بعيداً عن الجدل والاستغلال السياسي.. كيف يرى الشيشانيون محمد صلاح؟

مرتان، التقى خلالهم رئيس جمهورية الشيشان "رمضان قاديروف"، محمد صلاح نجم المنتخب الوطني ولاعب نادي ليفربول الإنجليزي، خلال مدة إقامة المنتخب في العاصمة الشيشانية جروزني، لمشاركته في فعاليات كأس العالم 2018، ما فتح بابا للانتقادات الغربية لصلاح بسبب صوره مع قاديروف المتهم بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان.
في المرة الأولى حضر قاديروف تدريب المنتخب قبل مباراة مصر والأوروجواي واصحب صلاح الذي كان يتعافى من إصابته في سيارته الخاصة، وفي الثانية استقبل الرئيس الشيشاني صلاح وبعثة المنتخب في حفل عشاء خاص بعد مباراة روسيا التي خسرتها مصر بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد.
ومنح الرئيس صلاح أعلى وسام في جمهورية الشيشان "حق المواطنة الفخرية الشيشانية"، لتنفجر عاصفة من الجدل على المستوى المحلي والدولي وتتحدث صحف غربية عن سعي قاديروف لاستغلال صلاح سياسيًا. وسرعان ما تصاعد الموقف مع خروج صحف أجنبية لتقول إن النجم المصري يشعر بحزن وغضب، ويفكر في اعتزال اللعب الدولي. لكن بعيدا عن الجدل الإعلامي والسياسي، كيف يرى الشيشانيون محمد صلاح؟
"محمد صلاح سوبر، شخص كويس جداً" قالتها "تاتيانا" - المواطنة الشيشانية - بحماس كبير عند حديثها عن نجم ليفربول وهداف الدوري الإنجليزي، ورغم أن صاحبة ال 23 عامًا "ملهاش في الكورة" كما يصفها زوجها المصري "بلال" إلا أنها تتابع بشغف أخبار "مو صلاح" وتعرف عنه الكثير "لحد الحاجات اللي بيعملها في مصر، بقى عندها حب استطلاع تعرف إزاي هو في الفترة القصيرة دي قدر يخلي الناس كلها في العالم تحبه".
الجمعة الماضية، هرولت "تَاتيَانا" صوب زوجها - الذي يكبرها بعامين ويعمل بأحد المهن الحرة بالعاصمة الروسية موسكو - بسعادة كبيرة أخبرته بأن رئيس موطنها "الشيشان" رمضان قاديروف منح نجم الريدز وسام المواطنة الفخرية الشيشانية "هي اللي قالتلي على الخبر".
"تقديرا لما يقدمه في أوروبا وكونه خير سفير للعالم العربي والإسلامي في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم"، لهذا السبب منح الرئيس الشيشاني أعلى وسام في دولته، وكتب "قاديروف" عبر قناته الرسمية على تطبيق تليجرام: "محمد صلاح موطن فخر لجمهورية الشيشان. نعم هذا صحيح! وقعت مرسومًا هذه الليلة بمنح لاعب كرة القدم العظيم ولاعب المنتخب المصري وليفربول هذه الجائزة الكبرى".
وتحدثت الشابة الشيشانية مع زوجها - الذي ارتبطت به قبل 4 سنوات - عن معرفتها بمنح "قاديروف" الوسام ذاته لأحد الأعلام المصرية منذ عامين، لكنها لم تعرف اسمه "تقصد شيخ الأزهر اللي حصل على الوسام منذ عامين" يقول بلال.
كان الرئيس الشيشاني منح شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، أعلى وسام في الشيشان تقديرا لجهوده في نشر الوسطية والسلام في زيارته للعاصمة جروزني، في أغسطس 2016 والتي شهدت افتتاح مسجد الحاج "يوسف القلقشندي" شمال العاصمة الشيشانية جروزني.
وقبل ذلك، أخبرت ابنة الشيشان - الحاصلة على شهادة مُحاسبة من إحدى الجامعات الروسية بمدينة كراسنادار - زوجها باحتفال أبناء بلدها العاملين بفندق إقامة المنتخب في "جروزني" بعيد ميلاد صلاح وإعدادهم كعكة كبيرة له مزيَّنة بألوان عَلم مصر وبمجسم للحذاء الذهبي، وشاهدا الصور معًا.
وَلع كبير بالنجم المصري تَولد في نفس "تَاتيَانا" كما أبناء موطنها الشيشان، بدأ منذ سطوع نجمه كلاعب دولي وتألقه في صفوف ليفربول، شَغفت الفتاة الشيشانية - التي انتقلت قبل سنوات رفقة أسرتها إلى موسكو - بالبحث عن أخباره وطريقة حياته "هي تعرفه من قبل الوسام اللي خده من رئيس الشيشان" وفقاً لزوجها الذي يعيش معها في روسيا منذ 7 سنوات.
ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" استقبال "قاديروف" لبعثة المنتخب المصري قائلة: "رئيس الشيشان توجه إلى الملعب عند وصول منتخب الفراعنة للتدريب، وغادر لكنه عاد مرة أخرى مع صلاح أمام 8 آلاف مشجع وتحت أنظار وسائل الإعلام، وكان يرفع ذراع صلاح كما لو كان يتوج بطلا للملاكمة".
ووقتما كان الفراعنة يواجهون الدب الروسي في المباراة التي جمعتهما الثلاثاء الماضي، كانت "تاتيانا" تُشجع المنتخب المصري ضد أبناء شعبها من الروس "عشان محمد صلاح مش إن زوجي مصري" تروي "تَاتيَانا".
تعتبر الشيشان إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، وتبعد نحو 1,000 ميل جنوباً من العاصمة الروسية "موسكو"، وانفصلت عن الاتحاد السوفيتي بعد تفككه في أوائل التسعينات، ويبلغ عدد سكان الشيشان نحو مليون نسمة ويدين معظمهم بالإسلام.
بين صفوف المُشجعين، داخل ملعب كريستوفسكى بمدينة سانت بطرسبرج الروسية، كان الشاب الشيشاني "عبد الرحمن" يهتف بحماس باسم الفراعنة في المباراة التي جمعتهم أمام الدب الروسي "لما خرج الفريق المصري للملعب فرحنا كلنا وكنا بنصرخ مصر.. مصر"، بينما اشتعلت الهتافات والتشجيع مع ظهور نجم ليفربول "لما خرج صلاح الأصوات كان أعلى وأقوى وقعدنا نهتف صلاح.. صلاح".
فشل الفراعنة في التأهل للدور التالي من منافسات كأس العالم 2018 المقام فى روسيا، حيث تأكد بشكل رسمى خروجها بعدما اهتزت شباك الفراعنة ثلاث مرات أمام روسيا، في اللقاء الذي جمعهما الثلاثاء، قبل أن يقلص الفارق محمد صلاح نجم بإحرازه هدفا من نقطة الجزاء، وقبلها خسر المنتخب الوطني بهدف دون رد من الأوروجواي.
لم يكن "بلال" زوج "تاتيانا"، يعرف "صلاح"، منذ نحو عام أصبح اسم الفرعون المصري مليء السمع والبصر في الشيشان "عرفته من كتر مالناس بتتكلم عليه هنا"، تتناقل أخباره ألسن الشيشانيين، يعتبرونه أسطورة "في الشيشان أي حاجة تخص محمد صلاح بتفرحهم". يذكر أن أصدقاءه ومعارفه من أبناء الشيشان كانوا يشجعون المنتخب المصري بسبب عشقهم لنجم ليفربول "ودي حاجة مسمعنهاش في حد قبل كده، نعمة القبول دي بتبقى من عند ربنا".
قبل انضمام "البطل مو" إلى صفوف الريدز، لم يكن "عبد الرحمن" - ابن ال24 ربيعًا - يُشجع النادي الإنجليزي، إلا أنه غيّر اتجاهه الكروي حُبًا في اللاعب الدولي، وحذا حذوه أبناء الدولة الأسيوية "كل الشيشانيين بيحبوا صلاح وبيشجعوا ليفربول عشانه"، يتوقون إلى نجاحه في استكمال ميرته البطولية وحصد المزيد من الألقاب والجوائز "كل شيشاني بيتمنى أن صلاح يحصل على الكرة الذهبية في العام القادم".
يفخر "بلال" بحب الشيشانيين لصلاح، يتعجب بعض الأحيان من تلك الشعبية الجارفة التي لم يحصل عليها سواه، بحكم إقامته بالبلد الأسيوي يحاول أن يحلل الظاهرة، يرى فيها أبعد من كونه نجم كرة قدم محترف وموهوب "هما بطبعهم حبوه عشان شافوا فيه أخلاق المسلمين، راح عاش في مجتمع أجنبي بس البيئة الأوربية مغيرتوش، إنسان نشر رسالة جميلة جداً عن العرب والمسلمين".
عن مصر، لا تعرف "تَاتيَانا" الكثير قبل صلاح، تعدد بعض الشخصيات المصرية المعروفة التي تعشقها "محمد أبوتريكة والشيخ عبد الباسط عبد الصمد". وعندما تزور بعثات أو شخصيات مصرية دولة الشيشان، يذهب "بلال" إلى زوجته ويخبرها بمدى حفاوة استقبال أبناء بلدها للفراعنة "بحب أفرجها عندهم في الشيشان بيستقبلونا إزاي".
طوال 7 سنوات عاشها "بلال" في العاصمة الروسية "موسكو"، يذكر أنه لاحظ أن صورة الروسيين والشيشانيين عن مصر والعالم العربي أنهم دول تمتلئ بداعش والإرهاب والفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين "لكن صلاح غير صورة المسلمين ومصر قدامهم"، يقول إنه يشعر بفخر عندما يعرفون أنه مصري "بيقولولي انت من بلد محمد صلاح".
يأمل "بلال" أن يتم استغلال الشعبية الكبيرة لهداف الدوري الإنجليزي في روسيا وآسيا الوسطى "واثق إنه لو عملوا كتاب عن محمد صلاح هيبقى الإقبال على شرائه كتير أوي"، ويتحدث "عبد الرحمن" عن تعلق قلوب مواطني بلده الشيشان بالفرعون المصري "أعرف واحد من قريتنا في جروزني يتمنى أن يلتقي صلاح مرة واحدة".
اتهامات بالاستغلال السياسي وجهت إلى اتحاد الكرة بسبب اختيار عاصمة الشيشان لإقامة معسكر المنتخب، لكن أحمد مجاهد المتحدث الرسمي باسم البعثة رفضها وقال إن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" وضع جروزني ضمن 4 خيارات أخرى، وأن المدير الفني وحده هو من قام باختيار مقر الإقامة، لعدة اعتبارات.