وصف أحد ضباط الحملة الفرنسية، معركة الجمالية التي شارك فيها فقال: «لما وصلنا البحر تجاه الجمالية فوجئت السفن التي كانت تنقل الجنود بعاصفة من الأحجار والرصاص انهالت من أسوار البلدة وبيوتها».. ارتبطت محافظة الدقهلية بعدة معارك شهدت انتصارات على الصليبيين والفرنسيين، وكأن قدر الدقهلية خوض المعارك لتنتصر فيها وترد الأعداء، حتى إن المصريين عندما أسروا لويس التاسع في المنصورة، وحبسوه في دار ابن لقمان أخذ المصريون يرددون أتيت مصر تبتغي ملكها.. تحسب أن الزمر ياطبل ريح.. فقل لهم إن أزمعوا عودة.. لآخذ ثأر أو لفعل قبيح.. دار ابن لقمان على حالها.. والقيد باق والطواشي صبيح"، فقد كان لويس أسيرا في دار ابن لقمان ودفع الفدية وخرج من سجنه بعد هزيمته في موقعة المنصورة، وخرج منكس الرأس، وكان سجانه يسمي "طواشي" وأخذ المصريون يرددون هذا الشعر لجمال الدين ابن مطروح. وتم أسر ملك فرنسا لويس التاسع في معركة المنصورة، على يد أبطال المماليك البحرية الأتراك بقيادة بيبرس البندقداري التركي، وقد تم أسره في بيت ابن لقمان، الواقع حاليًا بشارع بورسعيد، وتم فك أسره بعد أن دفعت امرأته الفدية. كانت الفكرة السائدة في أوربا منذ أواسط القرن الثاني عشر الميلادي أن مصر ما دامت على قوتها وبأسها فلا سبيل إلى نجاح الحملات الصليبية، واسترداد بيت المقدس من المسلمين، الذين نجحوا في استعادته من الصليبين مرة ثانية على يد الملك الصالح أيوب. كان هذا هو السبب الذي أدى إلى قيام الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع على مصر، تلك الحملة التي استعد لها الغرب بالتنسيق بين البابا انوسنت الرابع والملك الفرنسي لويس التاسع، وشهد مجمع ليون الديني الدعوة لها سنة 1248 ميلادية. أما معركة دنديط في 23 أغسطس 1798 فكانت بين الحملة الفرنسية والأهالي بمركز ميت غمر، وأصدر نابليون أوامره إلى قومندان القليوبية الجنرال مورات لمعاونة دوجا في إخضاع إقليم المنصورة، فانتقل من بنها إلى ميت غمر في أواخر أغسطس سنة 1798. وفى وحشية المستعمر هاجم الجنرال "مورات" بلدة «دنديط» -التابعة ل مركز ميت غمر- التي وجهت إليها تهمة الاشتراك في واقعة المنصورة واستباح جنوده القرية، وانزلوا بها وبأهلها الخراب والدمار في سبتمبر من نفس العام، ولم يستسلم أهالي "دنديط" لهذا الإرهاب، بل قاوموا الفرنسيين مقاومة شديدة، وكانت من المفاجآت التي لم يكن يتوقعها المحتل، فاضطر نابليون بونابرت لإصدار أوامره للجنرال (لانوس) بمساعدة الجنرال "مورات" على إخماد هذه الثورة والقضاء على مقاومة أهالي دنديط. ووضع الجنرال خطته الحربية لمهاجمة الأبطال في دنديط، وتولى "مورات" قيادة الميمنة و"لانوس" الميسرة وسارا لمهاجمة الثوار في معاقلهم، لكن السير كان متعذرا، لأن الثوار قطعوا جسور الترع فغمرت المياه الأراضي، ما عرقل تقدم هذه الحملة، وتقهقر الثوار إلى قرية «ميت الفروماى» وهناك قاوموا الفرنسيين مستعينين بمدفعين اثنين، ثم تركوا القرية إلى التلال المجاورة، وأخذوا في مقاومة الفرنسيين بدرجة أجبرتهم على الارتداد إلى ميت غمر. ولم تعد الثورة مقصورة على دنديط وحدها، لكنها امتدت في سرعة البرق إلى مختلف البلاد، وكانت كلما أخمدت في جهة ظهرت في جهة أخرى بشكل أشد وأقوى وعن هذا قال مؤرخ الحملة الفرنسية "ريبو": كان الجنود يعملون على إخماد الثورة بإطلاق الرصاص على الفلاحين وفرض الغرامات على البلاد لإخماد الثورة التي كانت كحية ذات مائة رأس كلما أخمدها السيف والنار في ناحية ظهرت في ناحية أخرى أقوى وأشد مما كانت، فكانت تعظم ويتسع مداها كلما ارتحلت من بلد إلى أخرى. وانتشرت الثورة إلى كل جهات المديرية، واشتدت في بلاد البحر الصغير التي تقع بين المنصورة وبحيرة المنزلة، ما أقلق بونابرت وأفزعه، وكانت خطته تقوم على تأمين المواصلات بين المنصورة والصالحية وبلبيس، حتى يطمئن على حدود ممر الشرقية، وكتب للجنرال "دوجا" عدة رسائل تظهر اهتمامه بهذا القطاع الثائر. أما المنزلة فقد امتدت الثورة في أنحائها، لظهور جماعة من زعماء الأهالي يحرضون الناس على مقاومة الفرنسيين، وقد برز من بينهم، في تقارير القادة الفرنسيين، حسن طوبار شيخ بلدة المنزلة كزعيم وخصم عنيد لا يستهان به، ومدبر لحركات المقاومة لإقليم المنزلة، وسبب متاعب كثيرة للفرنسيين. وكتب "ريبو" يصف سكان هذه المناطق بقوله: إن مديرية المنصورة التي كانت مسرحًا للاضطرابات، تتصل ببحيرة المنزلة، وهى بحيرة كبيرة تقع بين دمياط وبيلوز القديمة، والجهات المجاورة لهذه البحيرة وكذلك الجزر التي يسكنها قوم أشداء ذوو نخوة، ولهم جلد وصبر، وهم أشد بأسًا وقوة من سائر المصريين. بدأت الحملة الفرنسية تتحرك على البحر الصغير من المنصورة يوم 16 سبتمبر 1798 بقيادة الجنرالين "داماس" و"وستنج" اللذين أنقذهما الجنرال "دوجا" وزودهما بالتعليمات التي يجب اتباعها، وفى هذه التعليمات صورة حية لحالة البلاد النفسية ومكانة الشيخ "حسن طوبار". وتحرك الجنرال على رأس جنوده، وساروا بالبحر الصغير على ظهر السفن فأرسوا ليلًا على مقربة من (منية محلة دمنة)، وشعر أهالي المنية باقتراب الحملة فأخلوا بلدتهم، وكلف الجنرال "داماس" مشايخ بعض القرى المجاورة إبلاغ أهالي القريتين العودة إلى ديارهم، ولن تنالهم القوة بشر إذا دفعوا الضرائب المفروضة عليهم. وهناك افترق القائدان، فرجع الجنرال "وستنج" إلى المنصورة، ومضى "داماس" إلى المنزلة لإخضاعها، ومعه من الجنود أكثر من ثلاثمائة جندي بأسلحتهم وذخيرتهم غير أن الجنرال "دوجا" وجد أن هذا العدد من الجند ليس في مقدوره القضاء على مقاومة المنزلة مما دفعه لطلب المدد من "داماس". وبعد محاولات عدة فاشلة، لم يتمكن الفرنسيون من اقتحام البلدة العنيدة، لتظل المنزلة في ذاكرة قادة الحملة الفرنسية، وقد ذكروا المنزلة في كثير من مذكراتهم مقترنة باسم "حسن طوبار" المجاهد العظيم. أما الجمالية وتاريخها النضالي فظهر في الحملة الفرنسية، حيث كان نابليون مهتمًا بإخضاع بلاد البحر الصغير الكائنة بين المنصورة وبحيرة المنزلة لتأمين المواصلات بين دمياطوالمنصورة والصالحية وبلبيس، حتى يطمئن على سيطرته على حدود مصر الشرقية. وقصدت الحملة مدينة الجمالية، فوحلت السفن الفرنسية في البحر الصغير من قلة المياه، انتهر أهالي الجمالية الفرصة فهاجموا السفن الفرنسية وأطلقوا عليها النار وأمطروها بوابل من الحجارة من أعلى سور بلدتهم، ونزل الجنود الفرنسيين من السفن وحاربوا الأهالي برًا ثم أحرقوا المدينة وعادوا إلى المنصورة بجثث قتلاهم وجرحاهم، وكان ذلك عام 1798. وقدرت خسائر الفرنسيين في هذه المعركة بخمسة قتلى وخمسة عشر جريحًا، وانتهت معركة الجمالية بحرق البلدة. ووصف أحد ضباط الحملة الفرنسية - في تقريره- معركة الجمالية التي اشترك فيها، فقال: لما وصلنا البحر تجاه الجمالية -وهى قرية كبيرة قوية على الشاطئ الغربى من البحر الصغير- فوجئت السفن التي كانت تنقل الجنود بعاصفة من الأحجار والرصاص، انهالت من أسوار البلدة وبيوتها، وفى الوقت نفسه، رأينا جموعا من العرب والمماليك والفلاحين مسلحين بالبنادق والسيوف والعصى، وقدر الضابط خسائر الفرنسيين في هذه المعركة بخمسة قتلى وخمسة عشر جريحا، وقدرت خسائر الأهالي بخمسمائة وانتهت المعركة بحرق البلدة".