عقل المباراة .. عودة حقبة الواقع

في تحليلات عقل المباراة .. رحلة داخل عقول المديرين الفنيين لكلا الفريقين ونجتهد لإبراز النواحي التكتيكية المتخصصة التي كانت موجودة في المباراة ونضيف عليها ما كان يجب أن يكون متواجدا حتي تصل كرة القدم بشكلها المتخصص داخل عقل القارئ.
وصل الريال للنهائي بطريقة ربما هي الأروع في تاريخه.. بأداء الأكثر اتزانا بين الدفاع والهجوم .. بإقصاء حامل اللقب يدربه شخص يحمل علي عاتقه فكرة الكرة الهجومية الشاملة داخل وخارج الديار وهو ما أدي به إلي الاحتراق وهو ما يعيدنا إلي حقبة الواقع ..أقصد عقد التسعينات.
قبل عشرين عاما كان برشلونة هو ملك الكرة الهجومية يواجه ميلان بتكتيكات كابيللو الدفاعية وفي النهاية فاز كابيللو باللقب وبرباعية ساحقة في أسهل نهائي أوربي . الذكري السيئة التي طاردت جوارديولا كلاعب عادت معه كمدرب أمام مدرب ينتمي لنفس المدرسة الإيطالية.
الفوز برباعية ليس هو المهم ..المهم هو طريقة إدارة أنشيلوتي للمباراتين ..بل لكل مباريات الذهاب والعودة باستثناء مباراة بروسيا في سيجنال إيدونا بارك .. كارلو لا يهاجم باندفاع ويعرف ما ذا يفعل عندما يمتلك الكرة حتي وهو قريبا من مرمي كاسياس ..ورغم هذا أؤكد أن كارلو يعرف كيف يبدأ المباراة ولكنه لا يعرف كيف يعود إليها إذا تأخر وتلك مشكلة أنشيلوتي الحقيقية
سيناريو اللقاء
بدأ جوارديولا المباراة بالتكتيك الأفضل 4-2-3-1 .. ألابا ودانتي وبواتنج ولام في الدفاع أمامهم كروس وشفاينستيجر ثم الثلاثي روبن وريبري ومولر خلف رأس الحربة مانذوكيتش.
في المقابل لعب أنشيلوتي 4-4-1-1 ..كاربخال وراموس وبيبي وكوينتراو في الدفاع أمامهم مودرتش وألونسو وفي الاطراف بيل ودي ماريا خلف الثنائي رونالدو وبنزيمة.
جوارديولا أختار الأفضل تكتيكيا ولكن إختيار كروس في منتصف الملعب بجوار شفايني كان سيئا ..كنت أفضل تواجد مارتينز الأكثر دفاعية في ظل الاعتماد صراحة علي جبهتين ..البايرن قدم أداء جيدا في العشر دقائق الأولي وذلك للتالي.
نعود قليلا لمباراة الذهاب ..طالبت بأنه لو أعتمد بيبي علي لام في مركز الظهير الأيمن لا بد أن يغير التكتيك من 4-3-3 إلي 4-2-3-1 والفارق الطفيف هنا سأحاول توضحيه باختصار ..في 4-3-3 الاعتماد أكثر علي Regista ( لام ) وهو يمتلك قدره عاليه علي التمرير ولكن في حالة تواجده كظهير يصبح ضرورة تواجد لاعبين من عينة مارتينيز وشفايني في عمق الوسط لتأمين الانطلاقات من الجانبين وهو ما لم يتواجد في كروس.
لم أجد دورا محددا لمانذوكيتش سوي العراك مع بيبي وراموس في حالة الاحتكاكات بين لاعبي الفريقين مما أفقد البايرن رأس الحربة ..إضافة علي عدم إتقان البايرن لفكرة ( تحول خطة اللعب ) ..كان ضروريا إرسال ثلاثة كرات عرضية بشكل صريح مع تسديدة من خارج المنطقة ..أشياء يمكنك بها إدخال الريال في منطقة أن البايرن متغير.
مشكلة البايرن الحقيقة كانت أنهم يفكرون ماذا سيفعلون بالكرة وهم لا يمتلكونها .. ففي الهدفين الاول والثاني كان المدافعين أقرب للأرض من الهواء مع أن اللعبتين هوائيتين.
لا يمكن أبدا أن ألوم انشيلوتي علي اختياراته التكتيكية ..عصر الواقع يقول أنك تحاول استغلال إمكانيات لاعبيك وتحويلها لفرص متحركة والفريق يمتلك العناصر الثلاثة ( التمرير – السرعة –القفز)
هدفين كفيلين بإنهاء المباراة بل لا أكون مبالغا لو قلت أن الهدف الأول أنهي المباراة عمليا لا لأن فرصة تسجيل ثلاثة أهداف في الريال صعبة أو مستحيلة بل بسبب أن فكر بيبي عاد مرة أخري إلي 4-3-3
شفايني يندفع لمنطقة الجزاء ..كروس يمرر ( slow motion) ولا يضغط أثناء قطع الكرة ..ريبري دخل في العمق ..كل هذا طبيعي أما الغير طبيعي فكرة الاعتماد علي مانذوكيتش كجناح أمام ألابا أثناء الدفاع ( رأيتها أكثر من مرة في مباراة الذهاب والعودة ) في ظل دخول ريبري للعمق للاستفادة من ضغط مولر القوي علي قلبي الدفاع .
طبعا لا يحتاج مودريتش سوي متنفسا بسيطا للتمرير وإستغلال ( يوسين بولت وأسافا باول ) أقصد بيل ورونالدو في إختراق المساحات ( لأن الدفاع والوسط غائبان في البايرن ).
يوجد شىء مميز ومتشابه في أداء الريال وأتليتكو وتشيلسي إنهاء الهجمة ..قد تفكر في الكلمة بإعتبار إنهاء الهجمة في الشباك ولكني لم أقصد هذا المعني بل قصدت المعني الحرفي ( إنهاء الهجمة ).
الفرق الثلاثة لا تمتلك سرعات عالية في الخط الخلفي في الدفاع ..لذلك يكون التركيز منصب علي أن يدخل هجوم الفرق الثلاثة منطقة الجزاء وتنتهي الهجمة إما بتسديدة أو بكرة عرضية إلي خارج الشباك ولا يشترط أن تكون التسديدة أو العرضية رائعة ..المهم أن أخلق الزمن الكافي للإرتداد وحتي لو حدث قطع للكرة تأتي مرحلة الاحتكاك الجسدي بين أقرب لاعب للكرة مع المنافس ليمنعه من تقديم تمريرة ..تكشف عورات الفريق الدفاعية.
إدخال مارتينيز مكان مانذوكيتش لم يكن كافيا بل كان تغييرا يدل علي أن بيب فقد السيطرة علي المباراة ..صحيح أن المانذوكيتش كان سيئا ولكن إدخال مولر كرأس حربة وحيد وتواجد ثلاثي ( شفايني –مارتينيز –كروس ) في الوسط كسر فكرة الإبداع في التيكي تاكا أو 4-3-3 ..لماذا فعل جوارديولا هذا ؟
ببساطة حاول بيب معالجة خطأ إشراك كروس في 4-2-3-1 بتحويلها إلي 4-3-3 ..حاول امتلاك خط الوسط وانت تحتاج لجرأة إستخدام التسديد أو حتي إرسال عرضيات ..المشكلة الأكبر أنه عاد لنفس خطة مباراة الذهاب التي تمرس عليها الريال جيدا فظهر البايرن أو بالأدق ظل علي اختفائه.
( والعمل يا فسواني ) السؤال الأشهر في السينما المصرية .. ماذا كان يمكن أن يفعل بيب؟ .. بعد هدف الريال الاول باتت المهمة شبه مستحيلة ..السؤال الأفضل ماذا كان يمكن أن يفعل بيب في البرنابيو .. أرح لاعبيك قليلا وأجعل المنافس يفكر كيف يخترق دفاعك بدلا من ان تترك له العشب الأخضر مجردا من اللاعبين من وسط الملعب حتي الوصول لمرمي نوير.
أخيرا سرعة التحول والوصول للمرمي من لاعبي الريال لمرمي أي منافس تنافس أسرع ديليفري في العالم ..حتي أن الجملة الأشهر في فيلم الكيف ( ينفع تفتح علي الرابع مرة واحدة ) باتت غير منطقية أمام بيل ورونالدو
للتواصل مع الكاتب على الفيس بووك