى للإدارة ومن أشخاص كانوا مسئولين فى تلك الفترة.
لكن بالعودة إلى أيام قليلة قبلها، أى إلى خطاب نيتانياهو فى 14/6/2009 ويطرح فيه رؤية حكومته بشأن التسوية مع الفلسطينيين، فقد كان من أبرز من استشارهم فى صياغة أفكاره شيمون بيريز، ليس بصفته رئيسا لإسرائيل، بقدر ما اشتهر به من صياغات مراوغة تضع السم فى العسل.
فى خطابه لم يكن أمام نيتانياهو من مفر سوى قبول ما طرحه الرئيس الأمريكى أوباما من «حل الدولتين» كعنوان عريض، بعدها تجىء السموم... والخوازيق.
على الفلسطينيين القبول بشكل قاطع لا رجعة فيه، بأن إسرائيل «دولة للشعب اليهودى».. وإسرائيل من حقها أن تكون لها حدود قابلة للدفاع عنها.. و«القدس يجب أن تبقى العاصمة الموحدة لإسرائيل».. وإسرائيل لن تكون طرفا فى حل مشكلة اللاجئين (الفلسطينيين) فعلى هؤلاء أن يحلوا مشكلتهم بعيدا عن إسرائيل.. و.. و.. و.. حينئذ قال الكلمات التى ادعى أنه قاوم النطق بها لوقت طويل: «سنكون مستعدين فى معاهدة سلام مستقبلا للتوصل إلى حل، حيث توجد دولة فلسطينية منزوعة السلاح جنبا إلى جنب مع الدولة اليهودية».
تلك الدولة ستكون بلا جيش ولا سيطرة على مجالها الجوى ولا حتى مياهها الجوفية، وغير مسموح لها بإبرام معاهدات ولا تحالفات وبالعموم لن يكون مسموحا بأن تكون لها أى من مظاهر السيادة أو السياسة الخارجية، أما بالنسبة لأراضيها وحدودها فهذا يظل رهنا بعملية تفاوضية يمكن استئنافها بين الطرفين.
خيال رئيس الحكومة الإسرائيلية قبل خطابه فى 14/6/2009، بدأ بغرامه بنموذج إمارة «أندورا»، لكنه فى خطابه طرح ما هو أقل كثيرا.. حتى من نموذج «أندورا»، طرح عمليا محمية إسرائيلية تتشكل من شظايا متفرقة من الأرض، يتم تلفيق عنوان «دولة فلسطين» لها.. فى كرم وسخاء يستحق نيتانياهو التصفيق من أجله، وحينما لم يحدث ذلك، خرج نيتانياهو فى برنامج تليفزيونى أمريكى شاكيا بقوله: إنه يشعر بالإحباط إزاء رد الفعل السلبى على الصعيد العربى لخطابه، مضيفا قوله: إننى محبط لأننى اتخذت خطوة ليست بالسهلة..!.
ولأول وهلة قفز إلى ذهنى عنوان مبدئى لهذا الذى يجرى: هذه شعوذة سياسية من الصنف الردىء، لكننى وجدت صحيفة أمريكية هى «بوسطون جلوب» تختار عنوانا لمقالها الافتتاحى هو «شعوذة نيتانياهو».. لكى تخلص فى النهاية بأن ما يجرى ليس أقل من ألاعيب يمارسها رئيس حكومة إسرائيل.
الجريدة الأمريكية لم تكتب ذلك، لأنها تؤمن بالقضية الفلسطينية أو لأنها معادية لإسرائيل، فقط راعها تبجح نيتانياهو، فأرادت كشف حقيقة ألعابه البهلوانية فى تلك القضية السياسية، كذلك فعل جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكى فى إدارة جورج بوش الأب، حينما أصدر قراراً بمنع بنيامين نيتانياهو من دخول مبنى وزارة الخارجية الأمريكية فى واشنطون، وقتها كان نيتانياهو سفيرا لإسرائيل فى الأمم المتحدة.
لكن الزمن دار.. وأصبح المذكور رئيساً منتخباً لحكومة إسرائيل، وأصبح أيضا قادرا على انتحال عنوان السلام لخطاب يعرض فيه قبوله من حيث المبدأ لقيام دولة فلسطينية، دولة بعلم ونشيد وسلطة، لا يتحرك رئيسها حتى بين مدينة فلسطينية وأخرى إلا بإذن مسبق من الاحتلال الإسرائيلى، لكن إسرائيل، كرما وسخاء، تسمح له بانتحال اسم رئيس دولة.
وتبقى المسألة كلها - من قبل ومن بعد - مسخرة فى مسخرة، إنها مسخرة «أندورا» الفلسطينية.. من قبل حتى أن نتأمل فى الجوانب الأكثر خطورة من تلك المسخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.