كلبان دوبرمان.. كانا السبب فى إزهاق روح نجار شاب.. وكانا السبب أيضا فى تدمير أسرة ثرية بأكملها.. النجار رحل عن الدنيا بطريقة مأساوية ، وترك خلفه أرملة شابة وطفل عمره خمس سنوات وأم ثكلى.. أما الأسرة الثرية فقد تشتت شملها، أو ضاع مستقبلها، وتحول أفرادها إلى متهمين، مطاردين من العدالة.. محقق «فيتو» رصد أحداث هذه الجريمة المثيرة التى دارت أحداثها فى حى الدقى بالجيزة فى خمسة مشاهد متتالية الصدمة المشهد الأول العاشرة مساء.. منزل متواضع بمنطقة صفط اللبن الجديدة بالجيزة، بداخله أسرة بسيطة جلس أفرادها فى قلق وترقب.. الصمت يلف المكان.. شاب فى مقتبل العمر يدخل بخطوات بطيئة.. تتعلق به كل العيون وقد أطل منها تساؤل واحد: «ماذا حدث لمصطفى؟».. اتجه مباشرة نحو الأم وهمس فى أذنها بكلمات لم يسمعها أحد.. هبت من مكانها ودخلت مع الشاب حجرة مجاورة وأغلقا الباب خلفهما.. حبس الجميع أنفاسهم.. صرخة مدوية تنطلق من الحجرة المغلقة كانت بمثابة الشرارة التى أشعلت الموقف.. انفجر الجميع فى البكاء واختلطت أصوات الصراخ والعويل فقد مات «مصطفى».. فى لحظات يزدحم المكان بالجيران والأقارب لاستطلاع الأمر.. وعلى باب المنزل وقف محقق «فيتو» يرصد ويراقب. الام اخر من يعلم المشهد الثاني الواحدة ظهرا.. داخل قسم شرطة الدقى جلس محقق فيتو مع رئيس المباحث المقدم مصطفى محفوظ يتناقشان حول جريمة قتل دارت أحداثها فى شارع الحسن.. قال الضابط: " علمت بالحادث من خلال بلاغ تلقيته من شرطة النجدة عن سقوط شاب من الطابق السابع بالعقار رقم "52".. ومن خلال معاينة الجثة اكتشفت آثار تعذيب بها.. وتوصلنا إلى ان المجنى عليه يدعى "مصطفى فتحى" عمره 82عاما ويعمل نجارا، وأنه كان يقوم ببعض الأعمال لأسرة ثرية تقيم بالطابق السادس بذات العقار، وبعد أن انتهى من عمله سرق كلبين خاصين بالأسرة فاستدرجته إلى ذات المكان بحجة انجاز بعض الأعمال الأخرى، ثم تم اقتياده إلى أعلى العقار وتعذيبه وإلقاؤه فى الشارع". سأل المحقق: "وهل ألقيتم القبض على المتهمين". أجاب الضابط: " المتهمون هم الأب يوسف حسين رزق، وابناه أحمد- طالب بكلية الهندسة-، ومصطفى –خريج أكاديمية أخبار اليوم- ونجحنا فى إلقاء القبض على طالب الهندسة ومازال الأب وابنه الآخر هاربين". قال المحقق: ماذا عن زميل المجنى عليه الذى تعرض للتعذيب معه؟ أجاب الضابط: اسمه أحمد السيد وقد حضر الى القسم وأكد أن الجناة هددوهما بالمطاوى ثم اعتدوا عليهما بالضرب المبرح ثم ألقوا زميله من أعلى السطوح وتركوه يذهب بعد إجباره على توقيع ايصالات أمانة وهددوه بالقتل إذا أخبر احداً بما حدث. قطع رئيس المباحث حديثه عندما دخل أحد أمناء الشرطة وأخبره بأن والدة المجنى عليه ترغب فى الدخول.. مال الضابط على المحقق وطلب منه ان يكون حريصا فى الحديث لأن الأم لا تعلم حتى الآن ان ابنها مات. دخلت سيدة فى العقد السادس من العمر وبلهفة شديدة سألت عن ابنها.. هدأ الضابط من روعها وبدأ يستفسر منها عن بعض المعلومات فقالت: "أنا كنت خادمة فى منزل يوسف رزق، وطلب منى ان أدله على نجار لإنجاز بعض الأعمال لديه فأرسلت ابنى مصطفى إليه ونفذ الأعمال المطلوبة، وبعد يومين اتصل به مجددا للقيام ببعض الأعمال الأخرى وفى هذه المرة لم يعد مصطفى إلى منزله وفى حوالى الثانية عشرة مساء اتصل رزق واخبرنى بان ابنى سرق كلبين ثمنهما 08 ألف جنيه وطلب منى ثمنهما وأخبرنى بأنه أبلغ الشرطة ضده.. وأنا الآن أريد أن أعرف مكان ابنى.. أجابها الضابط بأنه لا يعرف عنه شيئا ومن الممكن أن يكون محتجزا فى قسم العجوزة. أيقن المحقق انه أمام واحدة من أكثر القضايا إثارة فانطلق إلى شارع الحسن بالدقى. صرخة قتيل المشهد الثالث الرابعة عصرا.. أمام العقار «52» وقف محقق «فيتو» مع شاهد العيان مصطفى غلاش وسأله عن الحادث فقال: « فى حوالى الخامسة من مساء يوم الحادث، سمعت أصوات استغاثة أعلى سطوح العمارة.. وعندما صعدت لاستطلاع الأمر شاهدت يوسف رزق وابنيه احمد ومصطفى و3 آخرين يحتجزون شابين ويعذبونهما بكل قسوة وعنف.. سألت عن سبب هذا الاعتداء فقال لى الأب إنهما سرقا كلبين مستوردين من نوع (دوبرمان) قيمتهما 08ألف جنيه.. حاولت إقناعه بإبلاغ الشرطة ووقف عملية التعذيب ولكنه لم يستجب لنصائحى واكتفى بالنزول معى بينما واصل الباقون تعذيب الشابين، ثم أجبروهما على توقيع إيصالات أمانة على بياض".. قاطعه المحقق متسائلا عن الطريقة التى كانوا يعذبون بها الشابين، فواصل الشاهد قائلا: "الشابان كانا مقيدين بسلاسل الكلاب واستخدم الجناة صواعق كهربائية وقطعة حديدية فى تعذيبهما بالإضافة للكى بالنار والضرب المبرح فى كل مكان من جسديهما.. عدت إلى شقتى وبعد فترة قصيرة سمعت الناس فى الشارع يتحدثون عن قتيل سقط من أعلى العمارة.. نزلت لاستطلاع الأمر فوجدته أحد الشابين المعذبين فوق السطوح". يواصل المحقق بحثه عن تفاصيل الحادث المثيرة ويلتقى بحارس العمارة المقابلة للعمارة التى شهدت الواقعة ويدعى رامى سأله عما شاهده فقال:ارة أمام أعيننا جميعا.. تجمعنا حول الجثة فى محاولة لمعرفة صاحبها ثم جاء يوسف رزق وتقدم نحو المصاب وراح يركله بقدميه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يقول: " كلب وراح.. شكله حرامى" ثم اختفى هو وأسرته من المنطقة.. امتلأت نفس المحقق حسرة وألما وهو يتحدث مع شاهدة عيان أخرى من الجيران تدعى منال العيسوى قالت: " شقتى تقابل السطح الذى تم فيه تعذيب الشابين، وشاهدت ما يحدث لهما أن الكلاب المسروقة كانت مصدر إزعاج للجميع فقد كانت لا تكف عن النباح ليل نهار، وحدثت مشاكل كثيرة بين أسرة يوسف رزق والجيران بسببها. المشهد الرابع: فتش عن الكلام الخامسة مساء.. اكتفى المحقق بما حصل عليه من معلومات على لسان الشهود وقرر التجول فى مسرح الجريمة والتقاط عدة صور له وللأدوات المستخدمة فى التعذيب.. يبدأ جولته أسفل العقار وتحديدا من المكان الذى سقط فيه القتيل والتقط صورا لآثار الدماء على الأرض.. يصعد إلى السطح ليصور أدوات الجريمة ومنها أداة حديدية والجوانتى الذى كان الجناة يرتدونه أثناء تعذيب المجنى عليهما، ثم بيوت الكلاب سبب الجريمة. المشهد الخامس: مبروكة المنكوبة العاشرة والنصف مساء.. عندما انطلقت صرخات الأم والزوجة إثر علمهما بنبأ مقتل مصطفى كان المحقق يستعد لدخول منزل الأسرة المنكوبة.. وقف على الباب يرصد هذه اللحظات الصادمة.. وبعد نصف ساعة تقريبا دخل المنزل وعرف الجميع بنفسه.. اقترب من الأم نادية نصار وحاول أن يهدئ من روعها ولكنها كانت فى حالة انهيار تام.. ومن بين دموعها وصرخاتها قالت: "كان قلبى حاسس إن مصطفى مات..أقول إيه؟ وبماذا يفيد الكلام الآن؟ منهم لله اللى قتلوه وحرموا ابنه من حنانه ورعايته"، ثم انفجرت فى بكاء مرير أدمى قلوب كل الحاضرين. بجوار الأم كانت زوجة المجنى عليه "مبروكة" هى الأخرى فى حالة انهيار تام.. وراحت تصرخ وتلطم خديها وهى تبكى زوجها.. وبصعوبة بالغة تحدثت مع المحقق قائلة: " مصطفى ذهب لمنزل القتلة بحسن نية ولم يكن يعلم أنهم يخططون لقتله، وهو لم يسرق منهم شيئا ولم نر معه أية كلاب وإذا كان قد سرق فهل من المعقول أن يذهب إليهم بقدميه مرة أخرى؟ وهنا غلبها البكاء ولم تستطع مواصلة الحديث. أما والد القتيل فقد عقدت الصدمة لسانه فلم ينطق بكلمة. بينما أجمع الحاضرون من الجيران على أن مصطفى كان حسن الخلق ومحبوبا من الجميع ولم يتسبب فى مشاكل مع أحد.. ترك المحقق الأسرة المنكوبة فى أحزانها وانصرف ومن خلفه تعالت أصوات النواح والعويل.