هناك أوقات يقف فيها الإنسان أمام ذاته مثقلًا بما لا يعرف أحد عنه شيئًا. تبدو الوجوه حوله قريبة، لكن قلبه يشعر بوحدة خفية، وكأنّ ما يحمله داخله لا يُفهم ولا يُقال. يرى ضعفَه واضحًا أمام عينيه، ويتوهّم أحيانًا أنّ الله قد تغيّرت نظرته نحوه بسبب سقوط أو خطأ أو لحظة هزيمة. يظنّ أن صوت الله له سيكون غير مستحق، أو أن الأحداث التي يعبرها دليل على بُعد الله عنه. لكن الحقيقة التي تعلنها لنا صفحات الكتاب المقدس بوضوح مذهل، هي أن الله لا يبتعد عن الضعيف، بل يقترب منه أكثر. وأن اللحظة التي يظن فيها الإنسان أنّه أقلّ ما يكون، يراه الله فيها أغلى ما يكون. فالكتاب يقول: «قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِنَ الْمُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، وَيُخَلِّصُ الْمُنْسَحِقِي الرُّوحِ» (مز 34: 18). وهذه ليست مجرد كلمات عزاء، لكنها إعلان لطبيعة الله ذاته. القرب لا يتحدد بقوة الإنسان، بل بانكساره أمامه. إن نظرة يسوع تختلف عن نظرة البشر؛ فالعالم يرى الضعف عيبًا، أمّا المسيح فيراه فرصة ليكشف محبته. ولعل من أعذب ما سجّلته الأناجيل تلك العبارة القصيرة: «فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ» (مر 10: 21). لم يقل الإنجيل إن يسوع وبّخه أو أظهر له عيوبه أو أوقفه عند ضعفه، بل أحبه. وهذه هي النظرة الإلهيّة التي تغيّر الإنسان من الداخل. ففي إشعياء نقرأ: «قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ» (أش 42: 3)، وهي عينها التي كرّرها المسيح في إنجيل متّى ليؤكّد أنّه لا يكسر من انكسر، بل يداويه، ولا يطفئ من انطفأ، بل يشعله بالحياة من جديد. وحتى عندما يرى الإنسان نفسه بعيدًا عن الله بسبب خطاياه، يبقى الإنجيل شاهدًا على حقيقة لا تتغيّر: «الله يُبَيِّنُ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ، مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رو 5: 8). أي أنّ المسيح لم ينتظر الإنسان يتحسّن كي يقترب منه، بل اقترب إليه وهو في أسوأ حالاته. ولعل القصص الكتابية أعظم برهان على هذه المحبة التي تحضن الضعيف دون شروط. فالمرأة الزانية التي ارتجف الجميع من خطيّتها، لم ترتجف أمام يسوع، بل سمعت صوته الحنون يقول: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ.. اِذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا» (يو 8: 10–11). وزكّا العشّار الذي ابتعد عنه الناس، دعاه يسوع باسمه ودخل بيته ليقيم فيه حياة جديدة (لو 19: 1–10). والمرأة الخاطئة التي جاءت بدموعها وزيت الطيب لم يسمع منها المسيح قصة حياتها ولا طلب منها اعتذارًا، بل قال لها: «إِيمَانُكِ خَلَّصَكِ... اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ» (لو 7: 50). والمفلوج الذي جاء محمولًا من أصحابه لم يسمع أولًا كلمة شفاء لجسده، بل كلمة أعمق بكثير: «مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ» (مر 2: 1–12). وحتى بطرس الذي أنكر سيده، لم يقف المسيح أمامه ليعاتبه على سقوطه، بل أمسك قلبه من عمقه وسأله ثلاث مرات: «أَتُحِبُّنِي؟» (يو 21: 15–19)، ليعيد إليه كرامته الضائعة ويقيمه راعيًا لشعبه. ومن أجمل ما قيل عن علاقته بالإنسان المنكسر، كلمات المزمور: «ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكِسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ» (مز 51: 17). فالانكسار الذي يراه الناس ضعفًا يراه الله أعظم ذبيحة. والدمعة التي يخجل الإنسان منها، يحتفظ بها الله في زقّه كما قال داود. والمشاعر التي لا تُقال يسمعها روح الله في عمقها، كما يذكر بولس: «الرُّوحُ نَفْسُهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا» (رو 8: 26). وكل صمت يرفعه الإنسان لله يتحوّل صلاة، وكل ضعف يُقدَّم بروح صادق يتحوّل مطهرًا للقلب وسببًا لعمل جديد. لقد أحبّ الله الإنسان قبل أن يقوى، وقبله قبل أن ينجح، واحتضنه قبل أن ينتصر. وإن كان الإنسان يرى نفسه اليوم مكسورًا، فالله يراه مادة لصنع معجزة. وإن كان يشعر بأنه بعيد، فالله أقرب إليه مما يتصور. وإن كان يرى في نفسه قصبة مرضوضة، فالله يراها قابلة للقيام. وإن كان يرى فتيلة مدخّنة، فالله يراها شمعة يمكن أن تضيء من جديد. يعرف ما لا نبوح به يدبر في صمت لذلك إن كنت ترى ضعفك اليوم، فارفع عينيك إلى تلك النظرة التي نظرت إلى الشاب الغني وأحبّته، إلى تلك اليد التي أقامت بطرس، وإلى ذاك الصوت الذي سامح المرأة الزانية، وإلى ذاك القلب الذي فتح بيت زكّا، وإلى ذاك الحنان الذي غفر للمفلوج قبل أن يشفي جسده. فحين تتلامس مع نظرة المسيح لا تعود ترى ضعفك كعقوبة، بل كبداية نعمة. ولا ترى نفسك مرفوضًا، بل محبوبًا بمحبة لا تسقط أبدًا. فالله لا ينظر إليك من خلال أخطائك، بل من خلال محبته. ولا يراك كما يرى الناس، بل كما يراك هو: ابنًا غاليًا، يستحق أن يُقام، ويُشفى، ويُحتضن، ويبدأ من جديد. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا