"أيها المواطنون فى هذه الظروف العصبية التى تمر بها البلاد قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شئون البلاد والله الموفق والمستعان".. كان هذا نص خطاب تنحي الرئيس الأسبق "مبارك"، وتلاه اللواء عمر سليمان في 11 فبراير 2011، حينها استنشق ثوار التحرير نسمات الحرية، وبدأوا في سرد أحلامهم الوردية في غد مصري مشرق يسوده "العدالة والحرية والكرامة الإنسانية". لم تدم تلك الأحلام طويلًا، وبدأت الكوابيس تشق طريقها إلى فراش شباب الثورة، فشعارهم سرقه الإخوان، وأحلامهم تبخرت على يد كل من أراد أن يهدئ من ثورة الشارع المصري فأدخل كل رموز "مبارك" السجون دون قضايا مشفوعة بأسانيد ودلائل واضحة وموثقة، ما كانت نتائجه بعد ذلك ما سمي ب"مهرجان البراءة للجميع". وكان حبيب العادلى وزير الداخلية - خلال ثورة يناير- أبرز أركان دولة مبارك ورموز نظامه المقدمة للعدالة، بالإضافة إلى قيادات وضباط وجنود شرطة بتهمة قتل المتظاهرين خلال ال18 يوما من أحداث الثورة فى جميع محافظات الجمهورية، فقضت المحاكم بتبرئة كل المتهمين باستثناء حسني مبارك وحبيب العادلي و12 ضابطًا حكم عليهم بالسجن مع إيقاف التنفيذ، واستند القضاة في حيثيات أحكام البراءات إلى عدم كفاية الأدلة، وعدم ثبوت الجريمة، وتضارب أقوال الشهود. وبعد شهر واحد ووسط المطالب بالقصاص لدم الشهداء؛ وإعادة المحاكمات صدر أول حكم في قضية الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين فى ثورة 25 يناير، ببراءة 4 ضباط وأمين شرطة من قسم السيدة زينب، وفى 26 يناير 2012، قضت محكمة جنايات شمال القاهرة، ببراءة النقيب إسلام سعيد حافظ الضابط بقسم شرطة عين شمس، من تهمة قتل المتظاهرين. وفى 24 من مارس 2012، قضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار حسن حسانين، ببراءة الرائد وائل مجدى محمد عرفان معاون مباحث قسم الشرابية، من تهمة قتل المتظاهرين، والنقيب عبد العزيز علاء الدين الحامولى معاون مباحث قسم الوايلى المتهم بالشروع فى قتل مجدى صبحى وآخرين من المتظاهرين السلميين أمام ديوان قسم شرطة الوايلى فى 29 من يناير 2011. وفى 17 من مايو 2012، قضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار حامد حسانين، ببراءة 7 ضباط و7 أمناء شرطة من تهمة قتل المتظاهرين أمام قسمى شرطة المرج وشبرا يوم 28 يناير 2011؛ وفى 22 من مايو 2012، أصدرت محكمة جنايات الجيزة أحكاما فى قضية قتل 6 من المتظاهرين وإصابة 17 آخرين بمحافظة الجيزة، وتحديدا أمام أقسام شرطة بولاق الدكرور، وأبو النمرس، والحوامدية، ومركز الجيزة، والبدرشين؛ تتراوح بين السجن المشدد 10 سنوات على خمسة من الضباط وأمناء الشرطة بالجيزة، وسنة مع إيقاف التنفيذ على اثنين منهم، والبراءة ل10 من الضباط والأمناء. كما قضت محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار عصام خشبة، التى انعقدت بالتجمع الخامس، ببراءة 13 ضابطا وأمين شرطة بقسمى شرطة إمبابة وكرداسة، من تهمة قتل 6 من المتظاهرين والشروع فى قتل 18 آخرين أثناء التظاهرات السلمية التى اندلعت يوم 28 يناير 2011. وفى 2 يونيو 2012، حكمت محكمة الجنايات المختصة بقضية قتل المتظاهرين التى عرفت إعلاميا ب«محكمة القرن» المتهم فيها الرئيس المخلوع ونجلاه علاء وجمال مبارك، ووزير داخليته اللواء حبيب العادلى، وستة من كبار مساعديه فى وزارة الداخلية؛ بالسجن المؤبد على المتهم الأول (حسنى مبارك) وإلزامه بالمصاريف الإدارية؛ لمسئوليته عن قتل المتظاهرين، كما حكم على وزير الداخلية اللواء حبيب العادلى بالسجن المؤبد وبراءة كل من: (جمال وعلاء مبارك، وإسماعيل الشاعر ، وأسامة المراسى، وعمر الفرماوى ، وأحمد رمزى، وحسن عبد الرحمن، وعدلى فايد مدير مصلحة الأمن العام). وفى 14 يونيو 2012، قضت محكمة المنصورة برئاسة المستشار أبو النصر عثمان، ببراءة جميع المتهمين بقتل المتظاهرين بمحافظة الدقهلية. وفى 3 يوليو 2012، قضت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار مصطفى الكومى، حكمها ببراءة علاء عبد الرازق، وحازم الخولى ضابطى الشرطة بقسم الزاوية الحمراء، ومحمد السنى أمين الشرطة؛ فى قضيتى قتل المتظاهرين أمام القسم فى 28 من يناير 2011. أما 9 سبتمبر 2012، قضت محكمة جنايات بورسعيد برئاسة المستشار صبحى عبد المجيد، ببراءة 4 متهمين فى قضية قتل متظاهرى بورسعيد خلال أحداث ثورة 25 يناير؛ وفى 6 نوفمبر من العام نفسه، قضت محكمة جنايات شبرا الخيمة برئاسة المستشار رضا البندارى، ببراءة اللواء فاروق لاشين مدير أمن القليوبية و3 لواءات آخرين من التهم المنسوبة لهم، وكان قد سبق للنيابة أن أسندت إلى المتهمين تهم القتل والشروع فى قتل المتظاهرين بطريق الاتفاق والمساعدة خلال أحداث ثورة 25 يناير؛ وذلك فى ضوء ما انتهت إليه تحقيقات النيابة . ووسط الغليان في الأوساط الثورية من تلك البراءات كانت الطامة الكبرى في 10 أكتوبر 2012، بعد أن حكمت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار مصطفى حسن عبد الله؛ ببراءة جميع المتهمين فى قضية الاعتداء على المتظاهرين بميدان التحرير يومى 2 و3 فبراير 2011 المعروفة ب«موقعة الجمل»؛ فأصيب المصريون بخيبة أمل في قصاص عادل لشهداء الثورة، وقضى ذلك الحكم على آخر آمالهم . وفى 22 نوفمبر 2012، قضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد محمود الشوربجى، ببراءة كل من: الضابط أحمد مصطفى الشاذلى، وأمين الشرطة خالد أبوريد بقسم شرطة الدرب الأحمر؛ من تهمة قتل 5 متظاهرين وإصابة 7 آخرين أمام قسم الدرب الأحمر فى 28 يناير. وفي 29 من نفس الشهر، قضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار بشير عبد العال، التى انعقدت بالتجمع الخامس؛ ببراءة المتهمين جميعا فى قضية قتل متظاهرى دار السلام، المتهم فيها 4 ضباط شرطة و4 أمناء بقسم دار السلام؛ وقضت برفض الدعاوى المدنية، وألزمت رافعيها بالمصاريف الجنائية فى اتهامهم بقتل 3 متظاهرين والشروع فى قتل آخرين، أمام القسم فى أحداث "جمعة الغضب". وفى الأول من ديسمبر 2012، قضت محكمة جنايات السويس، خلال جلستها التى عقدتها برئاسة المستشار على رشدى؛ ببراءة سيد محمد ربيع الشهير ب«هوجان» أمين الشرطة بقسم الأربعين، الذى اتهم بقتل المتظاهرين بالسويس إبان ثورة 25 يناير من داخل سيارة إسعاف، كما قضت المحكمة ببراءة جميع المتهمين بقتل المتظاهرين بالسويس. وفى 4 ديسمبر 2012، قضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار مكرم عواد، التى انعقدت بالتجمع الخامس، ببراءة النقيب محمد زكريا حسن معاون مباحث قسم شرطة مصر القديمة المتهم بقتل أحد المتظاهرين أثناء أحداث ثورة 25 يناير، والصادر ضده حكم غيابى بإدانته بالسجن 15 سنة فى القضية نفسها. كما قضت محكمة جنايات الإسكندرية ببراءة «محمود عبد العليم محمود» المتهم الخامس فى قضية مقتل "سيد بلال" الذى تم اعتقاله، للتحقيق معه فى تفجير كنيسة القديسين، ولا تزال قضايا قتل المتظاهرين بالإسكندرية والشرقية في انتظار النطق بالحكم فيهما في يناير القادم. ولم يكن العام 2013 بأفضل من سابقه لثوار يناير، فمع بدايات الشهر وتحديدًا في 13 يناير قضت محكمة النقض برئاسة المستشار أحمد علي عبد الرحمن النائب الأول لرئيس محكمة النقض بإلغاء كافة الأحكام الصادرة من محكمة جنايات القاهرة سواء بالإدانة أو البراءة في قضية الرئيس السابق حسني مبارك وجميع من معه من متهمين وإعادة محاكمتهم جميعا من جديد أمام إحدى دوائر محكمة جنايات القاهرة غير التي أصدرت حكمها بالإدانة. وفى 14 يناير 2013، وقبل الذكرى الثانية لثورة يناير بأحد عشر يومًا برأت محكمة جنايات بنى سويف التى عُقدت بمجمع محاكم المنيا، برئاسة المستشار محمد موسى سيد؛ أفراد الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين فى ثورة 25 يناير؛ لعدم كفاية الأدلة. وفي بداية فبراير 2013 قضت المحكمة بإعادة محاكمة زكريا عزمى، رئيس ديوان مبارك والذى كان يدير الدولة بشكل فعلى طيلة السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك على الأقل، بعد أن أدين بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة الكسب غير المشروع، وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى الأسبق. وقررت محكمة جنايات القاهرة إخلاء سبيله بضمان محل إقامته على ذمة القضية المتهم فيها بإهدار المال العام لصالح نجله أشرف، كما قضت محكمة النقض، برئاسة المستشار حسين الجيزاوى، بإلغاء حكم محكمة جنايات الإسماعيلية الصادر بمعاقبة وزير الزراعة السابق أمين أباظة ورجل الأعمال عمرو منسى، بالسجن المشدد ثلاث سنوات، لاتهامهما بالاستيلاء على أراضى الدولة بسيناء. كما قررت جنايات الجيزة إخلاء سبيل يوسف والى، وزير الزراعة الأسبق، بعدما أصدرت محكمة النقض حكمها بإعادة محاكمته وإلغاء الحكم الصادر بحقه بإدانته بالسجن عشر سنوات فى قضية أرض جزيرة البياضية، كما أخلى سبيل رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد، الذى كان قد حكم عليه فى نفس القضية بالسجن المشدد عشر سنوات، وأخلى سبيل وزير الطيران الأسبق إبراهيم مناع وزوجته من سراى النيابة بعدما قاما برد الشاليهات التى حصلا عليها من جمعية الطيارين بدون وجه حق. أما محكمة جنايات الجيزة، فقد فأصدرت حكماً برفع التحفظ عن أموال رجل الأعمال محمد فريد خميس، ومحافظ السويس الأسبق محمد سيف الدين أحمد، عقب قيامهما بسداد الأموال المستحقة عليهما بعدما قاما عام 1976 بشراء حق الانتفاع لقطعة أرض مساحتها 826 ألف متر مربع بالعين السخنة نظير 3 قروش للمتر المربع تتم زيادتها إلى 105 قروش ولم يقوما بالسداد. وفي 12 يونيو أصدرت محكمة جنايات جنوبالقاهرة حكمها ببراءة حسن عبد الرحمن رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق و40 من قيادات جهاز أمن الدولة المنحل والمتهمين بفرم وحرق وإتلاف مستندات الجهاز في أعقاب ثورة 25 يناير. واليوم الخميس "19 ديسمبر" وبعد شوط طويل من المحاكمة والتأجيلات قضت محكمة جنايات شمال القاهرة، المنعقدة بأكايمية الشرطة، برئاسة المستشار محمد عامر جادو، وعضوية المستشارين علي النمر وجمال رجب رفاعي وسكرتارية محمد جبر ومحمد عوض، ببراءة الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق، وعلاء وجمال مبارك، نجلي الرئيس الأسبق، من تهمة تسهيل الاستيلاء على مساحة 40 ألف متر من أراضي منطقة البحيرات المرة بمحافظة الإسماعيلية والمخصصة لجمعية الضباط الطيارين، والمعروفة إعلاميا بقضية "أرض الطيارين". أحداث تلو أحداث، وأحكام تلو أحكام، تؤكد القول بأن ثورة يناير لم تكن إلا "فوتو شوب"، وأن الدم المصري سيظل رخيصًا وسنعيش أبد الدهر نتحدث عن القصاص دون رؤية لتحقيقه على أرض الواقع، فالضحايا كثر والفاعل سيظل مجهولًا .