لستُ فقيها ولا فيلسوفا أحلل وأناقش وأنقد وأعارض، إنما أنا مواطن لا يحس شيئا فى هذه البلاد إلا انتماءه إليها، لذلك لا يجد المواطن من يرسل إليه رسالة إلا سيادة الرئيس، فهو الذى يدير أمور البلاد ويعلق عليه الناس آمالهم، وهو المسئول عن الدابة إذا عثرت، والمواطن أولى من الدواب. لقد أفقتُ بعد اعتلائك عرش البلاد فوجدتك تجوب البلاد شرقا وغربا، رأيتك فى المصانع مع العاملين تناقش مشاكلهم، وتتناول طعامك البسيط معهم، ووعدتهم أن لهم نسبة من هامش الأرباح، فقمتَ وقاموا، وسرعان ما هدرت المصانع ليكثر الإنتاج، وتوحد العمال مع الآلات، ولم أجد إضرابات أو اعتصامات. رأيتك تخرج إلى الطرقات تتفقد أحوال الناس، ورأيتك تأخذ بيد ذلك الكهل الذى افترش الرصيف والتحف السماء، وأنت ضارع إلى الله أن يعينك على ما ولّاك. رأيتك متفقدا الطريق بمطباته الهزلية وبالوعاته المفتوحة ومجاريه الطافحة، ويرتسم فى ذهنك سياسات القضاء على هذه المهالك المطروحة فى الطريق، وفى السكك الحديد تنظر مشكلاتها. رأيتك فى المستشفيات ترى المرضى الذين يفترشون طرقاتها والبؤس يعلوهم بجانب المرض الذى ألم بهم. رأيتك تتفقد أقسام الشرطة، تشد على أيديهم ليُؤَمِّنوا الشعب من المجرمين، وتقف حازما ضد من ينتهك آدمية المواطنين. رأيتك تزور الفلاحين فى أراضيهم، وترى حالهم، فتتركهم يضربون فئوسهم فتخرج كنوز الأرض فتصير جنة خضراء. رأيتك فى السوق ترى بيع الناس وشراءهم وتطمئن على أسعار طعامهم. وكم سعدت وأنت تعلن أنه لا قروض ولا استدانة، وأنه لن يبنى مصر إلا أبناؤها، وأنه لا زيارة لأى بلد حتى تعود مصر قوية متحدة ليكون أبناؤها سندا وظهرا لقائدهم، وعماد مجد أمتهم. ثم رأيت علم مصر يخفق ويرفرف فى كل دولة أخذت تزورها بعد ذلك، فقلت: هى دى مصر. سعدت قليلا، لكنى سرعان ما حزنت عندما علمت أن ذلك حلم يراودنى، فالبلاد يعمها الإضراب والاعتصامات، والمصانع معطلة والقوى السياسية متناحرة، والتربص بين جميع الطوائف، والسعى للانتقام من كل مخالف وقتله معنويا أو بدنيا. والرئيس بمجرد فوزه طار يطوف العالم يحدثهم عن فرص لا يرونها فى الواقع، وفوق الفرصة منحة غير مرتجعة، أو قرض هين الفائدة، أو وديعة لأجل طويل. ماذا ستفعل القروض والمنح والعمال مضربون؟ هل ستسدد مرتبات العاملين؟ فمن أين السداد والإنتاج يواجه كل المشكلات؟ ناهيك عن قطارات الموت وفلذات الأكباد التى تزهق أرواحها كل يوم تحت عجلاتها التى لا ترحم، وكأن الموت لا يصطاد إلا الفقراء. أيها الرئيس، هذه آهات مواطن مهموم، فإن رأيتها أهلا فاعمل لصالح البلاد، وإن رأيتها غثاء فلستَ أول من تضايق، فمن قبلك تضايق كاتبها، فلعلها وَهْم يريح ذلك المهموم. [email protected]