ظهر اليورو قبل الموعد المخطط له بسنوات، إذ كان الساسة يأملون في وحدة سياسية أوربية أولا قبل الوحدة النقدية. اليوم، أضحت العملة حقيقة والوحدة السياسية بقيت حلما لم يتحقق بعد. فهل سيقضي غيابها على اليورو؟ لم يكن هيلموت كول، المستشار الألماني الأسبق، يرغب في اعتماد عملة أوربية موحدة داخل المنطقة الأوربية قبل تحقيق وحدة سياسية متكاملة في أوربا. لكنه لم ينجح في فرض موقفه هذا، وذلك "عن حق"، كما يقول ميشائيل هوتهير، رئيس المعهد الاقتصادي الألماني في مدينة كولونيا، محددا الأسباب في غياب رأي عام أوربي وتمرير القرارات ديمقراطيا. ومع مرور الوقت، لم يحقق مشروع الوحدة السياسية لدول الاتحاد الأوربي أي تقدم يذكر، على الأقل "بشكل يطابق المعنى اللفظي لكلمة الاتحاد"، حسب الخبير الألماني. مصير اليورو من جهته، نفى أولريش كاتير مدير ديكابنك Dekabank أن يكون اليورو اليوم عاجزا عن تمويل نفسه بنفسه. وقال في حوار مع DW: "مصير العملة الموحدة لا تحدده الوحدة السياسية، على الأقل في المرحلة الراهنة، وإنما الوحدة المالية شريطة وجود نظام نقدي صلب"؛ مضيفا: "في الولاياتالمتحدةالأمريكية كما في ألمانيا، هناك توزيع مالي بين الولايات والحكومة الفيدرالية بمعدل أربعين مقابل ستين. كذلك الأمر في سويسرا. ومهمة المؤسسات المالية المركزية تكمن في تعديل الاختلال في التوازن المالي". ويقول كاتير، إن "السؤال الذي يؤرق الرأي العام الألماني اليوم يتمحور حول ما إذا كان ضروريا إنقاذ المؤسسات البنكية من قبل الدولة، وليس عن مصدر الأموال، وهل ستؤخذ من الولايات الجنوبية أم الشرقية أم من غيرها؟".على المستوى الأوربي، الأمر يختلف تماما. فالمؤسسات المالية المتواجدة في العاصمة البلجيكية بروكسيل، لا تقدم سوى 3،5 من الميزانية الأوربية العامة، فيما توفر الدول الأعضاء باقي المبلغ. وقد أظهرت الأزمة المالية العالمية أن الأسواق الأوربية ليست بمنأى عن الأزمة. وعلى ضوء ذلك، حاول الساسة الأوربيون إيجاد مخرج بدءا من إنقاذ المصارف وصولا إلى إنشاء صندوق الإنقاذ المالي الأوربي. وإذا ما تقطعت السبل يمكن اللجوء أيضا إلى البنك المركزي الأوربي، كمؤسسة عليا بسقف ميزانية غير محدد. وهو ما أدى إلى تهدئة الأسواق المالية والتقليل من حدة أزمة الديون السيادية. سيناريوهات محتملة بيد أن مدير ديكابنك، انتقد كل هذه الإجراءات، معتبرا أنها "فاقدة للشرعية" وتحاول "تقليد" صلاحيات بنك مركزي (في أي مكان آخر في العالم). كما أنه توقع تطور الأمور في اتجاهين. الأول قد يفضي إلى مركزية حقيقية، ومن ثم إلى تقوية الوحدة الأوربية وإسناد المزيد من الصلاحيات للمؤسسات المالية المركزية، ما سيضمن بقاء الدول الأوربية تحت مظلة الاتحاد الأوربي. وهذا سيعزز أيضا عجلة إصلاح النظم الاقتصادية للدول الأعضاء ويدعم مبدأ التنافس في المقابل، يقول كاتير: قد يؤدي السيناريو الثاني إلى القضاء على الوحدة الأوربية. وذلك عبر خطر تخلي الدول الأعضاء عن القيام بإصلاحات. وهذا ما أكده ميشائيل هوتهر أيضا، مستندا على نتائج مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي الكبير بين اتحاد الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي: "فعندما لا يقوم الفاعل الرئيسي، كما توصف ألمانيا داخل الاتحاد الأوربي، بإصلاحات في الوقت الذي تطالب فيه الآخرين بذلك، فإن مشاكل كبيرة ستتبلور"؛ مضيفا أن "البلدان الأوربية الأخرى تريد هي أيضا الاسترخاء والتراجع، آملة في أن يقوم البنك المركزي الأوربي بجميع المهام". وإذا تطورت الأمور وفق هذا المنحى، فإن الناخب الأوربي سيصوت حتما ضد المركزية وضد العملة الموحدة. وهكذا ستتهاوى المنظومة الأوربية كبيت من ورق، ما سيكلف ميزانيات ضخمة، حسب أولريش كاتير. ويؤكد الخبير على ضرورة تركيز السياسة على أشكال التواصل بين الدول الأعضاء ويضيف: "وإذا ما تمّ التوصل إلى قرار إنهاء الاندماج السياسي، فيجب التفكير في طرق بديلة لإنهاء مشروع العملة الموحدة، لأن هذا المشروع لا يمكنه أن ينجح دون حد أدنى من الاندماج السياسي". هذا المحتوى من موقع دوتش فيل ضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل