يعيشون فوق الأرض إلا أنهم يتمنون اليوم الذى ينامون فيه إلى جانب جيرانهم في السكن؛ إنهم سكان مقابر النصر بمنطقة الجمالية؛ فهم أموات يعيشون فوق الأرض؛ يبحثون في الثرى عن لقمة تسد جوعهم، وشربة ماء تروي عطشهم. فدموع البشر الذين سكنوا المقابر تكاد لا تتوقف لعدم قدرتهم على شراء شقة تأويهم شر الزمان؛ يعيشون حياة لا يذوقون فيها سوى طعم الموت مع أرواح وأشباح الموتى فى المقابر، يستيقظون على منظر القبور الصماء وينامون بأحلامها المرعبة، لا يسمعون سوى صمت الموتى أو صراخ أقاربهم، كل شىء فى حياتهم يعبر عن الموت الذى يحاصرهم، ابتسامة الأطفال اختفت وأصبحت باهتة بأحلام مليئة بالرعب والخوف وسط رفات الموتى مع هموم عميقة أكبر من أعمارهم، هؤلاء الذين نسيتهم الحكومات المتعاقبة. قاطنو مقابر باب النصر الذين يعيشون على مساحة 24 فدانا ويعيش بداخلها أكثر من 2000 مواطن، وتقسم إلى 42 تجمعا سكنيا... مساكنهم تشبه المقبرة مكانها فوق الأرض بها سرير ومرتبة وبوتوجاز وتليفزيون، ومصدر الكهرباء فيها سلك مسحوب من أحد أعمدة الإنارة؛ رائحة الموتى تنتشر في المكان الذى وجد فيه بعض الأطفال ملاذهم للعب واللهو. أحلامهم لا تتجاوز أربعة جدران خارج المدافن وقسطا قليلا من التعليم أو وظيفة فى أدنى درجات السلم الاجتماعى، أو حتى مجرد طبخة تحتوى على قطعة من اللحم ولو مرة كل شهر. إحدى ساكنات المقابر حكت ل"فيتو" معاناة الأسر التى تتجاوز ال2000 أسرة تعيش في المنقطة قائلة والدموع تسيل في عينيها إن طعامنا هو الكفاف الذي لا يتعدى البطاطس والباذنجان والفول؛ أما عن اللحمة فأهالي المنطقة لا يعرفون عنها شيئا. وأكدت أنه ليس فقط الأموات من يتقاسمون معهم السكن في المنطقة بل إن الحشرات والفئرات والسحالي شركاء لهم في السكن؛ مشيرة إلى أن الشعارات التى رفعتها الثورة عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية لم تصل إلى المقابر بعد قائلة: "الثورة ليها ناس وناس"؛ في إشارة إلى المستفيدين من الثورة وحصلوا على الكراسي وتناسوا الغلابة. وعن دور الجهات التنفيذية؛ المتمثلة في محافظة القاهرة؛ فأشارت إلى أنها لا تسأل عنهم؛ وإذا ما فكر المحافظ أن يأتي إلى المنطقة فيكون ذلك من أجل التقاط الصور فقط، مرددة: "المحافظ بييجي يتصور معانا ويمشي".