في مرحلة دراستي للثانوية العامة قرأت مقالًا كانت قد قررته علينا حينها وزارة التربية والتعليم عن الصداقة للكاتب المصري والفيلسوف الأستاذ زكي نجيب محمود لا تزال أثاره عالقة في الذاكرة.. وجاء في صدر المقال عبارة كان من الصعب نسيانها إذ يقول: بالصداقة يزداد الصديق اقترابًا من المثل الأعلى للإنسان الكامل.. ولم يحدد لنا في مقاله سمات ومحددات الإنسان الكامل.. لكنه علمنا في مجمل مقالاته كيف يكون الانسان كاملًا.. ورغم الزمن لا تزال تفرقته بين الصديق والصاحب والرفيق حاضرة.. والذي لم يقرأ ولم يعرف من هو الدكتور زكي نجيب محمود من الأجيال الشبابية المعاصرة؛ فدعوني في عجالة أقدمه إليكم.. فهو من أبرز فلاسفة العرب ومفكريهم في القرن العشرين، وأحد رُوَّاد الفلسفة الوضعية المنطقية. وصَفَه العقاد بأنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة؛ فهو مفكِّرٌ يصوغ فكره أدبًا، وأديبٌ يجعل من أدبه فلسفة! فقد اجتمع لدى الدكتور زكي نجيب محمود الرغبةُ المُلِحة في تتبُّع التيارات الفكرية المُعاصرة، وفي الوقت نفسه الاتصالُ بالماضي وما عَلِق به من علوم وقِيَم تراثية ترتبط بالواقع بشكلٍ أو بآخر، ورَبْط ذلك كله بالحياة العامة وإيصال الرسائل الفكرية التي تحتويها بأسلوبٍ سهلٍ مُمتع.
وفي كتابه الأهم، قيمٌ من التراث، يجمع الكاتب أكثرَ من ثلاثين مقالًا يرتبط مُعظمها بقضية الأصالة والمعاصَرة، وبما يتبعها من جدلٍ فِكري ثَرِي وموضوعي، مثل: الضمير الديني وما وراء الشعائر، وعلاقة الفلسفة بالدِّين والتديُّن، وتيارابن رشد الفكري، ودور المسلمين كما يراه في العصر الحديث، ونظرتهم للدِّين الإسلامي كدِينٍ مُتكامل نستطيع به النهضةَ والتقدم. وتضمن الكتاب مقالين في غاية الروعة راح يرد بهما على المهاجمين للثقافة المصرية والمتشككين والمُشككين في ولاء أجيالها المعاصرة.. وجاء المقال الأول بعنوان مصر هي أنت يا صديقي، بينما جاء المقال الثاني بعنوان لكِ أنت الولاء يا مصر..
وفي مقاله الأول جاء بعبارة لا يمكن نسيانيها أيضًا وكأنه يحدد بدقة محددات الأمن القومي المصري الذي يكمن دائمًا في وعي الشباب وثقتهم في أنفسهم وفى قدرتهم على التنمية والنهضة وصناعة التاريخ وفي ولائهم المستمر للدولة المصرية.. حيث كتب زكي نجيب محمود يقول: يا صديقي إن مصر هي أنت وهي أنا، وهي كل فرد مصريٍ تراه، فإذا أردتَ الحديث عن مصر حديثًا صادقًا مُنزَّهًا عن الهوى، فخُذ مصر بمجموعها، خُذها هنا على أرضها، ثم تعقَّبها حيثما اتجهت، وأينما جُلْتَ في أقطار الأرض، تعقَّبْها في أشخاص المصريين الذين يعلمون ويطبُّون ويهندسون ويُعمرون الخراب، تعقَّبها في شخصك أنت، فالذي تصنعه حيث أنت، وتفاخِرنا بصنعه، إنما هو مصر تجسَّدت فيك بعلمها وأدبها ودماثة طباعها.
ولا أريد هنا الوقوف طويلا على مأثر ومجمل كتابات أديبنا ومفكرنا الوطني الراحل. لكنني فقط أود الحديث عن الصداقة كما يراها زكي نجيب محمود بعقله النابه وكما أراها الأن في زمن وعصر مختلف، وبعد قرابة خمسين عام من مقاله عن الصداقة حيث توفي أديبنا عام 1993 وهو العام الذي حصلت فيه على لقب أول أدباء الجامعات المصرية من جامعة جنوب الوادي. وهى السنة قبل الأخيرة من تخرجي من جامعة القاهرة. كعادة زكي نجيب محمود في كتاباته التزم بالموضوعية والمنطق حين فرق بين الصاحب والصديق.. وبين أن الصديق هو الذي تصدق معك أقواله أفعاله، وهو حائط الصد المنيع الذي يحول بينك وبين سهام الحاقدين والحاسدين والمتأمرين.. وكثيرًا ما يتلقى عنك بعضًا من ضربات الأعداء الموجعة وهو مبتسم! لا تغيره الأحوال والظروف ولا تهدد محبته رياح المصالح العابرة.. فمحبتهُ إليك راسخة كالجبل.. وغضبه من أجلك جحيم.. فهو سيفك الحاسم على أعدائك.. وسفيرك الأمين بلا أجر! أما الصاحب فشبههُ زكي نجيب محمود ببشرة الوجه التي ترافق صاحبها وقت صحته ومرضه.. ففي الصحة تلمع ويشتد بريقها، وحين يمرض صاحبها تذبل.. فعلاقتها بصاحبها مرهونة بصحته وعافيته.. وحين يمرض أو ينتابه الكبر تتخلى عنه وتتركه كالأسد الهضيب!
لكن صديقتي الخبيرة بشئون التواصل البشري والشغوفة في نفس الوقت بالأدب الأستاذة نهال القويسني فقد قالت: لا تضع الحب أبدًا في مواجهة المصلحة! فحتمًا ستنتصر المصلحة، ولا تحاول أن تختبر محبةَ صاحبٍك بأن تضع الصداقة في وجه المصلحة، فحتمًا في أيامنا تلك ستخسره! يبدو أن صديقتي نهال كانت أكثر تشاؤما ولم تترك لي بابًا مفتوحًا لصداقة مثالية.. فتجاربها الحياتية مع الأصدقاء عبر خبراتها الإنسانية الطويلة ربما كان معظمها إن لم تكن جميعها سالبة.. وخلاصة نصيحتها أن دوام المصالح يديم العلاقات وربما يُعمقها.. لكن هذه الصنوف من العلاقات في تصوري مهما طالت ومهما كان عمقها سوف تظل مزيفة! فأسوأ الصداقات في نظري هي التي يتعامل أطرافها معك باعتبارك طبقٌ أنيقٌ من الفاكهة، حين يلتقون بك يقبلون عليك ويحتفون بوجودك، لا لشيئ سوى لأنهم يرغبون في أكلك.. وحين تفرغ الفاكهة يلقون بك في أقرب صندوق للقمامة! وهؤلاء لا يحتاجون إلى معلم ولن تنفع في تقويمهم كتب السماء.. فقلوبهم معلقة بطبق الفاكهة.. ذلك هو مذهبهم في الحياة الذي لا يتغير إلا بتغير صنوف الفاكهة وأقصد بالطبع المصلحة.. وحلهم أن يتذوقوا مرارة فاكهة الصداقة ويعلموا عن يقين أن لحم الأصدقاء مسموم! هؤلاء فقط يحتاجون إلى كاميرا دون فلتر تتابع سلوكياتهم اليومية ومواقفهم الحياتية المتناقضة.. وربما يحتاجون إلى مرآة صادقة تُريهم عورات تصرفاتهم بوضوح ودون مواربة! فصديقي كما وصفه شاعرُنا القديم من يقاسمني همومي، ويرمي بالعداوة من رماني.. ويحفظني إذا ما غبتُ عنه، وأرجوه لنائبة الزمانِ! ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا