عمر الفاروق: الثورة تسقط الدستور والمرحلة الانتقالية أداة الشرعية الثورية محمد رفعت: الشرعية الثورية مستمدة من الشعب أثناء التحولات الكبرى جيهان جادو: دستور النظام البائد سقط تلقائيا والثورة لا تخضع لأحكام القضاء تتنازع الساحة السياسية الآن شرعيتان، إحداهما الشرعية الثورية ممثلة في الفعل الثوري القائم بميدان التحرير وبقية الميادين، والأخري الشرعية الدستورية ممثلة في اعادة بناء مؤسسات الدولة والدستور بشكل صحيح، ومسألة الشرعية برزت منذ لحظة سقوط النظام في 11 فبراير2011، ليصبح الوضع غير دستوري لأن دستور 1971 تم تعطيله، وتبدأ المرحلة الانتقالية المستمرة حتي الآن، فالشرعية الدستورية بعد 30 يونيو 2012 كانت كاذبة ومخادعة، لأن مؤسسات الدولة والدستور لم يتم بناؤها بشكل صحيح، وبالتالي عادت الدولة للمرحلة الانتقالية بأداتها في الشرعية الثورية، وهو مسار يجعل الثورة هي مصدر الشرعية الوحيد فتقوم بنسف الأطر التشريعية والقانونية القديمة وتؤسس لنفسها أطرا تشريعية جديدة. الدكتور عمر الفاروق - أستاذ القانون الجنائي، عميد كلية الحقوق ببنها- أكد أنه عندما تقوم ثورة فلا تكون هناك شرعية دستورية، وتكون الشرعية مصدرها الشعب، والآن في تلك المرحلة الانتقالية لدينا شرعية ثورية، ولذا حدث التفويض من الشعب للفريق السيسي لمحاربة الإرهاب، مشيرًا إلى أن الشعب أضفي نوعا من المشروعية ووضع سياجا من القانون، على التفويض، فالشعب مصدر السلطات. وقال الفاروق: ليس هناك صراع بين الشرعيتين الثورية والدستورية، ففي المرحلة الانتقالية نجد أن هناك شرعية ثورية، وإذا استقرت الدولة تكون هناك شرعية دستورية. وأضاف الفاروق: إن ما يحدث في المرحلة الانتقالية منذ 2011 هو أن هناك شرعية ثورية، حاول البعض تحويلها لدستورية لكن الآليات كانت فاسدة وغير سليمة، لذا لم تنجح الشرعية الدستورية، وقمنا بعمل موجة ثانية للثورة للتصحيح، مؤكدًا أننا الآن في شرعية ثورية، ولم نصل بعد للشرعية الدستورية، وإذا لم يستقر الأمر على شرعية دستورية سليمة ستعود الشرعية الثورية. وأكد الفاروق أن المرحلة الانتقالية أداة من أدوات الشرعية الثورية، وعلينا أن نجيد بناء مؤسسات الدولة ووضع دستور سليم يحفظ هوية مصر ويؤدي لانتخاب مجلس يمثل الشعب وجميع الطوائف حتي لا نعود بعد المرحلة الانتقالية إلى الشرعية الدستورية مرة أخري. الدكتور محمد رفعت - أستاذ القانون العام بجامعة الإسكندرية - يقول إن الشرعية الدستورية القائمة على الدستور القائم بالفعل، تطبق في الأحوال العادية، وبالتالي أي تصرف أو قرار أو قانون مخالف للشرعية الدستورية يُخرج عن نطاق الدستورية. وأضاف رفعت: إن الشرعية الثورية هي شرعية مستمدة من الشعب، وتوجد أثناء التحولات الكبري في حياة الشعوب وفي حالة الثورة، مؤكدأ أننا الآن في شرعية ثورية وغير دستورية، ففي حالتنا المصرية في ثورة 25 يناير وما تلاها خلقت شرعية ثورية تأخذنا في إطار المصلحة العامة،وتهدف للقضاء على الديكتاتورية، وحماية الديمقراطية والإصرار على إرادة الشعب، وليست لمطامع فئوية أو أغراض شخصية، وهذه الشرعية يجب أن تحترم في فترة التحولات. وأكد رفعت أن التحولات تنبعث مبادئها من الشرعية الثورية، وكل ما يحقق مصلحة أغلبية الشعب، مشيرًا إلى أن الشرعية الثورية ليست مع العنف والاقتتال، وتحترم الفريق الآخر والرأي المعارض، لكن الإجماع في الشرعية الثورية مستحيل في أي من الأمور. وأشار رفعت إلى أن ثورة 25 يناير لم تنته في 25 يناير أو 11 فبراير، لكنها استمرت، ولم تقم المؤسسات الدستورية بشكل صحيح، قائلًا:" بعد قيام المؤسسات الدستورية تصورنا قيام الشرعية الدستورية، لكنها كانت خادعة، لأنها لم تكن تعبر عن جوهر أهداف الثورة، وبالتالي لا يمكن اعتبار الشرعية الدستورية حقيقية، لأنها كانت مخادعة، ولا تعبر عن رأي الأغلبية، لذا كانت العودة للشرعية الثورية في هذه الفترة. الدكتورة جيهان جادو - أستاذ القانون الإداري، سفيرة النوايا الحسنة- توضح أن مفهوم الشرعية الثورية ظهر في الأيام الأولى للثورات العربية، كتعبير عن إرادة شعبية موحّدة أو شبه موحدة لإسقاط الأنظمة القائمة بما فيها دساتير تلك الأنظمة وأي قانون يعترض طريق الثورة، وفي بحث لجيهان عن مدي تأثير الشرعية الثورية على الدساتير والقوانين، ذكرت أنه رغم القبول العام لهذا المبدأ في فترة بداية الثورة فقد دخل إلى حيّز النسيان بعد مراحلها الأولي وتم استبداله بالآليات القانونيّة المعتادة، كالإعلان الدستوري ونظام القضاء، كما كان وما زال موجودًا منذ زمن ما قبل الثورة. وإذا نظرنا إلى مصر مثلًا نرى كيف أن غياب مفهوم الشرعية الثورية عن مشهد المرحلة الانتقالية وغياب آليات متفق عليها لوضعه حيّز التنفيذ، هو ما أدى إلى حالة التخبّط الحالية وعزز من قدرة السلطات غير الثورية للتحكم بالمشهد، فلو كانت الشرعية الثورية هي القول الفصل والحكم للمرحلة الانتقالية، لما كان بوسع المجلس العسكري أن يصدر إعلانًا دستوريًا مكملًا ينتقص فيه من صلاحيات السلطات المنتخبة وما كان بإمكان المحكمة الدستورية العليا أن تحل برلمانًا منتخبًا بأوسع مشاركة شعبية في تاريخ مصر وتُحدث بذلك القرار فراغًا هائلًا في مرحلة شديدة الحرج من عمر الثورة. جيهان تشير إلى أن السبب في هذه الحالة يعود لعدم وضوح مفهوم شرعية الثورة، بالإضافة إلى سهولة العودة إلى الآليات القضائية الموجودة، فقد أدى هذا الواقع إلى عدم البحث والاتفاق على آليات لتطبيق مفهوم شرعية الثورة، والآن يبدو البحث عن تلك الآليات ضروريًا حتى نهاية المرحلة الانتقالية. وأضافت: لابد من الاتفاق على بعض أساسيات هذه المفاهيم، أولًا: ليس هناك ثورة في التاريخ تطيع الدستور، والثورات تكون دائمًا وأبدًا غير دستورية ومخالفة للقانون، مشيرة إلى أن مفهوم الشرعية الثورية يأتي بالتحديد من صلب هذه الثورة وتستمد شرعيتها من نفسها وليس من أي قانون وضعي، والثورة هي حالة فوق دستورية وفوق قانونية ولا تخضع لأحكام القضاء. وقالت جيهان إن دستور النظام البائد يسقط تلقائيًا "دون الحاجة إلى أي إجراء آخر عندما تفرض الثورة نفسها ويقوم حولها إجماع شعبي أو شبه إجماع، وهذا ما حدث فعلًا في مصر، فالدستور القديم يسقط ليس من خلال آليات يحددها هو ولكن من فعل يأتي من خارجه ويلغيه، هذا الفعل هو الثورة. وأشارت دكتورة جيهان إلى أنه خلال المرحلة الانتقالية يسود مفهوم الشرعية الثورية بمعنى أن أحكام القضاء أو الإعلانات الدستورية الفوقية تُعتبر غير مُلزمة وغير شرعية إذا تناقضت مع شرعية الثورة، والهدف الأساسي لمفهوم شرعية الثورة هو إنجاح الثورة، وإذا أخذ هذا الهدف بالضرورة منحى هجوميًا عندما كانت الثورة في أوج اشتعالها يصبح هذا الهدف دفاعيًا في المرحلة الانتقالية، إذ تتحول معركة الثورة في تلك المرحلة من هدف إسقاط النظام إلى هدف منع بقايا النظام من الالتفاف على الثورة وإعادة إنتاج النظام القديم. جيهان تضيف: الشرعية الثورية تستمد صفتها من الإجماع أو شبه الإجماع الشعبي عليها، لذلك تنتفي صفة الشرعية الثورية عن أي قرار أو مبادرة ينتفى عنهما أو ينفض من حولهما شبه الإجماع، ويمكن تصور عدة آليات لاستخراج وتطبيق الشرعية الثورية، ولكن يجب للآلية المتبعة أن تكون مناسبة لظروف اللحظة. ورأت أن مفهوم الشرعية الثورية يستمد قوته من الإجماع ووحدة الإرادة، وليس من أي قانون، إذ أن مسار الثورة في مصر أوضح أن القوى الحاكمة للمرحلة الانتقالية- كالمجلس العسكري- قد تراجعت وقدمت تنازلات أضافية في كل مواجهة رأت فيها أنها تواجه إرادة مضادة شبه موحّدة وعلى درجة عالية من التصميم. ومفهوم الشرعية الثورية هو مفهوم مؤقت واستثنائي ينتهي بانتهاء الحالة الثورية أو الفترة الانتقالية، وذلك لأن هذا المفهوم يعبر عن درجة غير عادية واستثنائية من الوحدة الشعبية، فالشعب في المحصلة النهائية لا يعيش حالة وحدة دائمة والوحدة الدائمة لا تهدف إليها في النهاية إلا الأنظمة الفاشية، وهي ضد طبيعة الحياة في أي مجتمع كبير ومتغير. وقالت جيهان جادو:عندما نتحدث عن الشرعية الثورية وشروطها - ونحن في خضم الثورة- يجب أن نتذكر أن الشعب يريد في النهاية حياة طبيعية وليس ثورة دائمة، لذلك تكون دائما وأبدا الشرعية الثورية أساسًا، بل داعمًا رئيسيًا للتغيير في كل شيء، وعلي رأس تلك التغييرات الدساتير والقوانين المؤسسة للدول.