ناقلا توقا إلى الأعماق.. حاملا برقا جديدا.. مسحورا بالفن ومسكونا بالسؤال يلتقى مفكر واكاديمى مصرى لامع شغل منصب الوزير مع "فتاة هايدلبرج الأمريكية" فيما تبدو هذه الرواية وكأنها "النداء المجهول الذى لم يكن بمقدور الفنان داخل الدكتور احمد جمال الدين موسى سوى تلبيته لأنه نداء الابداع للذات المبدعة..نداء الفن للفنان"!. والدكتور احمد جمال الدين موسى الذى ولد فى الثامن والعشرين من مايو عام 1951 فى "المقاطعة" من اعمال السنبلاوين بمحافظة الدقهلية شغل منصب وزير التربية والتعليم والتعليم العالى ثلاث مرات وهو مفكر سياسى واقتصادى واستاذ للاقتصاد والمالية العامة بكلية الحقوق فى جامعة المنصورة. وان كانت هذه الرواية الجديدة مفاجآة سعيدة فى الحياة الثقافية المصرية فان مبعث المفاجأة ان الدكتور احمد جمال الدين موسى لم يعرف من قبل كقاص او روائى وانما ذاع صيته كمفكر واكاديمى وصاحب طروحات عميقة فى الاقتصاد والسياسة والثقافة بعيدا عن السرد الروائى وعالم الحكى والحكائين. ولعل النظرة الفاحصة لكتابات احمد جمال الدين موسى تكشف عن سر النقلة الجديدة فى مسيرته الثقافية وظهور هذه الرواية التى تحمل الكثير من الافكار الهامة خاصة على صعيد العلاقة الاشكالية بين الشرق والغرب. فبين العطاء الثقافى والأكاديمى الثرى لأحمد جمال الدين وكتبه فى الاصلاح المؤسسى والاقتصاد والنظريات والنظم النقدية وبحوثه عن افاق التعليم العالى وتطويره وتمويل التنمية والخصخصة والبيئة ومقالاته عن الدولة الرخوة والاصلاح الحقيقى والجمود والتجديد وابن خلدون ومصير العولمة يمكن للعين الفاحصة ان تلتقط مقالا له نشر فى جريدة الاهرام عام 2006عن "عطاء نجيب محفوظ ومسئوليات الجيل المعاصر". ولعل ولع موسى بنجيب محفوظ وعالمه يومىء لعالم خفى داخل الأكاديمى والمسؤول هو عالم الفن بندائه الذى لايلبيه سوى الفنان..انه النداء المجهول الذى لايملك المبدع سوى ان يلبيه وحاسة الفنان التى تبرق فى روح وعقل الأكاديمى اللامع والوزير السابق فاذا به يسبح فى لحظة عبقرية يصعب تشخيصها بين امواج بحر الابداع بعيدا عن ارض الفكر والبحث الأكاديمى وان استمد منها مددا معرفيا هاما للابداع. وهاهو يذكر نجيب محفوظ فى روايته جنبا الى جنب مع احسان عبد القدوس ويوسف ادريس ويشير الى صورته المعلقة فى مقهى الفيشاوى لتضفى على الحضور جو رواياته الخلاب واحداثها التى جرت فى الشوارع المحيطة بالحسين وخان الخليلى وبقية احياء القاهرة الفاطمية. رهان جديد من رهانات الكتابة لمثقف موسوعى بحق تعددت اهتماماته فيما يفوز الرهان الجديد لأن العمل ببساطة يحقق المتعة للقارىء وهذا اهم شروط الحكى. ويحمل هذا العمل الابداعى بعضا من صفات صاحبه رغم ان بطل الرواية دارس للفيزياء لا القانون.. وكبطل الرواية "اسامة زايد" فان الدكتور احمد جمال الدين لاينتمى لأى تنظيم أو حزب أو تيار سياسى فهو لم يكن يوما من الاخوان المسلمين او الناصريين او الماركسيين او الحزب الوطنى البائد كما انه لم يكن ابدا فى موقعه الوزارى على هوى سدنة النظام السابق ولم يستمر طويلا فى اول منصب وزارى حمل فيه حقيبة التربية والتعليم.