متحدث الوزراء: جاهزون لتعيين وزير بيئة جديد في التوقيت المناسب    مسؤول أمني في السويداء: إطلاق سراح المحتجزين من البدو خلال ساعات    ما أهمية عودة الحكومة السودانية إلى العاصمة من جديد؟    ليفربول سئم من ريال مدريد ويسعى للانتقام    الاتحاد السعودي يعلن انسحاب الهلال من كأس السوبر    أسامة عرابي: الأهلي سبب نجومية وسام أبو علي..وأتفق مع قرار بيعه    حفل كامل العدد.. فؤاد ومنيب نجوم ثالث سهرات صيف الأوبرا 2025    والد أنغام ينفي إصابتها بالسرطان: بنتي بخير والشائعات دي تهريج    نادية رشاد تكشف كواليس لقائها الأول مع عادل إمام: مكانش يخطر في بالي يكون زعيم الفن    تقديم 40476 خدمة طبية وعلاجية بحملة "100 يوم صحة" في الإسماعيلية    رئيس "الحرية المصري": رجال الأمن خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف والمخططات الإرهابية    برئاسة ماجي الحلواني.. "الوطنية للإعلام" تعلن تشكيل لجنة لرصد ومتابعة انتخابات الشيوخ    الخارجية الإيرانية: طهران ستعقد محادثات نووية مع قوى أوروبية الجمعة المقبلة    خلال 4 ساعات.. روسيا تسقط 43 مسيرة أوكرانية في أجواء عدد من المقاطعات    بعد فتح تحقيق ضدهم.. جنود إسرائيليون كنديون يخشون عواقب انتهاكاتهم بغزة    أمل عمار تشارك في إطلاق مشروع "مكافحة الجرائم الإلكترونية ضد النساء والفتيات"    بعد مد فترة التقديم لاختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة.. «اَخر موعد للتقديم»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. سعر الذهب اليوم الإثنين 21 يوليو 2025 بالصاغة    عبد الكريم مصطفى يشارك فى مران الإسماعيلى بعد التعافى من الإصابة    «عيب وانت بتعمل كدة لأغراض شخصية».. خالد الغندور يفاجئ أحمد شوبير برسائل نارية    الشناوي يتحدث عن صعوبة المنافسة على الدوري.. وتأثير السوشيال ميديا    «صفقة جملي».. تعليق مفاجئ من وكيل مصطفى شلبي بعد انتقاله للبنك الأهلي    التعليم تكشف حقيقة موعد إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025.. ورابط الاستعلام الرسمي    إصابة 3 سيدات من أسرة واحدة في انقلاب سيارة ملاكي أمام قرية سياحية بطريق العلمين    "شباب النواب" تثمن الضربات الاستباقية لوزارة الداخلية في دحر البؤر الإرهابية    بداية الموجة الحارة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحيطة والحذر»    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق أولى رحلات عودة السودانين إلى بلادهم غدًا    انهيار صخري يقتل عاملًا في محجر جنوب قنا    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    أسعار المانجو والخوخ والفاكهة في الأسواق اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    النائب العام يشارك في فعالية إطلاق أنشطة مشروع تعزيز قدرة الأجهزة الوطنية المعنية على التصدي للجرائم الإلكترونية    لا تأخذ كل شيء على محمل الجد.. حظ برج القوس اليوم 21 يوليو    شقيقة أحمد حلمي عن منى زكي: "بسكوتة في طريقتها ورقيقة جدا"    من «القميص الشبك» إلى «الجيب شورت».. دولاب ملابس أحمد سعد المثير للجدل (صور وفيديو)    الوعى.. الحصن الأول والأخير والسلاح الذى لا يصدأ    دعاء في جوف الليل: اللهم أجرني برحمتك واجبر بلطفك كسر قلبي    فيديو- عالم بالأوقاف يوضح حكم إقامة الأفراح وهل تتعارض مع الشرع    ما هو مقدار سكوت الإمام عقب قراءة الفاتحة في الصلاة؟.. الإفتاء توضح    نشرة منتصف الليل| خطوات حجز شقق الإسكان.. وخسائر قناة السويس خلال العامين الماضيين    تخلص من الألم من غير حرمان.. أهم الأطعمة المريحة لمرضى القولون العصبي    لأطول مدة ممكنة.. أفضل طريقة لتخزين المانجو في الفريزر    رسائل إلى الأسقف.. أوراق تكشف هموم الأقباط قبل 1400 عام    آدم كايد: حققتُ حلمي بالانضمام إلى الزمالك    غرق مركب في نهر النيل بالغربية.. إنقاذ 3 أشخاص واستمرار البحث عن مفقود    وزير الثقافة يفتتح الدورة ال18 من "المهرجان القومي للمسرح المصري" ويكرم رموز الفن المسرحي    السيطرة على حريق محدود بجوار مزلقان الرحمانية قبلي بنجع حمادي    مبعوث أمريكي: متفائلون بإمكانية التوصل إلى صفقة بين إسرائيل و"حماس"    مفوض عام (أونروا): التقاعس عن إدخال المساعدات إلى غزة "تواطؤ"    خبير سياسي: غزة تحت الحصار والجوع.. ما يحدث إبادة جماعية بسلاح التجويع|خاص    Golden View Developments تطلق مشروع "TO-GTHER".. رؤية جديدة للاستثمار العقاري المدعوم بشراكات عالمية    باسل عادل: الوعي ليس حزبًا قائمًا على التنافس الانتخابي الضيق    الشعب الجمهوري: نحيّي يقظة الداخلية ونجدد دعمنا للدولة في مواجهة الإرهاب    البنك المركزى: تعطيل العمل بالبنوك الخميس المقبل بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    مصر بخير.. نجاح أول عملية زراعة كبد لطفل عمره 14 سنة بمستشفى الناس    محافظ سوهاج يتفقد التشغيل التجريبي للمركز الطبي بحي الكوثر    أمين الفتوى: التقديم على شقق محدودي الدخل بغير وجه حق «حرام شرعاً»    محافظة القاهرة: تجهيز وإعداد المقار الانتخابية استعدادًا ل«الشيوخ»    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة خارج الزمن!
نشر في المصريون يوم 17 - 04 - 2013


حدّث سهم بن كنانة قال:
ساقني سائق الاضطرار، إلى السفر خارج الديار، فزرت بلدة اسمها عرْجان، اشتهرت بزراعة المرجان، وحضرت في يوم جمعة مجلس القاسم أبي عبد الرحمن؛ واحد دهره في الفضل والأدب. قال القاسم: هرعت اليوم إلى مسجد البلدة، مستعيناً بالله وحده، وصعد الخطيب المنبر، فحمد الله وكبّر، ثم قال: خطبتي اليوم يا قوم، عن آداب الراحة والنوم، فهجعت العيون، وساءت الظنون، بل إن بعض الحاضرين استغرق في النوم، وبعضهم نظر إلى الخطيب نظرات لوم، وذلك أن المسلمين في كرب، ويتلقون الضربات من شرق وغرب، ودماء أهلنا تجري في الشام، فكيف يسوغ أن يحدثنا عن المنام؟
قال أبو عبد الرحمن: وما راعني إلا حديثه عن الأرق، وكيف يتخلص المرء من القلق، قال: وإن شئت أن يداعبك النعاس، فاطرد عن ذهنك التفكير في الناس، واستسلم للنوم أو "ريلاكس"، فستشعر وقتها بالإيناس، وستحلق في عوالم الإحساس، ثم انغمس بكليتك في الدثار، واتل ما ورد من أذكار، وحافظ على راحة بالك، فإنها والله رأس مالك، مع البعد عن النيكوتين، وتجنب الكافيين، وتناول شيئ من الحساء، والاستحمام إذا جن المساء، وقديماً قالوا :النوم سلطان، لا يملك مقاومته الشجعان، لكن ما أعدله من مستبد، وليته ينجزنا ما يعد، انهمر يا نوم انهمار الودْق، فكم من صبٍّ برّح به الشوق، تخيل نفسك وقد جفاك الوسن، فلم تعد تعرف القبيح من الحسن، لا حرمنا الله من لذته، والحمد لله على نعمته.
قال أبو عبد الرحمن: فلما بلغ الخطيب هذا الحد، تذكرت أني صحوت مبكراً ذلك اليوم، وأني لم آخذ القسط الكافي من النوم، وتخيلت سريري وملاءتي، وتراءى لي طيف وسادتي، فخامرني النعاس، حتى أصبحت كغصن في مهب الريح أو قرطاس، لكن ما أذهب عني الكرى، وجعلني أسمع وأرى، ما وقع فيه الخطيب من أخطاء نحوية، وركاكة أسلوبية، لاسيما نصب الفاعل ورفع المفعول، وهو أمر غير معقول، وقد لا يعيب الخطيب أن يتحدث في المنام، الذي لا يستغني عنه الأنام، ولكن لكل مقام مقال، والبلاغة مراعاة الحال، والخطيب يستجيب لتطلعات الجمهور، ويلامس في أعماقهم النبض والشعور، ولا يصح أن يتجاهل السياق، أو يزدري لوعة الأشواق، وكما لا يصلح أن تتحدث عن الحج في رمضان، لا يصلح أن تتحدث عن النوم في ساعات الطعان .
قال سهم بن كنانة: وذكرني القاسم أبو عبد الرحمن بخطبة عيد حضرتها مع جدي لأمي، فقصصتها عليهم، فكانت القصة كما حكيتها أنني اعتمرت في أواخر رمضان، مع جدي مفلح بن سحمان، فلما أزف العيد، وتصرم الشهر المجيد، قررنا العودة إلى نجد، يحدونا الشوق والوجد، فركبنا الدابة فرحين، ويممنا الرياض مسرعين، فلما شارفنا على ظلْم، وقد شُفي منا كل كلْم، أدركتنا صلاة العيد، في وسط تلك البيد، فسألت جدي: ما رأيك لو استعنا ببركات الصلاة، على لأواء الفلاة، فقال: الأمر ما ترى، فقصدنا قرية تصفر فيها الريح، ليس فيها خزامى ولا شيح، ومشينا بضعة أميال، حتى خفنا تبدل الحال، وسوء المآل، وقال جدي: ما كان لنا أن نلقي أنفسنا في هذا اليباب، لكن ما أصاب من مصيبة إلا في كتاب، بيد أننا رأينا قوماً يتجهون متفرقين إلى مكان واحد، فوقع في روعنا أنه المصلى، أو جامع ليس إلا، فاقتفينا أثرهم، وسفرْنا سفرهم، حتى وصلنا المكان، وشعرنا بالأمان، وإذا هو مصلى صغير، يشهده خلق كثير، فلما فرغنا من الصلاة، صعد الخطيب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال :
أما بعد، فاحذروا الموت وكربته، وتذكروا القبر ووحشته، ما لكم لا تستعدون للموت، وحصول الفوت، ألا يرهبكم تبدل الأحوال، وتصرّم الآمال، ما لي أراكم تلهثون خلف السراب، وتتكالبون على الدنيا تكالب الذباب، عيونكم لا تدمع، وقلوبكم لا تخشع، تضحكون في مواطن البكاء، وتشتغلون باللهو عن نداء السماء، تستبدلون الفانية بالباقية، وتنسون في الخلد قطوفاً دانية، لا تأبهون لنار تلظى، وأجساد تتشظى، ليت شعري هل سالمكم الزمان، وهل حصلتم منه على أمان، أم غركم طول الأمل، فنسيتم خير العمل، لعمري إنكم لفي سكرتكم تعمهون، وفي ريبكم تترددون، وعن الحق معرضون، وعن الصراط لناكبون، ثم أنشد :
تخيلْ بأن صروفَ المماتْ
أصابتك في غفوةٍ من سباتْ
وأن الذي خفتَ طول المدى
يجرعُك الغصصَ المذهلاتْ
تخيلْ بأنك بين الصحابِ
تقاسمُهم فرحة الأمنياتْ
تقصُّ عليهم حديثَ الشبابِ
وتضحكُ من رائعاتِ النكاتْ
فتستلُّ روحَك كفُّ الردى
وتغدو صريعَ الهوى والشتاتْ
وكنتَ المضارعَ تحيا به
فقد قيل: ماضٍ تولى وماتْ
فماذا أفادك حملُ المتاعِ
ولمُّ القشور وجمعُ الفتاتْ
تزوّدْ لأخراك زادَ التقى
فأخراك يا صاح دارُ الحياة
وأفاض الخطيب في خطبته منذراً متوعدا، ولم يعبأ بمشاعر الناس، ولا بتلاحق الأنفاس، وأسرف في الترهيب من السعير، ومالك ومنكر ونكير، ثم أنشد هذه الأبيات معارضاً قصيدة الحريري :
تذكرْ يا أخا الفضلْ
إذا خطبُ الردى حلْ
فلا تلٌّ ولا سهلْ
ينجّيك من القبضْ
****
أما لنتَ لآياتْ
أما سرتَ لغاياتْ
أما استدركتَ ما فاتْ
فتنجو ساعة العرضْ؟
****
أما أنذرك اللحدْ
أما علّمك الجدْ
فحتّامَ تردّدْ
وتجني الشوكَ من روضْ؟
****
كأني بك في جُحرْ
كئيبٍ موحشِ القعرْ
ولا زيدٌ ولا عمرو
ولا خفقٌ ولا نبضْ
قال سهم بن كنانة: وحانت مني التفاتة إلى المصلين، فرأيتهم واجمين كرهبان في ديْر، أو مجتمعين على حادث سير، كأن على رؤوسهم الطير، ثم أعرت الشيخ سمعي مرة أخرى، فإذا هو يهدر :
خذ الحيطة يا صاحْ
فأنت الآن مرتاحْ
ولمّا تتركِ الساحْ
إلى صِدْعٍ من الأرضْ
****
ولا تركنْ إلى الكاشْ
كما يصنعُ أوباشْ
وقد أخطأ من عاشْ
حياة الطول والعرضْ
****
وحاذرْ من غزا المخْ
ومن حاك لك الفخْ
وأحسنْ صحبة الأخْ
ولا تأكلْ ربا القرضْ
****
ولا تأسَ على الأمسْ
ولا تغفلْ عن الرَّمسْ
وصلَّ النفلَ والخمسْ
فما خاب أخو الفرضْ
قال سهم بن كنانة: ولم يبد أن الخطيب قد شارف على النهاية، لكن القوم شارفوا، فقد اشتدت حرارة الشمس، وعلا التذمر والهمس، واستخدم بعض الناس المهفة، وبعضهم استخدم كفه، وصاح جدي: قم بنا فرأسي ضربه الصداع، وركبتي هدتها الأوجاع، ولست ملزماً بسماع خطبة عيد، قد تقطع مني الشريان والوريد، قلت: دعنا نغتنم أجر الخطبة، ولعل الله ينفس هذه الكربة، فلما فرغ الشيخ من خطبته، وكان في أوج نشاطه وهمته، توقعت أن يهب الناس للحركة، وأن يدعوا لبعضهم بالقبول والبركة، لكن أكثرهم ظل قاعدا، والتمست جدي فوجدته راقدا، فارتعد قلبي من الخوف، وأوشك أن يسقط في الجوف، لكني لمست يده وجسست عرقه، وفتحت عينيه وهمزت حلقه، فأيقنت أنه سالم صالح، وقمت أريد الخطيب، فوجدته يغذ الخطى إلى دابته، فأمسكته من عمامته، فصاح: من الرجل؟ قلت: بل من أنت؟ قال:
لا ليس ينُسي العهدَ طولُ فراقِ
أبداً وتبقى لوعة المشتاقِ
شكراً لمن جمع الأحبة بعدما
قطع الزمانُ سبيل كل تلاقي
قال سهم بن كنانة: فعلمت أنه صاحبي أبو نصر العزاز، وكنت أعرفه قديماً في الحجاز، فسألته: ما جاءك بك إلى هنا، وكيف تتحدث عن الموت في يوم المنى، فنظر إلي شزرا، وقال: لن تحيط بذلك خُبرا، ثم ركب مطيته، فتمنيت حينها لو لقي منيّته.
قال سهم بن كنانة: فلما استويت وجدي على الدابة، قال: ليت شعري كيف يحدثنا هذا عن النيران، في صبح نحتفل فيه بضيافة الرحمن، ثم لماذا هذه الإطالة، لا أم ولا أبا له؟ وهنا ضرب القاسم أبو عبد الرحمن كفاً بكف وصاح: قد فهمها ابن سحمان بفطرته، وأدركها بثاقب بصيرته، وهو ما يقوله أولو العلم والنجابة، الدارسون للاتصال والخطابة، ثم خاطبني منشداً:
عظيمٌ جدُّك الشهمْ
بليغٌ فهمُه الفهْمْ
ألا بلغه يا سهمْ
سلاماً يملأ الأرضْ
قال سهم بن كنانة: واكتفيت بهذا القدر من مجلس القاسم أبي عبد الرحمن، وخرجت وأنا أردد: ما كل من صعد المنابر خطيب، وما كل من جمع الدواوين أديب.
*أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود
https://twitter.com/LoveLiberty


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.