قد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادى تعليم فاضت أركانه وملت جنباته من الشكوى (طلاب ومدرسون ومسئولون)، وكان بقاء الحال، كما هو عليه قد أصبح سياسة عامة واجبة الاستمرار، فلم يطرأ تغيير ولا حركت ثورة وضربت مواطن فساد أو حتى اقتصت من إرث يزيد فى الثقل لا يقل. أشد الضرر وأوضحه فى وسط سيناء مدارسها الرثة التى إن نظرت إليها فى الوهلة الأولى تبادر ذهنك أنها مدرسة للأشباح، وليست كالمتعارف عليها من حيث المقومات المدرسية التى توجد فى باقى المدارس، وعدم آدمية الفصول ومبان خراسانية آيلة للسقوط وإذا نظرت إليها من الخارج رأيت السور الخارجى لا وجود له فهى بلا أسوار ولا أبواب ولا شبابيك تقى الطلاب شر برد الشتاء الشديد، ونظرا لطبيعة الجو والمناخ بمدن الوسط (الحسنة ونخل) ترى فصول السنة الأربع باليوم الدراسى الواحد مناخا لا يتحمله كبار لا نبت صغير يصبو ليكبر وينتمى ويحب ويعطى ناهيك عن بعد المسافات بال50 كيلو مترا على أقل تقدير بين البيوت الموزعة والمدرسة المزمعة، وهذا على أقل تقدير، لذلك فنسب الغياب تزيد بالطبع عن المتوسط العام بباقى المحافظة. أما عن المعامل فلا أصل لها البتة ليتم تطبيق ما تعلمه التلميذ عمليا كغيره، وكذلك مناهل المعرفة (المكتبات) لا أثر للتزود أو الاطلاع، ونحن فى زمن الآى باد الذى أصبح أهم وسائل التدريب بالخارج. عن الملاعب الرياضية التى من المفترض أن يمارس فيها الطلاب الأنشطة الرياضية المختلفة فهى لا وجود لها لا تخطيطيا ولا حتى مستقبلا، وهذا بشكل سريع ومختصر دون الدخول فى هوة ما هو مرجو وبين ما هو واقع جلى لا لبس فيه ولا تأويل لمبالغة فرضها الواقع للأسف. الخطر الأكبر هو خطوط كهرباء الضغط العالى التى تمر أعلى رءوس الصغار وهو موت بطىء كما هو معلوم طبيا. أى تعليم هذا الذى يبدأ بتكفير النشئ تدريجيا ومن الرعيل بالمعرفة ثم مرورا بالمرحلة الإعدادية التى هى البوتقة المحورية للعملية التعليمية. لم أشأ أن أذكر التعليم الثانوى والجامعى، فهو رفاهية لا تتوافر إلا فى مدن غير مدن الوسط، وهو ما سأشير إليه لاحقا. ملحوظ أيضا أن هنالك فصولا من خلال الجهود الذاتية وحجرات لا تستوعب أكثر من 20 طالبا، فالمدرسة ما هى إلا مساحة فضاء لا تعرف هيئة الأبنية التعليمية أى إحلال أو تجديد لها منذ إنشائها. مدرسو الحاسب الآلى يقرون بأنه يتم حتى الآن تدريس المادة نظريا حيث لا يوجد أى جهاز حاسب آلى بالمدرسة، وقد خاطبوا المدير والمدير خاطب من هو أعلى منه فى التسلسل الوظيفى وهكذا وهكذا بلا أى نتيجة. ملَّ الجميع من البيروقراطية فى ملف التعليم والقنوط هو الخوف الأكبر، فبعد أن كان الجميع يخاطب ويشتكى ويراسل وينتظر أصبح دربا من دروب الخيل أن تتكلم فى مسلمات فى نظر الفاعلين والمعنيين على أمر التعليم هناك. بعد كل ما ذكرت فبالطبع يصبح اللجوء للدروس الخصوصية لا مناص منه وحل ونتيجة لفتور رغبة المعلم الذى يعانى مثل الطالب، وعلى سبيل الذكر رواتب هزيلة، ولا وجود لبدلات ولا محفزات للوجود بمناطق خطرة بمعان كثيرة وصعبة المعيشة. لا أنسى أن أذكر للإنصاف أن العاملين الإداريين فى التربية والتعليم يتم معاملتهم بشكل إقصائى، ويخصم منهم بند الإثابة بأثر رجعى وهذا التمييز بين العاملين والمعلمين فى الكادر وغيره يحدث أثرا نفسيا على الإدارى، ما يؤثر على العملية التعليمية برمتها. أختم ببشائر عن ثمار مساعى حول التعليم الأزهرى قد تحدث فارقا لو تؤتى ثمارها سريعا فقط أفلح إن صدق مزاعم الطرح، وما هو لم يتم اعتماده. سيناء تستحق أن نجعلها باكورة النقلة المرجوة فى المنظومة لو أردنا لا أن يتاجر بها المستثمرون، وتجار التعليم الجدد فى شكل جامعات خاصة يطلق عليها أهلية، وكأن الشعب غبى ولا يعى الفرق. أن يخرج قرار رئاسى قبل الثورة لمستثمر بشىء ثم يصدر للعامة بشىء ثم يجدونه بشىء ثالث آخر، فهو- بالتأكيد- خروج عن كل ما هو مقبول، ولا يمكن أن يبنى تعليما، فلسان حال الجميع أنقذوا التعليم أو فضوها سيرة.